إطلاق غرفة عمليات لمتابعة مشاركة المرأة في جولة الإعادة بالدوائر ال19 الملغاة    «تكنولوجيا وقيادة وإدارة».. «الري» تؤسس جيلا جديدا لإدارة منظومة المياه    وزيرا الأوقاف والتعليم العالي ومفتي الجمهورية ومحافظين السابقين وقائد الجيش الثاني الميداني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد العباسي    وفقا لآخر تحديث لأسعار الذهب اليوم.. سعر عيار 24 يسجل 6874 جنيها    الزراعة تطلق أول مختبر حي لسلسلة قيمة القمح بأحدث التقنيات العالمية في الإرشاد الزراعي    السياحة تنظم قافلة ترويجية كبرى في السوق الصيني ببكين وشنغهاي    النقل تناشد المواطنين المشاركة لمنع ظاهرة رشق الأطفال للقطارات بالحجارة    أنشطة وزارة الإسكان خلال الفترة من 20/12/2025 حتى 25/12/2025.. فيديو جراف    غداً.. فصل التيار عن 9 مناطق بمركز بيلا في كفر الشيخ    وزير دفاع إسرائيل: أصدرت تعليمات التحرك بقوة ضد قباطية بلدة مُنَفذ عملية بيسان    الكرملين يكشف عن اتصالات روسية أمريكية حول أوكرانيا بعد محادثات دميترييف في ميامي    كوريا الشمالية تعلن خطة لتوسيع إنتاج الصواريخ وتعزيز قدراتها العسكرية في 2026    رئيس وزراء السودان: اللقاءات مع الجانبين المصري والتركي كانت مثمرة    تركيا: اعتقال مشتبه به ينتمي ل "داعش" كان يخطط لشن هجوم في رأس السنة الجديدة    غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    الحكومة اليابانية تقر ميزانية دفاع قياسية بهدف ردع الصين    مجموعة مصر بأمم أفريقيا، التشكيل الرسمي لمباراة أنجولا وزيمبابوي    أمم أفريقيا 2025| مدرب تونس: جهزنا لمواجهة نيجيريا جيدًا.. ونسعى لمواصلة الانتصارات    بمشاركة 60 ألف متسابق.. وزير الرياضة يطلق إشارة البدء لماراثون زايد الخيري    اتحاد السلاح يستعين بخبير بولندي لتبادل الخبرات الفنية في سلاح السيف    ضبط متهم بالنصب على المواطنين والاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني في المنيا    حبس موظف 4 أيام بتهمة تصنيع الأسلحة والذخائر داخل منزله بقنا    اختل توازنه.. كواليس مصرع طفل سوداني سقط من علو بالطالبية    ضبط 5 طن دقيق مجهول المصدر وتحرير 214 محضر تمويني بالمنوفية    ضبط قضايا إتجار غير مشروع فى العملات الأجنبية بقيمة تتجاوز 3 ملايين جنيه    تحسن صحة محمود حميدة وخروجه من المستشفى.. ويستعد لطرح فيلمه الجديد "الملحد" الأربعاء المقبل    بعد 25 عاما.. إنعام محمد علي تكشف أسرار اختصار مسلسل أم كلثوم في 4 سهرات    بعد مغادرته المستشفى، تفاصيل الحالة الصحية للفنان محمود حميدة    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    أسباب انتشار مشاكل الجهاز التنفسي العلوي والسفلي بين الأطفال في الشتاء    خطوات هامة لسلامة المرضى وحقوق الأطباء.. تفاصيل اجتماع اللجنة العليا للمسئولية الطبية    الرعاية الصحية تعلن قيد جمعية الخدمات الاجتماعية للعاملين بالهيئة رسميا بوزارة التضامن    خناقة في استوديو "خط أحمر" بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات الزوجية    القاهرة الإخبارية: غارات مفاجئة على لبنان.. إسرائيل تبرر وتصعيد بلا إنذار    افتتاح 3 مساجد بعد الإحلال والتجديد بسوهاج    دعاء أول جمعة في شهر رجب.. فرصة لفتح أبواب الرحمة والمغفرة    تعزيز الوعى الصحى لطلاب جامعة القاهرة.. فعالية مشتركة بين طب قصر العينى والإعلام    باكستر: جنوب إفريقيا فرصتها أكبر في الفوز على مصر.. ونجحت في إيقاف صلاح بهذه الطريقة    زامبيا وجزر القمر في مهمة الأهداف المشتركة ب أمم أفريقيا 2025    «شيمي»: التكامل بين مؤسسات الدولة يُسهم في بناء شراكات استراتيجية فعّالة    وزارة الخارجية ووزارة الاتصالات تطلقان خدمة التصديق علي المستندات والوثائق عبر البريد    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد العباسي ببورسعيد (بث مباشر)    تحذير رسمي من وزارة الزراعة بشأن اللحوم المتداولة على مواقع التواصل    مدير دار نشر: معرض القاهرة للكتاب لا يزال ظاهرة ثقافية عالمية    مجلس جامعة القاهرة يعتمد ترشيحاته لجائزة النيل.. فاروق حسني للفنون ومحمد صبحي للتقديرية    قوات الاحتلال تعتقل فلسطينيين وتغلق بوابات لعرقلة المرور    رخصة القيادة فى وقت قياسى.. كيف غير التحول الرقمي شكل وحدات المرور؟    مخالفات مرورية تسحب فيها الرخصة من السائق فى قانون المرور الجديد    متحدث الوزراء: مشروعات صندوق التنمية الحضرية تعيد إحياء القاهرة التاريخية    مباراة مصر وجنوب أفريقيا تتصدر جدول مباريات الجمعة 26 ديسمبر 2025 في كأس أمم أفريقيا    تفاصيل جلسة حسام حسن مع زيزو قبل مباراة مصر وجنوب إفريقيا    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوت
نشر في الأهرام اليومي يوم 03 - 09 - 2015

تمر الأيام والشهور ولا يحدث أى شىء مثير، إن هذه البقعة اللعينة من المحيط يخشاها البحارة، حتى المغامرون لا يجرؤون على النظر فى هذا الاتجاه لدى مرورهم بالقرب منه.
إننى قد أصابنى الاكتئاب ها هنا، أشعر برغبة غامرة فى مغامرة شيقة تخرجنى من هذه الرتابة، لولا أن الطعام متوافر بكثرة فى هذه المنطقة وعدم وجود ما يزعجنى لغادرتها على الفور، إن زعانفى تؤلمنى من عدم الحركة، أشعر بعظامى كأنها تكاد تتكسر، دمائى تكاد تتجمد فى عروقى، ماذا علىّ أن أفعل؟ فها هى الصباحات تمر والمساءات تذهب ثم تعود. هل علىّ أن أغادر هذه البقعة لمجرد أننى أشعر بالملل؟ هل هذا سبب جيد للتخلى عن كل هذه الثروة التى أتمتع بها؟ كانت الأفكار تكاد تخنقنى حين سمعت صوتا يقترب نحوى فى بطء شديد، فلم أتمالك نفسى وهرولت لمعرفة مصدر هذا الصوت، كانت الأسماك تهرب من أمامى، وأنا أقفز هنا وهناك، إنها سفينة، لابد أن قائدها لا يعرف أين هو، وما هو المصير الذى سيلاقيه فى هذه المنطقة، إن رحم هذه البقعة ممتلئ بالأشلاء. فهل هناك متسع لغريق آخر؟ هل يجب أن أحذره من مغبة قدومه إلى هنا؟ ولكن كيف سأنبهه بخطورة المكان؟ كان عليه أن يعرف وحده ولكنى سوف أحاول، ها هم بعض الركاب خرجوا ليستمتعوا بهذا الهدوء الرائع الذى تتمتع به المنطقة،يبدو أن قفزاتى قد راقت لهم، فها هم يتابعوننى بنظاراتهم المقربة، سوف أقترب منهم أكثر، نعم هذا مناسب، ولكن هؤلاء الحمقى لا ينظرون نحوى ليقرأوا حركاتى. إنهم يأخذون بعض الصور لى وينتظرون أى حركة حتى يصوروها، هؤلاء البشر حمقى ولكن إلى أى مدى؟ لا أعرف، ليس هناك سبيل لمعرفة ذلك سوى بالتمادى فى الاقتراب منهم وجذب انتباه أحدهم ليستنبط ما أريد أن أخبرهم به، إن الموت ما سيواجهونه إذا ما استمرت سفينتهم فى التقدم، نعم الموت. سوف أقوم بتمثيل الموت، لقد شاهدت الكثير من الأسماك تموت، سوف أنقلب ثم أستقر على ظهرى فى الماء وأتوقف تماما عن الحركة، ها هى تقارب فكرتى على النجاح. إن جميع قاطنى سطح السفينة ينظرون ناحيتى، وبعضهم يصرخ، لكن السفينة لا تتوقف، هل ما أفعله لا يكفى لإيقافهم؟ إنهم على بعد زعنفات قليلة من الهاوية، ها هى تكاد أن تتوقف وأحدهم يقفز باتجاهى، هل يظن هؤلاء الحمقى أننى احتاج مساعدتهم؟ يا لهم من قليلى العقل، ها هى الهاوية تبتسم لصيدها الجديد، وها هى الأمواج تتزاحم لتحتضن فريستها الشهية، ربما فى المستقبل أجد من يفهمنى.
