يبدو أن غالبية الأتراك سيحذون حذو أهل بلاد الغرب، وسيعتبرون من الان فصاعدا رقم 13 مرادفا للشؤم أو النحس ، فمع بدايات الشهر الثالث عشر ، والأول فى عامه الثانى ، على إعتلاء رجب طيب اردوغان مقاليد الرئاسة فى العاشر من أغسطس العام الفائت ، والمصائب تتوالى عليهم وهم الذين اعتقدوا خطأ أنه مع نهاية المارثون التشريعى فى يونيه الفائت، ونتائجه المبشرة نحو خلخلة الاستبداد ستتجه معاناتهم إلى الإنحصار رويدا رويدا ، بعد أن شاهدوا السفه الأسطورى رغم التشدق بالتعاليم الدينية، وإغلاق لملفات الفساد بالتزامن مع إرتداء المفسدين مسوح التقوى والورع، ولكن هيهات فقد خابت ظنونهم، وها هم يستقيظون كل صباح على كل ما هو مؤلم ، وتأتيهم الأخبار الموجعة من جنوب شرق آناضولهم العتيد حيث المواجهات المسلحة ضد الانفصاليين الذين عادوا من جديد إلى حرب العصابات. فسياسيا لم تهنأ تركيا ، بالتخلص من الوصاية العسكرية ، حتى وجدت نفسها أمام نيران أخرى ، ولكن بنكهة أردوغانية أكثر قسوة ، وعاد " الكتاب الأحمر " إلى الواجهة والذى يعتبر الدستور السرى الذى وضعه مجلس الأمن القومى ، وهو فى قمة عنفوانه خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم ، وفيه دونت المنظمات والاشخاص المنعوتون بالارهاب وبمروجى الفتن حتى يكونوا ملاحقين دائما وأبدا . وهنا المفارقة فاردوغان أبان صعوده المدوى قبل نصف عقد كان قد أكد أنه لن يسمح بأن يدير هذا " الملعون " شئون البلاد ، فإذ به يدشنه ليصبح أشد تنكيلا بالخصوم ، وهو ما شدد عليه الصحافى البارز محمد كاميش عندما قال أن ثمة مجموعة تستغل قوة الدولة وتمارس إجراءات شبيهة ب "مطاردة الساحرات" وتداهم المساكن الطلابية والمدارس والمعاهد الخاصة وتستهدف رجال الأعمال الذين يتصدقون على الفقراء والأطفال المحتاجين. صحيح هناك البعض الذى يمكنه توجيه النقد للرئيس وللحكومة ، فهما كيانا تنفيذيا واحدا بقائد منفرد ، إلا أن اى أحد منهم معرض للوقوف أمام المحاكم ، وهو ما صار يحدث بصورة تكاد تكون يومية ، والزج به فى السجون التى وصل عدد المعتقلين داخلها إلى ارقام قياسية بيد انها تضاعفت ثلاث مرات مقارنة بما كانت عليه قبل تبوأ العدالة والتنمية السلطة إبتداءا من نوفمبر 2002 . وقد يكون الانتقاد بسيطا لا يذكر ، ومع هذا لا يغفر له ، ويكفي أنه تم إعتقال امرأة لمجرد رفعها علامة الذئاب الرمادية شعار حزب الحركة القومية اثناء مرور موكب الرئيس مدينة اوشاك بمنطقة ايجة غربى تركيا فى نهاية مايو العام الحالى قبل حضوره حفل افتتاح عدد من المشاريع فى إطار الدعاية لحزبه. ومنذ خمسة أيام فقط ، قامت السلطات الامنية بحملات استهدفت مجموعة " كوزا إيبيك" الإعلامية فى العاصمة أنقرة التابعة للداعية الاسلامى فتح الله جولين ، وأبدت احزاب المعارضة على اختلاف توجهاتها ردة فعل شديدة على هذا القمع ، ولأنها نشرت على حسابها بموقع التواصل الاجتماعى تويتر رسالة