بصرف النظر عن حكم القاضي اليوم بمدي أحقية المهندس خيرت الشاطر القانونية في استئناف السباق الرئاسي الإنتحابي من عدمهافإن سبرغور ما اثاره ترشيحه من هواجس يظل مهما للغاية لأنه سيحوط أيا من مرشحي الجماعة أو حزب الحرية والعدالة. فقد سببت مسألة طرح اسم المهندس خيرت الشاطر لانتخابات رئاسة الجمهورية (مدعوما بترشيح حزب الحرية والعدالة و279 نائبا من مجلس الشعب) كثيرا من الجدل في الساحة العامة, إذ جاء دخول الرجل الي المعترك الانتخابي ملتبسا بعدد من الموضوعات الأخري, بينها بالقطع أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية لصوغ دستور البلاد, وعلي نحو تعرض لإنتقادات واسعة, من داخل اللجنة ذاتها (التي انسحب عشرات من اعضائها) أو من خارجها حين بدا أن البلد كله يقاطعها بأزهره وكنيسته, ومحكمته الدستورية, ونقاباته المهنية, واتحاداته العمالية, واختلف الفرقاء في ساحة هذا الموضوع حول تفسير المادة (60) من الإعلان الدستوري وماإذا كانت تعني انتخاب نواب من داخل البرلمان, أو المصادقة علي أعضاء يتم ترشيحهم من خارجه, وتباينت طرق معالجة الموقف بين المضي قدما في إجراءات وضع الدستور وإهمال الاعتراض العام علي اللجنة, أو النزوع نحو إحلال أعضاء في الجمعية من القائمة الاحتياطية بدلا من المنسحبين, أو الإقرار بضرورة تشكيل اللجنة من أول وجديد! وأحاط تلك المسألة انطباع صار هو الأكثر شيوعا وذيوعا بين الجمهور في مصر, وأعني به فكرة أن الإخوان يريدون الاستحواذ علي السلطات جميعا اعتمادا علي أغلبيتهم في الشارع, وهو ماوصفه البعض في تعبير دارج بأنه (التكويش).
ثم كان الالتباس الآخر الذي أحاط طرح اسم خيرت الشاطر, هو ذلك التضاغط الكبير الذي مارسه حزب الحرية والعدالة حول إقالة حكومة الجنزوري, وتشكيل حكومة ائتلافية يرأسها الإخوان.
إذ دعمت تلك المطالبة (بصرف النظر عن حجم المناورة أو الحقيقة فيها) الفكرة السائدة لدي الناس بأن الإخوان يريدون كل شيء لأنفسهم, ويعمدون إلي حرمان القوي الأخري من المشاركة في العملية السياسية في استنساخ هكذا وصفوه لأسلوب الحزب الوطني المنحل.. وأخيرا جاءت مسألة طرح خيرت الشاطر كرئيس لتضم في نظر المحتجين مؤسسة الرئاسة إلي المقتنيات السياسية لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة, فلا تفلت من قبضاتهم سوي بعض مؤسسات المجتمع الأهلي هنا أو هناك. وبيقين.. فإن تلك الالتباسات جعلت من طرح اسم المهندس خيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة مسألة قوبلت باستهوال علي الرغم من أحقية أي مواطن في الترشح, وتم في مواجهتها استدعاء تصريحات سابقة للإخوان التزموا فيها بعدم الترشح للرئاسة كدليل ثبوت علي نقضهم العهود, وعدم التزامهم كلمتهم, وهو مارأيت فيه مبالغة, لأن قوة واحدة من القوي السياسية علي الساحة لم تثبت طوال العام الماضي علي موقف, وكان تغيير خطابها غير مرة تمرينا يوميا تجاوب مع معطيات ومتغيرات جديدة, وهو ما لا يمكن أن نطلب من الإخوان تجاهله أو التشاغل عنه. لا بل واجتهد الكثيرون في التنقيب والبحث والتقصي لإيجاد ذريعة قانونية تبرر إقصاء الشاطر عن الترشيح, وتناسلت وتكاثرت التفسيرات للعفو الذي صدر عنه, وماإذا كان يشمل جميع القضايا أو بعضها, أو ماإذا كان صدوره بعد أيام من فتح باب الترشيح يبطل حق المهندس خيرت الشاطر في طرح نفسه لانتخابات المنصب الرفيع. ........................ وعلي الرغم من أني حرصت علي تلخيص أغلب الجوانب التي أحاطت مشهد ترشيح الشاطر, فإن كل النقاط سابقة الذكر لو أذنتم ليست هي محور اهتمامي في هذا المقال.. إذ إن وقوفي علي مسافة واحدة من جميع المرشحين يدفعني إلي مناقشة الظواهر العامة المشتركة بأكثر من تخصيص حديث عن مرشح بعينه.