غرقت السفينة هكذا دون مبرر، كانت تتهادى على صفحة الماء الرائقة بينما كانت طيور النورس تحلق كراقصات البالية، وحده الحوت كان يعرف ما سيحدث،فلقد قام فجأة بحركات غريبة ، كان سرب التونة يهرب بكل ما أوتى من قوة، رغم أنه كان متأكدا أن الحوت لا يتنمر له، كأنه يهرب من قاتل شرير يريد أن يفتك به، كنت أصرخ عاليا حتى أطمئنه، هذا الحوت لا يقصد إيذاءك. ربما هو مصاب بالوحدة ويريد أن يلهو قليلا معك، لقد لمحت أثر الحزن باديا على ملامحه، كان يعانى شيئا عصيبا يقتله حزنا وأسى، وهو ربما ما دفعه للهو بسرب التونة، ولكن نظرا لضخامته وقوته المفرطة فى اللهو، كان رد فعل سرب التونة وكل الأسماك المحيطة هو الهرب، كنت بالصدفة قد علمت أن أحد راكبى السفينة هو عالم للأحياء البحرية، فهرولت إلى الاستعلامات واستعلمت عن رقم غرفته، اتصلت به هاتفيا لكنه لم يرد، كان الموقف يزداد سوءا عند عودتى، نظرات الحوت تزداد غرابة، الحزن العميق بدا على ملامحه كقناع رهيب لجيفة، خفقات قلبه كادت تمزق روحى، ثم حدث ما كنت أخشاه، استلقى على ظهره، وهذا ما يحدث عند نفوق الأسماك, لكن هل الأسماك النيلية تشبه البحرية، وهل سمك البلطى يشبه موته موت حوت بهذه الضخامة؟ كانت حركاته قد أخذت فى الهدوء وهنا لم احتمل، هرولت إلى غرفة عالم الأحياء البحرية وأخذت اطرق بابه دون وعى ولكنى علمت بمجرد النظر إليه وخروج بعض ساكنى الكبائن المجاورة أننى كنت فظاً فى تعاملى مع الباب، كاد يغلق الباب فى وجهى لولا أننى بادرته باعتذارى فصمت برهة فباغته بسردى لما حدث دون أن أتوقف حتى انتهيت من سرد ما حدث، كنت قد جهزت بعض العبارات حتى أقوم بإقناعه فى حال ما حاول الاعتذار، ولكنه لم ينتظر حتى ارتدائه بقية ملابسه وهرول إلى سطح السفينة، ووقف فى المكان الذى وصفته له ، عند وصولى كان الحوت قد همد تماما واستقر على مقربة من السفينة دون حركة، كان بعض الركاب قد لاحظ ما حدث مما دفعهم للتجمهر لمشاهدة الموقف، أوقف الربان السفينة، قفز الرجل فى الماء وتوجه بسرعة نحو الحوت، كدت أقفز خلفه لكننى لم أسبح سوى فى الترعة المجاورة لحقلنا فتراجعت فى قرارى، كان الجميع يصوب نظره على العالم لكننى كنت أتابع الحوت المسكين، عندما وصل العالم إلى الحوت...... لا لم
يتحرك إننى بالتأكيد كنت أتوهم هذه اللقطة فلقد خرجت صيحة جماعية كأنها صوت نشاز من أوركسترا يعزف دون مايسترو، كانت الصرخة قوية ومتباينة وعند توجهى لمعرفة ما يحدث كانت السفينة تتهادى إلى الأسفل كأنها حبيبة عادت إلى أحضان معشوقها، لقد احتضنها الماء بكل قوة ونعومة، وسحبها برشاقة نحو قلبه، وفى هذه اللحظة قفز الحوت عاليا كطفل بهرته الألعاب النارية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.