شريف عابدين لا تبدو في الافق مؤشرات ايجابية بأن تتمخض عن مؤتمر اسطنبول الذي جمع إيران بالقوي الكبري نتائج حاسمة تريح العالم من ملف شائك لا يزال يؤجج التوتر في منطقة لا تكاد تهدأ حتي تشتعل من جديد. والمؤكد ان ذلك الاستقراء مبني علي مدخلات سبقت المؤتمر عبرت بجلاء عن درجه متأخرة من انعدام الثقة بين طرفي النزاع وتشدد كليهما لرأيه وعدم ممانعتهما في تكرار سيناريو حافة الهاويه الذي دأب الملف النووي الإيراني المزعج علي كتابته دون أن يحاول اي منهما جر الآخر الي حل وسطي يحفظ الكرامه الوطنيهة للمفاوض الإيراني ويرضخ في الوقت ذاته للمخاوف الدولية من الاهداف الحقيقية لطموحات طهران. ايران استبقت استئناف جولة جديدة من الحوار مع دول خمسة+ واحد باثارة أزمة حول مكان الاجتماع بعد ان تراجعت مؤقتا عن قبول استضافة اسطنبول له وطرحت العراق او الصين كبديلين في انعكاس لفتور في العلاقات مع تركيا بسبب خلافات حول الازمه السورية رغم التقارب السابق بين العاصمتين واستقبال رئيس الوزراء التركي اردوغان قبل اسابيع قليلة في طهران. أما الدول الكبري فقد كشرت عن انيابها قبيل المؤتمر بتأكيد علي انها لن تقبل بأقل من ان توقف طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء20%, واغلاق منشأة التخصيب فيفوردو قرب مدينة قم, وهي مطالب مرفوضه ايرانيا خاصة انها تتطابق مع مطالب اعلنتها اسرائيل تكرارا علي لسان وزير الدفاع ايهود باراك الذي اشعل حالة التحدي لدي طهران بمطالبته العالم باظهار العين الحمراء لها وجعل2012 عام الحسم معها. القضيه الإيرانية تبدو مستعصية علي الحل وتتقاذفها حقيقتان شائكتان, اولاهما: حالة انعدام ثقه مزمنة مع الغرب الذي يواجه اتهامات ايرانية دائمة بتغليب مصلحة اسرائيل وأمنها, وتتلازم مع هذه الحالة رفض من جانب القوي الكبري للتسليم بسلمية البرنامج النووي الايراني رغم اعترافها بأن طهران لم تتخذ بعد قرارا ببدء تخصيب اليورانيوم لمستويات أعلي عسكريا وبدء تصنيع السلاح النووي. وتقول إيران انها تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة3.5% لإنتاج الوقود اللازم للمفاعلات المستقبلية, وبنسبة20% لتزويد مفاعلات الأبحاث الطبية, في حين أن اليورانيوم يجب أن يخصب بدرجة90% لاستخدامه في السلاح النووي. الحقيقة الثانية: الانقسام الراهن بين اركان التيار المتشدد في ايران حول طريقة ادارة الصراع مع الغرب وحجم التنازلات المتاح وضرورة القيام بقفزات أوسع لتحقيق التقارب مع الجوار الاقليمي, ومثلت النقطة الاخيرة معضلة في السياسة الخارجيه الايرانية أخيرا. فقد فجرت العلاقات مع كل من السعوديه وتركيا- علي خلفية الملف السوري- انقسامات بين القادة الإيرانيين حيث شن بعضهم هجوما ضاريا علي البلدين بزعم انهما مواليان للغرب ويعملان كساعي بريد لامريكا واسرائيل بالمنطقة, بينما يقود الرئيس الايراني الاسبق رافسنجاني تيار التهدئه بالدعوة الي علاقات افضل مع الرياض والاستفادة من علاقتها المتميزة مع الدول الكبري, ولم يتوقف القيادي البارز في نظام الملالي عند حدود التحذير من عواقب التشدد مع السعودية بل تساءل عن التردد في فتح حوار مباشر مع أمريكا مادام لا فارق بينها وبين كل من روسيا والصين وأوروبا التي تبحث عن مصالحها مع طهران ويجمعها بالاخيرة قنوات اتصال مفتوحه. اسرائيل في المواجهة تفرض اسرائيل نفسها في الصراع كطرف ثالث لكنه ليس خفيا وباتت وحدها تنفرد بتحديد توقيت الهجوم علي المنشات الايرانية لن يتجاوز العام المقبل اذا لم تثمر العقوبات علي طهران عن اخضاع الطموحات الإيرانية, وعلي الرغم من اتفاق واشنطن وتل ابيب في التقييمات الاستخباراتيه للقدرات النوويه الايرانيه إلا أن واشنطن تبدو دائما في موضع المتلقي لصدمات الرعونه الاسرائيليه التي تدفع نحو عمل عسكري منفرد ترفضه واشنطن. المثير في الأمر أن ملف إيران جمع الاخوة الاعداء في اسرائيل بخندق واحد, فرئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو ووزير دفاعه ايهود باراك تجاوزا خلفيتهما السياسية المتعارضة ورؤاهما السابقة المتخاصمة ليتوحدا حول رغبة الانتقام العاجل من إيران مهما كانت خسائر الجبهة الداخليه أو المخاطر الاقليميه. ويري القريبون من دائرة صنع القرار ان كلا الرجلين اتخذ بالفعل قرار الحرب وانهما متفقان علي الاستعدادات العسكرية الجارية لتأمين الجبهة الداخلية تحسبا لهجوم إيراني مضاد تعززه هجمات منسقة من الجماعات المناصره لطهران في الشرق الاوسط علي المصالح الاسرائيلية, لكن يرغب نيتانياهو وباراك في أن تسنفد العقوبات علي إيران اغراضها والأهم ضمان اغلبيه مؤيده داخل مجلس الامن المصغر لقرار الحرب.إلا أن تساؤلا فرض نفسه إن كان بمقدور الرئيس الامريكي باراك أوباما أن يوقفهم في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية. في الظروف المثالية سيفضل أوباما حتما تأجيل القضية الملتهبة إلي ما بعد انتهاء سباق الرئاسة. لكن للأسف لن يتحمل أوباما هذا الترف ما لم يكن هناك تغيير جذري في طريقة معالجة الازمه ولن تكفيه رسائل التطمينات المتكررة لتل ابيب بأن واشنطن لن تسمح مطلقا لايران بامتلاك السلاح النووي, وانه يفضل ان تأخذ العقوبات الاقتصادية مجراها أولا. الفرصة الاخيرة لكن أخطر ما تتداوله الاوساط السياسية الأمريكية أن جولة محادثات اسطنبول تمثل فرصه أخيرة لمنع الحرب وهو ما تم نقله لطهران عبر موسكو دون أن تخفي المصادر الأمريكية تلقي أوباما مقايضة إسرائيلية عرضها نيتانياهو خلال زيارته الاخيرة لواشنطن, فإما دعم ضربة اسرائيلية لإيران او فقد اصوات اللوبي اليهودي في الانتخابات الرئاسية.أوباما بالتأكيد يعلم قواعد لعبة الانتخابات الرئاسية لكن المشهد الدولي المرتبك يزيد موقف بلاده تأزما ويهدد مستقبله الشخصي, فتداعيات الازمة السورية ألقت المزيد من الزيت علي النار, فإعلان إيران استعدادها لدخول الحرب إلي جانب سوريا إذا اقتضي الأمر, يعني أن روسيا والصين وسوريا وإيران, شكلوا محورا جديدا يقف في مواجهة العالم الغربي وحلف الناتو ودول الخليج, ليظهر التسخين الراهن في الملف الإيراني علي انه ليس سوي ذريعة يستخدمها الغرب للتأثير علي ميزان القوي في الشرق الأوسط, حيث الضغط المتواصل علي سوريا وإيران معا بغرض خلخلة هذا المحور وقد تنجح هذه الضغوط في سوريا أولا مما يساعد الغرب علي توجيه ضربة عسكرية ضد إيران لاحقا.وعلي العكس تماما من هذه الرؤية الاستراتيجية التي تتبناها واشنطن من خلف الكواليس, تري تل ابيب أن سقوط النظام السوري أولا ستترتب عليه نتائج كارثية علي أمنها, أقلها وقوع الأسلحة التي يمتلكها, بما فيها الصواريخ المضادة للطائرات في أيدي حزب الله وغيره من المنظمات الراديكالية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة, وهو ما يجعلها تلح علي ضرب إيران أولا وعاجلا.