وفي هذا الإطار تأتي قضية (زواج الثروة بالسلطة) التي طرحها البعض حين إعلان اسم خيرت الشاطر باعتبارها أحد أخطار ترشحه, وهو الذي يملك ويدير عشرات الشركات تعمل في البرمجيات والأوراق المالية والعقارات وغيرها. هذه المسألة تشغلني بقوة, وكنت أول من أشار إليها في الإعلام المصري عبر برنامجي (حالة حوار) منذ سنوات خمس, كما كتبت عشرات المقالات عنها هنا في سلسلة أسميتها (الشوارعيزم) تواصلت لسنوات أربع, وجري علي قلمي ولساني لمرات استخدام هذا التعبير: (زواج الثروة والسلطة) كما جري ماوصفت به رجال أعمال السلطة السابقة: (الجماعات الرأسمالية المتطرفة). نعم.. أنا ممن يتمثلون خطورة بالغة لظهور رجال الأعمال في ساحة الانتخابات الرئاسية, ولكن رجال الأعمال لا يظهرون في مسار هذه الانتخابات بترشحهم المباشر للرئاسة فقط, ولكن بدعمهم الواسع لمرشح أو آخر, وبالتالي الحفاظ علي مساحة تأثير في قرارته أو سياساته التي يتبناها إذا فاز بمقعد الرئاسة. ومن هنا فإن زواج المال بالسلطة, لا ينسحب علي رجل أعمال ترشح فحسب, وإنما علي رجال أعمال سيصير لهم فرصة وقدرة تشكيل القرار الرئاسي بالرأي من خلال دعم هذا المرشح أو ذاك. وأظن أن جدلا آخر يخص مسألة زواج المال بالسلطة, لابد أن يحتل مكانه في الملف, إذ لا ضرر ولا ضرار من ترشيح رجل أعمال (مثل غيره) لمنصب رئيس الجمهورية شريطة أمرين: أحدهما: أن تنقطع صلته كليا وعلي الجملة ووفقا لآلية قانونية وإجرائية محكمة بمصالحه الاقتصادية والمالية متنوعة الدرجة والمستوي, وبالتأكيد فإننا محتاجون هنا إلي تشريع ينظم تلك المسألة ويتفادي عوار وفجوات القوانين الحالية المتعلقة بالأمر, والتي سمحت لمسئولين وزاريين أو سياسيين بتوظيف مقاعد المسئولية الحكومية, أو الرئاسية في خدمة مصالحهم أو الزمر المالية والبيزنسية التي ينتمون إليها. وثانيهما: أن مايعنيني في المقام الأول هنا ليس اعتلاء رجل أعمال مقعد الرئاسة, ولكن التزامه حزمة سياسات تخدم مفهوم العدل الاجتماعي, يعني تطبيق مايسمي (الرأسمالية الاجتماعية), فإذا كان الإخوان عبروا عن التزامهم الرأسمالية (بما لا يخالف شرع الله), كما أعلنوا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الاسبوع الفائت, فإنني واحد ممن لا يقبلون هذ الالتزام من دون اقترانه أو تضفيره مع العدل الاجتماعي. المشكلة بالنسبة للاخوان أن كثيرا من طروحهم مازال غير واضح بالنسبة للناس, بما يشيع أجواء من الغموض حولهم تساعد علي انتشار الهواجس والريب والشكوك, وتوحي بتوقع المفاجآت. فإذا قال الإخوان أشياء عن التزامهم الرأسمالية (بما لا يخالف شرع الله) فإن ذلك يحتاج إيضاحا حول التعاملات البنكية, كما يعوزه إفصاح حول مدي إعتزامهم تغيير قانون البنوك من عدمه.. وكذلك فإن التزامهم الرأسمالية من دون اشارات واضحة إلي مسئولية الحكم إزاء الفقراء وحزمة الرفاه الاجتماعي Welfare-statate (التي تضم التأمينات والصحة والتعليم والضرائب) سيظل دوما بطة عرجاء تحتاج الي استعدال ساقها. هذا ماأهتم بالكلام عنه فيما أثاره موضوع ترشيح المهندس خيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة, وأظن أن إكتشاف ما ينتويه الإخوان أكثر أهمية وجدوي من الاستماتة في وصمه وجماعته السياسية بالديكتاتورية أو الاستحواذ, أو تلك الكلمة التي يتداولها الجميع وأعني بها: (التكويش)! المزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع