لا يزال الجدل مثارا فى وسائل الإعلام الأمريكية حول "أزمة" استخدام هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة لبريدها الإليكترونى الشخصى فى مراسلات رسمية أثناء توليها منصبها، بدلاً من استخدام البريد الإلكترونى الرسمى لوزارة الخارجية. فقد انعكست تلك الأزمة بشكل واضح ومباشر على حملتها للانتخابات الرئاسية لعام 2016، لا سيما وأن هذه القضية تتزامن مع قضية أخرى تتعلق بتلقى مؤسسة كلينتون - التابعة لزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون- تمويلا من دول أجنبية. فقد اضطرت كلينتون قبل أيام إلى السماح لمكتب التحقيقات الفيدرالى "اف.بي.آي" بالوصول إلى الخادم "السيرفر" الخاص الذى يحتوى على رسائلها الإلكترونية بعد أن كانت ترفض ذلك على مدى عدة أشهر. وأوضحت التحقيقات أن كلينتون أرسلت وتلقت 62320 رسالة إلكترونية خلال السنوات الأربع التى كانت خلالها وزيرة للخارجية بين عامى 2009 و2013 عبر البريد الإليكترونى الخاص بها وليس عبر البريد الإلكترونى الرسمى لوزارة الخارجية، مما يعد مخالفا للوائح الحكومة الفيدرالية، حيث تنص هذه اللوائح على أن تصبح جميع رسائل البريد الإليكترونى الخاصة بمن يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكي، والتى تزيد علي60 ألف رسالة، جزءا من الوثائق الرسمية، كما يلزم القانون بأرشفة كل الرسائل المهنية لمسئولى الإدارة الأمريكية فى قسم المحفوظات الوطنية. ويقول تشارلز ماكالوج المفتش العام فى "إف.بي.آي" أمام الكونجرس أن أربع رسائل من بين 40 رسالة بريد إليكترونى اطلع عليها كعينة عشوائية تضمنت بالفعل معلومات سرية، ولم يكتف ال"إف.بي.آي" بالتحقيق فى حساب البريد الإليكترونى الخاص بكلينتون، بل حقق أيضا فى مدى اعتماد كلينتون على – السيرفر - الموجود فى منزلها وأجهزة خاصة أخرى لإرسال وتخزين ملفات سرية. ومن جانبها، نشرت وزارة الخارجية الأمريكية 3577 رسالة إلكترونية خاصة بكلينتون، على أن تستكمل نشر بقية الرسائل بحلول يناير 2016، وتضمنت تلك الرسائل مسائل بسيطة متعلقة بالموظفين أو بعض المقالات الصحفية التى تنقل إلى وزيرة الخارجية بشكل دوري. كما كشفت أيضا الرسائل التى نشرت أن سيدنى بلومنتال الصديق القديم لكلينتون، كان يقدم لها النصائح بشكل منتظم، وخصوصا حول هجوم بنغازى الذى وقع فى 11 سبتمبر 2012 وأدى إلى مقتل أربعة أمريكيين بينهم السفير، بينما كان بلومنتال لا يشغل أى منصب حكومى فى هذا الوقت. ومن جانبها، تؤكد كلينتون أنها لم ترسل أو تستقبل أى شيء سرى عن طرق البريد الإليكترونى الخاص بها، وتقول إنها استخدمت حسابا شخصيا فقط "لدواعى السهولة" ليس أكثر. وبالتالي، ربما تؤدى التحقيقات فى النهاية إلى توجيه تهم "جنائية" إلى كلينتون، وخصوصا بعد أن عثر المحققون على رسائل إلكترونية تتضمن معلومات سرية, وفى حالة إثبات ذلك، فإن كلينتون سوف تواجه خطر المحاكمة تحت نفس الجنحة التى استخدمت لمقاضاة ديفيد بترايوس مدير وكالة المخابرات المركزية السابق. وعلى الرغم من فضيحة البريد الإليكترونى تلك، فإن آخر استطلاع للرأى الأمريكى أظهر أن كلينتون لا تزال تتفوق على أقوى المرشحين الجمهوريين المحتملين. وبحسب الاستطلاع الذى أجرته شبكة "سى إن إن" الإخبارية، فى الفترة من 13 إلى 16 من الشهر الحالي، فقد بدأت الفجوة تضيق بين كلينتون ومنافسيها الجمهوريين، لكنها لا تزال تتجاوز أقواهم بست نقاط، وهما الملياردير دونالد ترامب، المرشح الأكثر بروزاً إعلامياً فى الآونة الحالية، وحاكم ولاية ويسكانسون سكوت ووكر، أما جيب بوش المرشح الجمهورى المحتمل، فقد تراجع إلى المركز الثالث بين الجمهوريين، وتجاوزته كلينتون ب9 نقاط، وحتى الآن ترشح 17 جمهورياً رسمياً لانتخابات الحزب. وفى الحزب "الديمقراطي"، هناك خمسة مرشحين هم: كلينتون، والسيناتور المستقل عن فيرمونت بيرنى ساندرز، وحاكم ميريلاند السابق مارتن أومالي، والسيناتور السابق عن فيرجينيا جيم ويب، والسيناتور السابق لينكولن شافي. لكن الأمر الأخطر الذى قد يغير موازين الأمور خلال الأيام القليلة المقبلة ليست الحملة الإعلامية الشرسة التى يشنها "الجمهوريون" على كلينتون بسبب فضيحة بريدها الإلكتروني، بل إن كبار قادة الحزب "الديمقراطي" بدأوا جديا فى التفكير فى إحلال جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكى الحالى محل كلينتون، لخوض المنافسة مع المرشحين الجمهوريين. ومجرد تفكير بايدن فى ترشيح نفسه يزيد الطين بلة بالنسبة لكلينتون المشغولة فى قضية الرسائل الإلكترونية, لأن هذا الأمر سوف يعطى الانتخابات منحى غير متوقع بالكامل، وسيؤدى حتما إلى تشتيت الأصوات الديمقراطية، وهذا الأمر ليس بغريب فى السياسة الأمريكية، حيث دائما ما يجرى "حرق" الشخصيات المرشحة لتلك الانتخابات لصالح جماعات الضغط اليهودية، وحدث هذا مع سارة بالين فى الحزب الجمهورى فى الانتخابات الماضية لصالح جون ماكين، وحدث أيضا مع هيلارى كلينتون نفسها لحساب باراك أوباما الرئيس الحالي. وفى كل الأحوال، سنظل فى انتظار الشعب الأمريكى لكى يقول كلمته فى النهاية، ولكن الأمر المؤكد هنا أن هناك اتجاها ديمقراطيا لاستغلال موضوع بريد هيلارى كلينتون بالفعل فى إفساح الطريق أمام بايدن، الذى قد ينظر إليه باعتباره مرشحا مقبولا وقادرا على خوض المنافسة الشرسة المتوقعة مع دونالد ترامب أو جيب بوش.