اهتمت الصحف العربية الصادرة الاربعاء بإعتراف ايران ببناء وتجهيز المحطة النووية الثانية واعتبرتها رسالة أولية للدول الست في جنيف بأن الموقف الإيراني مازال علي حالة الجمود والعناد وأن أي زحزحة في مواقف طهران ربما تصبح مستحيلة ولذا فهي أتت إلي المفاوضات من منطلق قوة جريدة الاهرام المصرية رأت انه في الوقت الذي يترقب فيه الجميع بلهفة وحذر أولي جولات مفاوضات البرنامج النووي الإيراني بحضور أمريكي جاد والتي ستبدأ غدا في جنيف بمشاركة الدول الخمس زائد واحد( أمريكا بريطانيا فرنساروسيا الاتحادية الصين) بجانب ألمانيا, سارعت إيران بالاعتراف والإعلان المسبق اليومين الماضيين عن بناء وتجهيز المحطة النووية الثانية في مدينة قم بعد أن كشفت أجهزة الاستخبارات الغربية عن أن هذه المحطة قائمة داخل إحدي قواعد الحرس الثوري الإيراني في باطن الأرض. وبالتالي أرادت إيران تحقيق هدفين في آن واحد الأول هو إرسال رسالة أولية للدول الست بأن الموقف الإيراني مازال علي حالة الجمود والعناد وأن أي زحزحة في رهانات ومواقف طهران ربما تصبح مستحيلة ولذا فهي أتت إلي هذه المفاوضات من منطلق قوة. والهدف الثاني يتمحور حول جدية واقتراب إيران من اتمام واكمال برنامجها النووي الطموح الذي لا يتوقف علي بناء وإقامة محطة بوشهر الأولي فقط كما كان البعض يتصور. بل إن المحطة الثانية في قم ماهي إلا بداية لانطلاق محطات عديدة ستكون في طي السرية والكتمان للإسراع بدورة الطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم ضمن برنامج نووي سيمثل القوة القاذفة ليد إيران العسكرية الخطيرة في المنطقة طبقا لأجندة أهداف غامضة ومريبة, والبحث عن مكان جديد في النادي النووي للدول( أمريكا بريطانيا فرنساروسيا الاتحادية الصين الهند باكستان كوريا الشمالية). وليت مضمون الرسائل الإيرانية يتوقف عند هذا الحد بل لم يفت طهران أن تباغت مفاوضي الدول الست أيضا بإجراء أوسع3 تجارب صاروخية جديدة في إطار مناورات عسكرية عاجلة للحرس الثوري, إمعانا في لفت انتباه الدول الست. ولكن هل تقبل واشنطن وبقية الدول الست بمضمون وجوهر الرسائل الإيرانية المسبقة؟ برغم عديد العراقيل ودفتر الشروط الذي وضعته إيران بشأن القبول والجلوس علي مائدة المفاوضات مع الدول الست إلا أن الولاياتالمتحدة قبلت ومنذ سنوات القطيعة والتوتر بين البلدين منذ عام1979 الجلوس والحضور لتلك المفاوضات, إيمانا من قناعة الرئيس باراك أوباما بإعطاء الوقت والفرصة لمقاربة الحوار ومد اليد للتلاقي مع طهران بشأن أزمة البرنامج النووي والعديد من قضايا الشرق الأوسط الملحة. رغم علم تلك الإدارة أن الرد والتعاطي الإيراني مع جوهر المطالب الأمريكية الأوروبية بشأن وقف تخصيب اليورانيوم وتعليق أو إنهاء البرنامج النووي ستكون سلبية للغاية بناء علي سلسلة المواقف والممارسات الإيرانية منذ افتضاح برنامجها النووي منذ عام2002 بالصدفة البحتة عبر المعارضة الإيرانية في الخارج. الأمر الذي يعني أن واشنطن راغبة في استدراج طهران إلي مائدة الحوار والتفاوض أمام المجتمع الدولي وبمشاركة كل من الصين وروسيا الاتحادية حليفي طهران لفترة من الوقت حيث ستسعي واشنطن وبريطانيا وفرنسا لمواجهة طهران بحقيقة برنامجها النووي وهو الأمر الذي ستقابله طهران بالرفض والنفي بشدة, فتنجح واشنطن عندئذ في إحداث النقلة المرجوة لهذا الملف بحمله إلي مجلس الأمن من جديد لفرض عقوبات رادعة من نوعية منع استيراد البنزين الذي تحتاج منه طهران أكثر من50% من استخداماتها اليومية, وتفعيل قنوات الحظر التجاري والاقتصادي الكامل ناهيك عن الحظر البحري أيضا الذي ستعمد واشنطن إلي قوات الناتو لاحكامه علي طهران بحيث لا تدخل سفن المواد الاستهلاكية أو قطع الغيار ومنتجات البنزين إلي طهران ولا تخرج منها سفن البترول بجانب منع تقديم أو وصول المسا عدات العسكرية. وربما تعتمد هنا الإدارة الأمريكية كثيرا علي سرعة تمرير سلة العقوبات الدولية بشكل متعدد السرعات في المرحلة القادمة لتتلاقي مع اشكالية سوء الأوضاع الداخلية التي تعيشها طهران حاليا في ضوء التوتر والاضطرابات التي تعيشها البلاد منذ أزمة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في يونيو الماضي, ولكن هل ستقبل طهران بسياسة العقوبات لكسر إرادتها السياسية وتعطيل برنامجها النووي؟ كل المؤشرات تصب في خانة أن إيران ستلجأ من خلال جولات الحوار والتفاوض المباشر مع واشنطن بمشاركة دول المجموعة الدولية إلي إطالة أمد هذه المفاوضات ربما إلي عام2014 للتوصل إلي انتاج القنبلة النووية. والثاني فرض هيمنتها وسيطرتها في منطقة الخليج عبر فزاعة البرنامج النووي واستخدام التمدد والاختراق الإيراني في لبنان عبر حزب الله وغزة عبر حركتي حماس والجهاد, فضلا عن اتفاقات المشاركة الاستراتيجية مع دمشق كأوراق ضغط في لعبة المفاوضات لتعزيز الدور والمكانة الإيرانية علي أمل تراجع واستجابة الدول الكبري لهذا الدور وتعزيز المكانة السياسية والعسكرية عبر برنامجها النووي. وهذا مالا تقبله سياسيا الدول الكبري في المنطقة. وفي المقابل يبقي السؤال الملح هل ستقبل إسرائيل بالتحدي النووي الإيراني؟ الإجابة لم تتأخر وجاءت سريعة علي لسان افراييم سنيه وزير البنية التحتية والنائب الأول السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي بأن تل أبيب أعدت خطة عسكرية نهائية لضرب إيران والفتك بمواقع الأسلحة النووية بها بنهاية هذا العام بحجة أنه لا يمكن لإسرائيل العيش تحت ظل إيران وهي تمتلك أسلحة نووية, وما الزيارة السرية منتصف سبتمبر الحالي لرئيس الوزراء نيتانياهو إلي موسكو إلا للحصول علي الضوء الأخضر لاطلاق الأذرع العسكرية الإسرائيلية ضد إيران. فهل تستوعب طهران المعطيات الجديدة وتقبل بحوار جاد ومفاوضات فاعلة ومنتجة مع الدول الست قبل فوات الأوان؟