مازلت أتابع الانتخابات الداخلية لحزب العمال البريطانى بنفس درجة الاهتمام التى أوليها للانتخابات الأولية فى الأحزاب الأمريكية. وسبق أن كتبت لكم هنا عن الصعود الواضح للمرشح اليسارى جيرمى كوربن فى انتخابات حزب العمال الداخلية، الأمر الذى واجه مقاومة شرسة من التحديثيين Modernisers وعلى رأسهم رئيسا الوزراء السابقان تونى بلير وجوردون براون وقد تنبأ كل منهما بأن حزب العمال سيبقى خارج السلطة لمدة طويلة اذا انتخب جيرمى كوربن قائداً له. الخطورة بالنسبة لى تتمثل فى أن جيرمى كوربن يتبنى فكرة بناء علاقة قوية مع حماس وحزب الله وضمهما الى مباحثات سلام الشرق الأوسط، وهو- عادة- يدلى بمثل تلك الأقوال الى صحيفة (الجارديان) التى يستشرى فيها نفوذ قطر المالى على نحو كبير. ثم اذا أصبح كوربن رئيساً لوزراء بريطانيا، أو حتى صار رئيساً لمجلس وزراء الظل كيف ستدير الولاياتالمتحدة العلاقة معه وهو يتبنى مثل تلك الفكرة، لابل كيف ستتعامل الولاياتالمتحدة مع زعيم بريطانى (فى الحكم أو المعارضة) له كل هذه الروابط القوية والمتشابكة، على المستوى الشخصى أو السياسى مع الزعيم الفنزويلى هوجو شافيز، أو مع الزعيم الروسى فلاديمير بوتين وكلاهما راحت أمريكا تسعى الى تنميطه وشيطنته وتثبيت صورة (العدو) الى جوار اسمه؟ والأخطر من ذلك كيف سيستقبل الاقتصاد العالمى ظهور ذلك الرجل (فى الحكومة أو المعارضة) وهو ينادى بارجاع بريطانيا الى عصر ما قبل تاتشر ويعلن نزوعه الى تأميم السكك الحديدية وغيرها من المرافق الاقتصادية، وهى ما دفع المواطن البريطانى ثمناً اجتماعياً باهظاً له، الأمر الذى دفع التحديثيين فى حزب العمال (بلير ورفاقه) منذ عام 1994 الى خلق صيغة وسطية أستلهموها من أفكار جيدنز عن الطريق الثالث، للحفاظ على الاصلاح الاقتصادى مع تدعيم شبكة الأمان الاجتماعي. أما الآن فان جيرمى كوربن يريد أن يعود ببلده الى عصر ما قبل تاتشر الذى كانت بريطانيا فيه مدينة ومهلهلة اقتصادياً. وبهذا المعنى ينادى التحديثيون بانتخاب أى من ايفيت كوبر أو ليز كيندال أو آندى برنهام، ولكن- فيما يبدو- سيذهب هذا النداء أدراج الريح لأن حزب العمال دار- بالفعل- الى اليسار واتجه الى المجهول. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع