وفاة الفنان القدير المحترم نور الشريف تثير القلق حول مستقبل الدراما المصرية فالدرما صناعة تشكل وجدان المجتمع المصرى وترصد عاداته وتقاليده ويتوقف نجاحها على قدرة مؤديها من الفنانين البارعين أمثال المرحوم بأذن الله الفنان نور الشريف والدكتور يحيى الفخرانى والفنان محمود ياسين وغيرهم من الذين يجيدون الاداء والتى نبغت مصر فى ولادتهم ولانها منظومة متكاملة تتضافر فيها المنتجين والعمال ايضا الى جانب الفنانين فبرغم عراقة صناعة الدراما المصریة إلا أن إجمالي الأعمال الدرامیة باللكنة المصریة لا یزال یشكل نسبة ضئیلة فى الفترة القلیلة الماضیة من مجموع المحتوى الدرامي العالمي، مما دفع كثیرا من شركات الإنتاج الدرامي إلى محاولة سد هذه الفجوة المتنامیة، من خلال تطویر نسخ عربیة من الأعمال الغربیة الناجحة فقد شھدت السنوات الاخيرة انخفاضا فى حجم الانتاج الدرامى الذى حقق رواجا كبيرا خلال ال 30 عاما الماضية انتشرت فيها اللهجة المصرية فى العالم العربى انتشارا واسعا فقد قرأت معلومة فى دراسة أعدها المركز الاقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة أنه بعد تقدیم الدراما المصریة لنحو ۷۳ مسلسلا عام ۲۰۱۲؛ لم َّ یتعد حجم الإنتاج الدرامي حاجز ال4۰ مسلسلا عام ۲۰۱۳، أغلبھا من إنتاج القطاع الخاص بواقع ۳۷ عملا، من بینھا نسبة ۲۱٫5% أعمال ذات إنتاج عربي مشترك، بینما قام قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتلیفزیون بصناعة ۳ مسلسلات فقط،ومع ذلك ارى أن احوال الدراما تدهورت أكثر وأكثر عامى 2014 ,2015 التحديات التى تواجه الدراما المصرية ليست فقط فى وجود فنانين يجيدوا هذا النوع من الفن ولكن ايضا التشوهات الهيكلية التى تصيب هذه الصناعة منها وجود قلة احتكاریة من الشركات الكبیرة تهيمن على معظم الانتاج الدرامى فى هذه السوق ويقدرها البعض كحد أقصى بخمس شركات تحتكر الصناعة من الإنتاج إلى التصویر للتحميض والطباعة والتوزیع، والسبب كما تاره الدراسة ليس لعدم سماح قوانین الاستثمار المصریة بتأسیس شركات إنتاج جدیدة منافسة، بل لعدم قدرة هذه القوانین على توفیر أطر المنافسة الحرة بین شركات الإنتاج مختلفة الحجم. إذ یبلغ عدد الشركات العاملة في صناعة الدراما قرابة 5۰۰ شركة، تستأثر نسبة تقل عن 5 % من مجموع هذه الشركات بمعظم المعروض الدرامي؛ حیث یساهم قانون الاستثمار المصري رقم ۸ لسنة ۱۹۹۷ في تكریس هذا الوضع الاحتكاري، وذلك بمنح إعفاءات ضریبیة حصریة للشركات التي یزید رأسمالھا عن ۱۰ ملایین جنیھ، وبما یؤكد سیطرة الشركات الكبرى على توجیھ دفة صناعة الدراما في السوق المصریة في جوانب الإنتاج والتوزیع والعرض أمام ضعف الطاقات التمویلیة للشركات الصغيرة العاملة في الصناعة ومقابل ارتفاع تكالیف استیراد المدخلات الأجنبیة بسبب تراجع قیمة الجنیھ المصري بعد الثورة امام الدولار والیورو مع مراعاة ان الانتاج الدرامى يحتاج الى درجة عالية من التخصص الا ان الملاحظ ان العمالة فيه موسمية مما يحول للاسف دون تأسیس قاعدة عریضة ذات آلیات عمل مستقرة من العمال المھرة المتخصصین بشكل دقیق في شئون صناعة الدراما ولان صناعتها واحدة من أكثر الصناعات موسمیة في الاقتصاد المصري تقتصر فترة رواجھا على شھر رمضان الذي یستحوذ بدوره على أعلى نسب للمشاهدة، وأكبر قدر من الفواصل الإعلانیة، وأعلى معدل للإیرادات التلیفزیونیة وللاسف كونها موسمیة يؤدى الى تزاحم عرض المسلسلات خلال الموسم الرمضاني المكتظ، ویؤثر كثيرا على حظوظ بعض الأعمال الجیدة في المشاهدة، وبالتالي یحد من حصیلة إیرادات كل عمل بشكل منفرد ومجمل إیرادات صناعة الدراما بشكل عام ولا ننسى ان انخفاض إنفاق الأسرعلى المنتجات الثقافية لايتعدى 3% من الدخل السنوى حسب تقرير جهاز التعبئة والاحصاء الأمر الذي ینعكس بالسلب على نشاط شركات الإنتاج المحلیة الحكومیة والخاصة، والتي تقوم بتعدیل أنشطتھا وفقا لحجم الإعلانات التلیفزیونیة المتوقعة. ولايمكن تجاهل المنافسة الشرسة الى تواجها الدراما المصرية من قبل المسلسلات المدبلجة بالعربیة ، التركیة والمكسیكیة والھندیة وغیرها- والتى انتشرت انتشارا واسعا في القنوات الفضائیة العربیة وتميزها بالإضاءة المبھجة، والدیكور المبھر، والمناظر الخلابة التى تسوق لبلادها ، والوجوه الشابة الجمیلة، ومناقشة القضایا الاجتماعیة المسكوت عنھا بحكم طبیعة التقالید العربیة، وانخفاض تكالیف انتاجها ولان الأعمال الدرامیة كغیرها من المنتجات السوقیة تخضع لقوانین العرض والطلب الاقتصادیة انتشرت الأعمال الدرامیة ردیئة المحتوى، من قبل منتجين معينين فى ظل اهمال الحكومة فى حماية الملكية الفكرية لمنتجى الدراما وتنامي أعمال القرصنة على حقوق إنتاج الدراما المصریة وتداولها عبر مواقع الالكترونية دون اذن منتجيها مما یؤثر في النھایة على رغبة المنتجین في الاستمرار في عملیة الإنتاج دون وجود ضوابط قانونیة رادعة لمزيد من مقالات سعاد طنطاوى