نجح المركز القومى للبحوث فى تنفيذ عدد من المشروعات التنموية، شملت محاور متعددة أبرزها إعادة الحياة إلى الحقل الإرشادى «مزرعة أبوكلام» وذلك فى إطار الخطة البحثية التطبيقية لتنمية محافظة جنوبسيناء (2013- 2016) وأكد الدكتور أشرف شعلان رئيس المركز فى حوار مع «الأهرام» أن الخطة تضمنت تنفيذ مشروعات صناعية، منها استخدام صخور البازلت بسيناء لإنتاج مواد للأغراض الإنشائية، ومشروعات طبية للتثقيف الصحى والتدعيم الغذائى للعلاج والوقاية من بعض المشكلات الصحية المنتشرة بين أطفال جنوبسيناء، والتنمية المتكاملة فى المجتمعات البدوية، ودعم المجتمع البدوى فنيا وتقنيا، وتطوير ودعم الثروة الحيوانية. وأوضح أن تنفيذ المشروعات، تضمن إنشاء محطة لتحلية المياه وإنتاج الخضر والفاكهة والنباتات الطبية، بالاضافة إلى توليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية بالمناطق النائية، وإنتاج محاصيل صديقة للبيئة لتوفير الوقود الحيوي. وفى هذا الحوار نلقى الضوء على المزيد من جهود البحث العلمى فى تنمية جنوبسيناء. هل لنا أن نتعرف بداية على بعض مشروعات خطة تنمية جنوبسيناء التى يشارك فى تنفيذها المركز القومى للبحوث؟ تضمن البروتوكول الذى وقعه المركز مع اللواء خالد فودة محافظ جنوبسيناء فى ديسمبر 2013 إعادة إحياء وتطوير الحقل الإرشادى فى بئر أبو كلام بمدينة الطور، وهو مزرعة إرشادية تم إنشاؤها بمعرفة المركز القومى للبحوث لمصلحة جهاز التعمير فى عام 1987، وبعد الإنشاء تم تسليم المزرعة إلى مديرية الزراعة بجنوبسيناء عام 1990، وتتبع المزرعة إداريا مديرية الزراعة بالمحافظة منذ تسليمها حتى الآن. وبمقتضى البروتوكول تولى المركز إعادة إحياء المزرعة بتمويل 3,2 مليون جنيه، ويستمر المشروع 3 سنوات على مساحة 26 فدانا، ليصبح مزرعة متكاملة، لزراعة الخضر والفاكهة والإنتاج الحيوانى والاستزراع السمكى . ومع بداية العمل فى المزرعة فى نوفمبر 2013 تبين أنها وصلت إلى درجة من الإهمال الجسيم، حيث أصبحت المساحات الجرداء أكبر جدا من المساحات الخضراء. وكانت المزرعة فى حالة متهالكة لعدم وجود خطة للتنمية المستدامة فيها، بالإضافة إلى تمليح بئر الري، وكان الإهمال يبدو واضحا فى أشجار الزيتون والتين. وبناء على نتائج تحليل المياه قام المركز بتصميم وتنفيذ وحدة تحلية مياه آبار بواسطة التناضح العكسى بطاقة 50 مترا مكعبا فى اليوم مع تصنيع خلية تعقيم كهروكيميائى كبديل لمحلول هيبوكلوريت الصوديوم المستخدم فى تعقيم المياه الداخلة فى وحدة التحلية، وتعقيم المياه المحلاة مع إنتاج مياه شرب ومياه رى مختلفة الملوحة حسب احتياجات الزراعات المختلفة. وتعالج المياه الجوفية باستخدام نظام متكامل يجمع بين الفلاتر الرملية متبوعة بالخلية الكهربائية لمعالجة وتحلية المياه مع استخدام المياه الناتجة عن المعالجة فى تربية الأسماك، ثم استخدام المياه الناتجة من تربية الأسماك فى الزراعة المائية والسطحية، وتوفر هذه الوحدة حاليا المياه اللازمة لرى كامل مساحة المزرعة الإرشادية ببئر أبو كلام. كما أنشأ المركز القومى للبحوث بناء على خطته البحثية نموذجا لمزرعة متكاملة تتضمن 4 أحواض سمكية، لتكون وحدة تدريبية للمزارع السمكية بمحافظة جنوبسيناء يتم فيها تدريب المزارعين على الطرق السليمة والعملية لتربية الأسماك كما يمكن لمديرية الزراعة فيما بعد استخدامها لإنتاج اصبعيات السمك وتوزيعها على المزارعين بالإضافة إلى إمكان عقد دورات تدريبية وإرشادية لأصحاب المزارع السمكية بجنوبسيناء. وقد لاحظنا تهالك شبكة الرى بالمزرعة سواء الخطوط الرئيسية أو الفرعية أو تحت الفرعية بالإضافة إلى خراطيم الري، وتم تجديد الشبكة بكاملها للمزرعة، ومد خطوط الرى الفرعية بالمزرعة بواسطة شباب الباحثين بالمركز القومى للبحوث. ما المحاصيل التى ستتم زراعتها وفقا للخطة؟ حددنا الموقع والمساحة التى ستزرع بمحصول الرمان، والأصناف الجديدة من التين ومحصولى الجوجوبا والجاتروفا وتجهيز وتسوية وإعداد الأرض للزراعة، وتحديد الكميات المطلوبة من الأسمدة والمركبات الغذائية. وبعد أن توافرت المياه المحلاة بالمزرعة والناتجة من محطة تحلية المياه التى أقامها المركز أصبح من الممكن زراعة نباتات الخضر سواء الحساسة للملوحة أو المقاومة لها، ومن ضمنها البصل، والنباتات الرعوية التى يمكن استخدامها كعلف لتغذية الحيوانات الاقتصادية، وتم إدخال زراعة نباتات المورنجا كنبات علف يتميز بارتفاع محتواه من البروتين والعناصر المعدنية بالإضافة إلى تأثيراته الطبية الإيجابية على الحيوان. كما تمت زراعة محاصيل الطاقة التى يمكن استخدامها أو احد أجزائها لإنتاج الوقود الحيوى بصفة مستدامة وكبديل للوقود الاحفوري، ومن أهم الأنواع النباتية المستخدمة فى هذا المجال أشجار الجوجوبا والجاتروفا ذات التطبيقات الواعدة تحت ظروف شبه جزيرة سيناء، حيث تعتبر نباتات الجوجوبا والجاتروفا مصدرا للطاقة البديلة خاصة تلك الطاقة المستخدمة فى تشغيل محركات الطائرات النفاثة، وتتميز بتحمل الجفاف، واحتياجاتها القليلة من المياه، وتحملها للملوحة المرتفعة، جعلتها نباتات صديقة للبيئة، بالإضافة لإمكان زراعتها فى الأراضى الصحراوية، وكذلك إمكان ريها بالمياه الجيدة أو مياه الصرف الصحى المعالجة . شملت خطة التنمية دعم الإنتاج الحيوانى لتحسين السلالات وتوفير الغذاء.. فماذا أنجز المركز فى هذا المجال؟ لم يكن هناك أى نشاط للإنتاج الحيوانى رغم وجود عنبر متهالك لتربية الأرانب، فتم تهيئة هذا العنبر وتزويده بأصناف جديدة من الماعز (الدمشقى والبور) والغنم العواسى بهدف تحسين السلالات المحلية لدى البدو، وتم تهجين الماعز الشامى مع البور ونتج عن ذلك سلالة تتميز بصفات شكلية من كلا النوعين وتتميز بمعدلات نمو عالية وكان التهجين بين ذكور البور وإناث الشامى أفضل من تزاوج ذكور الشامى مع إناث البور. وقد أثار هذا الهجين انتباه المربين والبدو فى منطقة طور سيناء مما دفعهم إلى تقديم طلبات لاقتناء تلك الهجن أو الأصول، كما قام علماء المركز بإدخال الغنم العواسى الذى يتميز بارتفاع معدلات النمو بصورة أكبر من السلالات المحلية حيث يصل وزن الكبش إلى أكثر من 80 كيلوجراما قبل أن يتم عامه الأول. وإيمانا من علماء المركز بأن الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة بالمزرعة هو خير وسيلة لرفع كفاءة الأداء وزيادة العائد، مما يجعل مزرعة الإرشاد نموذجا يحتذى به لدى المزارعين من البدو، فقد قام الباحثون باستخدام مخلفات المزرعة سواء النباتية أو الحيوانية لإعداد كومات سماد عضوى بالإضافة إلى استخدام قش الأرز وذلك باستخدام الميكروبات الحيوية المتخصصة فى تحلل الأنسجة السليوليزية. وتم تعليم وتدريب المهندسين العاملين بالمزرعة والعمال الدائمين بها على كيفية عمل الكومات السمادية وكيفية إضافة المواد الميكروبية اللازمة لإتمام عمليات التحلل والتحول وتقليب الكومات وإضافة المياه عند اللزوم حتى تمام نضجها. كيف قام المركز بإنتاج الطاقة الكهربائية اللازمة للمشروعات؟ أمد المركز القومى للبحوث الحقل الإرشادى بنظام خلايا شمسية ودوارة رياح لاستخدامها فى إنارة المبنى الإدارى بالمزرعة وعنبر الإنتاج الحيواني. كما تم إمداد الحقل بنماذج من طباخ شمسى ومجفف شمسى ومقطر شمسى وسخان شمسى وشواية شمسية، لكى يتمكن قاطنو المناطق النائية من التى لا يتوافر فيها مصادر كهرباء من التعرف عليها واستخدامها لقضاء احتياجاتهم اليومية من طهو وتجفيف وتسخين مياه وكذلك تعريفهم باستخدامات الخلايا الشمسية لإنارة المنازل. وقام علماء المركز بتركيب توربينة رياح بقدرة 0,5 كيلو وات كنموذج لاستغلال الرياح فى الصحراء لتوليد الطاقة الكهربائية فى المناطق النائية وتم ربطها كهربيا بمنظومة الطاقة الشمسية التى تم تركيبها فى الحقل الإرشادى ببئر أبو كلام. هل اقتصرت مشروعاتكم التنموية فى جنوبسيناء على إعادة إحياء «مزرعة أبو كلام»؟ الجزء الثانى من الخطة يشمل مشروعات خارج الحقل الإرشادي، منها استخدام صخور البازلت بسيناء لإنتاج مواد للأغراض الإنشائية، ويهدف هذا المشروع إلى تحضير منتج باستخدام صخور البازلت المتوفرة فى سيناء لإنتاج مواد متبلورة تعرف بالزجاج السيراميك ذات مواصفات عالية تصلح للتطبيقات الإنشائية، مثل إنتاج مواسير الصرف الصحى ومواسير تصنيع المشتقات البترولية والغازات وبلاط الأرضيات والجدران للمنشآت الصناعية والمبانى المختلفة، وهذا التطبيق يعتبر مجالا تكنولوجيا جديدا فى العالم العربى بوجه عام ومصر بوجه خاص. وقد ركز المشروع على استغلال صخور البازلت، والبازلت المتحللة المتوافرة فى منطقة أبو زنيمة بمحافظة جنوبسيناء ومن خلال المنتج النهائى وهو الرخام الزجاجى الذى ينافس المنتج العالمى من حيث الجودة والسعر التنافسي، ويستخدم فى واجهات المبانى والمنشآت الصناعية ومواسير الصرف الصحى والمشتقات البترولية ورخام المطابخ وحمامات السباحة. وتمكن الباحث الرئيسى للمشروع من إنتاجه بصورة نصف صناعية، حازت إعجاب القائمين على صناعة المحاجر فى جنوبسيناء. كما حاز على إعجاب وزير البحث العلمى الدكتور شريف حماد، واللواء خالد فودة محافظ جنوبسيناء خلال اليوم العلمى الذى عقد فى المحافظة فى مركز تمكين المرأة أخيرا. كما حاز هذا المنتج على الجائزة الأولى بالمعرض الدولى للابتكار الذى عقد بالجامعة الأمريكية العام الماضى من بين 300 ابتكار تم عرضها فى هذا المعرض، بالإضافة إلى استخدام هذا المنتج فى تطبيقات الطاقة الشمسية لما له صفات مميزة تم قياسها فى معامل المركز القومى للبحوث. أما المشروعات الطبية التى تضمنتها الخطة فشملت مشروع التثقيف الصحى والتدعيم الغذائى للعلاج والوقاية من بعض المشكلات الصحية المنتشرة بين أطفال جنوبسيناء من خلال المسح الطبى الشامل الذى قام به المركز القومى للبحوث فى مشروع «تحسين الحالة الصحية والغذائية لأطفال جنوبسيناء» بتمويل من الاتحاد الأوروبى (2007- 2010) فقد توصل علماء المركز لخريطة صحية شاملة للأمراض المنتشرة بين أطفال جنوبسيناء، ومنها تضخم الغدة الدرقية وبعض الأمراض الجلدية. وتنتشر هذه الأمراض نتيجة لأسباب غذائية ونقص الوعى الصحي، وقد قام المركز من خلال علمائه الأطباء بتقديم العلاج والتثقيف الصحى بطرق الوقاية لتضخم الغدة الدرقية و بعض الأمراض الجلدية فى مدينة رأس سدر حتى يكون نموذجا يمكن تطبيقه فى باقى مراكز محافظة جنوبسيناء . وانطلاقا من خطة البحوث التنموية التى بدأها المركز القومى للبحوث فى مزرعة بئر أبو كلام حتى تصل فكرة التنمية المتكاملة لدى المجتمعات البدوية فقد قام المركز القومى للبحوث بعمل نماذج تنموية لدى أسرتين بدويتين إحداهما بوادى الطور والأخرى بجبل المنطقة الصناعية، حيث استخدمت الطاقة الشمسية الناتجة من ألواح الطاقة الشمسية ودوارة الرياح فى إنارة المنزل البدوى وتشغيل محطة التحلية حيث لا يوجد فى تلك المنطقة شبكة كهرباء عامة وكانت تلك الأسرة تعتمد فى إنارتها على مولد كهربائى يعمل من ساعتين إلى ثلاث ساعات ليلا لإمداد الأسرة بالكهرباء. وبعد تركيب الوحدة تم تجريبها وإنارة المنزل بكامله مع إمكان تشغيل تليفزيون وغسالة عادية. وكذلك تشغيل محطة تحلية المياه (متر مكعب يوميا) معتمدا على الطاقة الشمسية والطلمبات الخاصة بالصوبة الزراعية، وتم تدريب الأسرة البدوية على كيفية استخدام الطباخ الشمسى والمقطر الشمسى ووحدة إنتاج الغاز الحيوي. وشارك علماء شعبة البحوث البيطرية بالمركز القومى للبحوث بمشروع يهدف إلى تنمية الثروة الحيوانية، لرفع كفاءتها الإنتاجية من اللحوم والألبان.