أدانت خلالها حملة المداهمة التى شنتها قوات الأمن قالت دنيز أولكه أريبوغان الأكاديمية و مقدمة برنامج " وجهة نظر " على شبكة تى أر تى ( TRT ) الحكومية إنه تم إبعادها وفصلها بعد مرور ثلاث ساعات على الرسالة التى نشرتها. ونقلت صحيفة زمان عن مفوضية الاتحاد الأوروبى قولها إنهم يشعرون بقلق بالغ من تلك المداهمات ، وندد موجنز بليتشر بيجرجار رئيس الاتحاد الأوروبى للصحفيين بشدة بالاجراءات البوليسية التى تمت بتعليمات مباشرة من اردوغان رغبة منه فى خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بوسائل إعلام تابعة له دون المعارضة ، وقال بيجرجار "إن الدولة التى لا تنعم بحرية الإعلام تشهد ديكتاتورية بلا شك مشيرا إلى أن الحكومة تنتهك منذ فترة طويلة حرية الصحافة والتعبير عن الرأى بشكل ممنهج"، ولفت جوانا بيهار مدير أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى بمنظمة صحفيون بلاحدود الانظار إلى زيادة الضغط والقمع على المعارضة فى السنوات الأخيرة لا سيما عقب فشل حزبه الذى كان يترأسه فى الانفراد بالحكم. هذه التطورات كان لها وقع سيئ ، لدرجة جعلت زعيم حزب الشعب الجمهورى كمال كليتش دار أوغلو يطالب الحكومة بألا تخذل تركيا وتحط من سمعتها فى العالم أكثر من هذا ، متسائلا كيف يكون الحديث عن وجود الديمقراطية فى دولة يشهد فيها الإعلام عمليات تسعى لإخراسه وإسكاته ؟ أما عن الاوضاع الاقتصادية ، فالأمور تزداد سوءا ، وبعد أن روج العدالة والتنمية طوال حكمه أنه سيجعل بلاده فى مصاف أكبر 10 دول اقتصاديا ، ها هى الشواهد تقول إنه أصبح حلما بعيد المنال ، ليس ذلك فحسب بل إن الحفاظ على مكانتها الحالية بات صعبا والدليل أنها تراجعت على مستوى العالم من المرتبة ال17 إلى ال18 وهى الآن فى طريقها نحو المرتبة ال19. كما أنها على وشك الخروج من بين دول مجموعة العشرين. وهذا ما أكده داود تشاتين رئيس غرفة التجارة والصناعة بمدينة أنطاليا المطلة على المتوسط الذى شدد على أن الاقتصاد يمر بأيام عصيبة للغاية بسبب الغموض السياسى خاصة مع تردد شائعات عن تاجيل الانتخابات المبكرة المفترض إجراؤها فى الأول من نوفمبر المقبل ، إضافة إلى العمليات الإرهابية المتزايدة، وليس فى الافق ما يدلل على أن ثمة مؤشرات جيدة يمكن أن تحدث على المدى المنظور بل العكس هو الصحيح إذ اعلن بنك مورجان ستانلى الامريكى للاستثمارات عن توقعات ارتفاع سعر الدولار فى مستهل العام القادم 2016 الى 3.63 ليرة ن وربما يصل مع الربيع الى 3.85 ليرة . إنطلاقا من تلك الضبابية عنون الخبير محمد ألطان المشهد الاقتصادى ب " انهيار نموذج النمو للعدالة والتنمية " وقال أن البلاد بعد عام 2011 تحولت إلى دولة إنتهاك القانون أصبح قاعدة وليس إستثناء وهو أمر افضى فى النهاية إلى هروب المستثمرون الأجانب خصوصا العاملين فى المجال المصرفى ، وقطاع عريض من الشعب لم يعد على يقين بأن المحاكم تحقق العدل.