زيارة محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايرانيةلموسكو وما واكبها وأعقبها من تصريحات تقول بمجموعة من الدلائل، اولها ان ما سبقها من زيارات ولقاءات عربية مع ممثلي الخارجية الروسية كانت بمنزلة "جس النبض" حول احتمالات تغير الموقف الروسي من مسألة "اقصاء بشار الاسد" ، فضلا عن اعتبارها استمرارا لمحاولات "خطب ود" الشريك الامريكي فيما وراء المحيط، وتنفيذ ما سبق وطرحه من مخططات تستهدف في نهاية المطاف تقسيم المنطقة بموجب سيناريو"الثورات الملونة". جاءت زيارة ظريف لموسكو لتكون حلقة جديدة في سلسلة الاتصالات التي طالما حرصت القيادة السياسية الروسية على دوريتها في اطار استراتيجية شاملة سبق واعلنها الرئيس فلاديمير بوتين تاكيدا لتنويع علاقات بلاده مع العالم الخارجي في اطار التركيز على التوجه شرقا. وكان كشف عن ذلك في اكثر من مرة كان آخرها استضافته لرؤساء بلدان "بريكس" و"شنغهاي" في يوليو الماضي التي التقي على هامشها الرئيس الايراني حسن روحاني. ولم يكن سرا ان يخلص الزعيمان آنذاك الى نقاط اتفاق حول مختلف قضايا المنطقة بما فيها العلاقات الثنائية والاوضاع في سوريا واليمن. ولذا كان من الطبيعي ان يستانف الجانبان اتصالاتهما بما يتسق مع المتغيرات الدولية التي اسفرت ضمنا عن توقيع الاتفاق الايراني النووي وما اثاره من لغط وجلبة في الاوساط السياسية العربية والخليجية، بلغت اوجها في الدوحة التي شهدت ايضا اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء خارجية روسياوالولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية. وننتقل سريعا لنتجاوز ما تناولناه في الاسبوع الماضي حول تباين المواقف الروسية السعودية تجاه بعض جوانب تسوية الازمة السورية، ولا سيما ما يتعلق منها بمصير الرئيس الاسد، وهو ما نعود اليه من منظور ما جرى في موسكو من مباحثات بين سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسية نظيره الايراني محمد جواد ظريف. كان المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده لافروف مع نظيره الايراني ظريف مناسبة جديدة اكدت فيها موسكو مدى اصرارها على موقفها تجاه مسالة "رحيل الرئيس السوري بشار الاسد". ولذا بدت تصريحات واجابات الوزيرين الروسي والايراني حول هذه المسألة، وكأنها محاولة غير مباشرة لتاكيد مواقف موسكو من النقاط الخلافية التي شهدتها لقاءات ومباحثات لافروف مع وزير الخارجية السعودية عادل الجبير وعدد من ممثلي فصائل المعارضة السورية في موسكو في غضون الاسبوع الماضي. ومن هذا المنظور اكد الوزير الروسي وضيفه الايراني على مسالة رفض أى توجهات تقول بتنحية الرئيس السوري بشار الاسد من منصبه، شرطا - مفاوضات مقبلة حول التسوية السورية. وذكر لافروف صراحة "ان الموقف الروسي من تسوية الأزمة السورية لم يتغير، وانه يكمن في ضرورة أن يقرر الشعب السوري مستقبل بلاده على أساس بيان جنيف دون تدخل أى قوى خارجية أو فرض سيناريوهات مسبقة". لم يغفل لافروف وجود الاختلافات بين مواقف موسكو وما يطرحه شركاؤها في الولاياتالمتحدة والخليج من مواقف، ولا سيما تجاه ما يتعلق بمصير الرئيس الأسد. قال "انه على الرغم من تطابق مواقف جميع الأطراف حول ضرورة أن يكون الحل في سوريا سياسيا، فان بعض شركائنا يرى وجوب الاتفاق مسبقا على رحيل الرئيس من منصبه في ختام المرحلة الانتقالية، وهو موقف غير مقبول بالنسبة لروسيا، حيث ان الشعب السوري هو الذي يجب أن يقرر "مسألة مصير الأسد". وأضاف قوله "إننا مازلنا متمسكين بالقاعدة الراسخة المتمثلة في بيان جنيف الصادر في 30 يونيو عام 2012، والذي ينص على حل جميع المسائل المتعلقة بتجاوز الأزمة السورية من خلال المفاوضات بين الحكومة السورية ووفد المعارضة الذي يمثل جميع أطياف خصوم القيادة السورية. كما أن البيان يؤكد أن أى اتفاقات بشأن الخطوات الانتقالية والإصلاحات، يجب أن تتخذ على أساس التوافق بين الحكومة وخصومها". على ان الوزير الروسي لم يكتف بايجاز ثوابت الموقف الروسي الذي يستقيم مع مبادئ القانون الدولي واهمها حق الشعوب في تقرير مصيرها دون اي تدخل خارجي وهو ما ينص عليه ميثاق الاممالمتحدة، بل ومضى ليؤكد التباين في المواقف مع من وصفهم ب"اللاعبين الخارجيين" المشاركين في تسوية الأزمة السورية. وحمل لافروف على هذه القوى التي طالبها ب"ضرورة الكف عن محاولة اعتبار ما يسمى بالمجتمع الدولي تقديم "منظمة وحيدة للمعارضة السورية" بوصفها فقط التي تتمتع بالشرعية الكاملة". وأضاف "أنه يجب تشكيل وفد للمعارضة يمثل جميع أطيافها، على ان تتلخص مهمة هذا الوفد في وضع قاعدة بناءة دون أية شروط مسبقة لإجراء المفاوضات مع وفد الحكومة الشرعية في سوريا". ولم يكن الوزير الايراني محمد جواد ظريف اقل وضوحا ومباشرة من نظيره الروسي في تناوله لهذه المسالة، حيث قال ان طهران تؤيد مواقف موسكو تجاه سبل تحقيق التسوية السياسية للأزمة في سوريا. واضاف قوله" اننا نشاطر الاتحاد الروسي موقفه من اعتبار التسوية السياسية هي السبيل الوحيد للخروج من الازمة الراهنة، وان هذا التطابق في المواقف سيستمر"، فيما اكد انه "على السوريين أن يقرروا مصيرهم ومستقبلهم بأنفسهم، أما الدول الأجنبية، فيجب أن يقتصر دورها على تسهيل تحقيق هذه المهمة بالنسبة للسوريين". وعلى الرغم من ان المسائل المتعلقة بتسوية الازمة السورية استغرقت الوقت الاعظم من المساحة الزمنية للمؤتمر الصحفي فقد كشف الوزيران عن اتفاقهما في الرأي كذلك تجاه بقية نقاط جدول الاعمال وفي مقدمتها مبادرة الرئيس فلاديمير بوتين حول تشكيل "تحالف اقليمي" مضاد للارهاب والتعاون في مواجهة "الدولة الاسلامية" (داعش)، الى جانب الاتفاق النووي بين ايران وبلدان السداسية الدولية، الذي قال الوزير الروسي "أن تطبيقه سيسمح بتسوية الوضع حول البرنامج النووي الإيراني بصورة ترضي الجميع مع ضمان الاحترام التام لحق إيران في الأنشطة النووية السلمية، كما أنه يتيح استعادة الثقة في المنطقة ويضمن إزالة العقبات التي تعرقل التعاون الاقتصادي والسياسي الطبيعي على المستوى الإقليمي مع ضمان المشاركة كاملة الحقوق لإيران". وكشف لافروف عن ان الاتفاق يفتح مرحلة نوعية جديدة في العلاقات بين موسكووطهران، في مختلف المجالات بما فيها الطاقة، مشيرا الى ان البلدين في طريقهما الى بناء ثمانية مفاعلات جديدة في ايران . من جانبه قال وزير الخارجية الإيراني إن روسيا ستلعب دورا مهما في عملية تطبيق الاتفاق النووي الشامل، وأشاد بمساهمة لافروف في إنجاح المفاوضات التي جرت في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني. كان ايجور مورجولوف نائب وزير الخارجية الروسي اشار الى ان مباحثات الوزيرين تناولت المسائل المتعلقة بتوريد المنظومات الصاروخية "إس-300" إلى إيران، في اطار تنفيذ مرسوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصادر في أبريل الماضي مرسوماً حول رفع الحظر على توريد أنظمة صواريخ "اس-300" لإيران. ولذا لم يكن مفاجأة لاحد ما نقلته وكالة انباء "سبوتنيك" الروسية عن العميد حسين دهقان وزير الدفاع وقائد القوات المسلحة الإيرانية تصريحاته حول توقيع اتفاق تسليم طهران منظومات "اس-300" الصاروخية التي كان الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف عام 2010 اوقف تصديرها الى ايران بموجب العقوبات الدولية التي أقرها مجلس الامن. وكانت المصادر الروسية نقلت عن نظيرتها الايرانية انباء تقول بان موسكووطهران اتفقتا على "توقيع اتفاق تسليم المنظومات الصاروخية "اس-300" "المحدثة" الى ايران بمشاركة عسكريين إيرانيين وروس في موسكو الأربعاء أو الخميس من الأسبوع المقبل على الأرجح، وأن وزير الدفاع نفسه أو أحد نوابه سيرأس الوفد العسكري الإيراني إلى موسكو". وفي اول رد فعل من جانب واشنطن تجاه هذا الخبر قال جون كيرى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إن بلاده تتحقق من احتمالات عقد هذه الصفقة وما إذا كانت تتعارض مع عقوباتها المفروضة على طهران. وأشار كيرى إلى أن هذه الصفقة المحتملة لا تتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي، لكن التحقق سيتم حول إذا ما كانت تتعارض مع القوانين الأمريكية الخاصة بالعقوبات المفروضة على إيران من قبل الولاياتالمتحدة، وأكد كيرى أن موقف بلاده حول هذه المسألة لم يتغير. وأضاف أن الولاياتالمتحدة كانت ومازالت قلقة من نية روسيا تزويد إيران بهذه المنظومة الصاروخية، وذلك بسبب سياسات إيران الخارجية في الشرق الأوسط ودعمها جماعات هناك تضعها الولاياتالمتحدة على لائحة الإرهاب.