خبر عابر فى ذيل نشرة أخبار على إحدى القنوات الفضائية كان قادرا على أن يوقف عقارب الساعة فى عقلى للحظات، رحت خلالها أنفصل تدريجيا فى عالم الخيال، غير مبال بما جاء بعده من أخبار أو مشاهد، يكاد صوت التلفاز يتلاشى شيئا فشيئا، وتكاد المشاهد تتداخل، تعلوها غمامة تذوب فى غمارها الألوان وملامح البشر والأشياء: (باتت ساحات القتال فى العراقوسوريا تجتذب نوعا جديدا من (عشرات المتطوعين) معظمهم من (جنود) سابقين ومواطنين من (أوروبا والولايات المتحدة)، (هالتهم الفظائع) التى يرتكبها متطرفو داعش، فجاءوا إلى المنطقة (للانضمام إلى الجماعات المسلحة التى تواجه التنظيم)؛ حيث حمل عدد من الرجال على عاتقهم مسئولية محاربة تجاوزات التنظيم المتطرف من قتل وذبح وتشريد لآلاف العوائل؛ وذلك (خوفا من تداعيات تمدد داعش وأفكاره)، ودفاعا عن (الأقليات) التى تشهد (إبادة) فى المناطق المستولى عليها من قبل التنظيم. ..وبحسب هؤلاء المقاتلين، فإن (فشل المجتمع الدولى) فى وضع حد لداعش (دفعهم) إلى ترك عائلاتهم وأحبائهم و(الانضمام إلى ميليشيات وجماعات للمحاربة) والمساعدة فى تدريب الراغبين فى التصدى لبطش داعش... ومع تزايد أعداد الأجانب فى صفوف داعش, وتصاعد المخاوف من التهديدات التى يشكلونها مستقبلا على أوروبا وأمريكا( فى حال عودتهم)، يسعى الأمريكيون والأوروبيون بشتى الطرق لوضع حد لهذه التهديدات).. انتهى. وخلال الأسبوع نفسه، كشف مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية فى تقريره السادس والعشرين تحولاً جديداً لتنظيم داعش نحو استقطاب مقاتلين جدد من دول (آسيا الوسطى والقوقاز وشرق آسيا)؛ حيث أكد المرصد أن التنظيم أنشأ ولاية له فى القوقاز، وبدأ يتلقى البيعة لأميرها البغدادي، مستغلاًّ الكثرة العددية للمسلمين فى تلك المناطق، وحماس أهلها للقيام بأعمال تخريبية وعدائية فى ربوع العالم الإسلامى!! كما رصد المرصد بيعة بعض الإندونيسيين وكذلك بيعة بعض القوقازيين للبغدادى وتأسيس إمارة افتراضية لهم تدار من خلال الشبكة العنكبوتية. وفى المقابل، وعلى الجانب الآخر من النهر، كشف موقع الجزيرة نت أخيرا عن أن الحرب الأخيرة على قطاع غزة كشفت عن وجود عدد كبير من (المتطوعين الأوروبيين والأمريكيين) فى صفوف (جيش الاحتلال الإسرائيلي)، فضلا عن وجود مؤسسات خيرية تجمع التبرعات لمصلحتها.وحصلت الجزيرة نت على ملف كامل وثقت فيه المنظمة العربية لحقوق الإنسان فى بريطانيا أسماء منظمات صهيونية تعمل على تجنيد المتطوعين الأجانب للخدمة فى الجيش الإسرائيلى ، وعلى رأس هذه المنظمات تأتى (سار أي1) وبلغت أعداد المتطوعين عام 2012وفق الإحصائيات قرابة 4011 فيما ذكرت مصادر إسرائيلية أن عدد مزدوجى الجنسية الذين يطلق عليهم (الجندى الوحيد) فى صفوف جيشها يقدر بنحو 5 آلاف من دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدةالأمريكية ودول أخرى. خلاصة القول، كنا أمام موجة ثورات طاحنة اندلعت على التوازى والتوالى فى جسد البلدان العربية، منها ما حقق هدفه إلى منتهاه بخراب هذه البلدان عن بكرة أبيها، ومنها ما عاد أدراجه من قبل أن ينزلق إلى آتون الاقتتال الشعبى الطاحن، ومنها ما تم وأده فى مهده؛ فما كدنا نفيق من سكرات الثورات حتى وجدنا أنفسنا أمام ظهور مفاجئ لميليشيات فظة، عناصرها قساة القلوب عن عمد، ما عهدنا إسلامهم هذا من قبل، راحوا يتوغلون شيئا فشيئا حتى أحكموا قبضتهم بين ليلة وضحاها على نصف مساحة العراق ومثلها فى سوريا، ثم ظهور مباغت لهم فى ليبيا، هوت على أثره مدينة سرت منذ ايام قلائل تمهيدا لربط سرت بمنطقة الجفارة وسط البلاد التى تتضمن حقل المبروك النفطى ومدينة ودان ؛ ثم السعى بعد ذلك إلى دمج المزيد من القبائل التى كانت موالية للقذافى فى منطقة فزان جنوباً !! فما كدنا نستوعب الموقف، حتى بدأ ما زففته لتوى إلى ناظريك اليوم يطرح نفسه بخبث شديد فيما لم يلتفت إليه أحد مجموعات من المرتزقة الغربيين شقت طريقها إلى المنطقة خلسة لتحارب مجموعات المرتزقة المضادة، ما يكشف النقاب عن أن (أصل الخطة) فيما لم يعد يحتمل التباسا سوى فى أوساط وعقول المجانين هو: تحويل المنطقة بعد انهيار أنظمتها وجيوشها وتطاحن شعوبها إلى مناطق نفوذ تحكمها مرتزقة (أجانب ومحليون) ذوو قوى متعادلة عسكريا؛ لا تقوى أحدها على دحر الأخرى بأى حال، مادام جميع الفرقاء لايمتلكون القوة النيرانية القادرة على حسم أى معركة ما إن تندلع؛ يقتاتون جميعهم على بيع ناتج آبار النفط (بأقل الأسعار) من أجل البقاء وممارسة الزعامة فى وعاء انصهار (Melting pot) من نوع جديد تكون فيه المنطقة أقرب مايكون إلى البزرميط السكانى! تلك هى عين الفوضى التى مابعدها فوضى .. وهذا هو مستقبل الشرق الأوسط (الكبير قوي)!! لمزيد من مقالات أشرف عبد المنعم