شهادة الثانوية العامة منذ نشأتها عام 1955م، والجميع أولياء أمور ومسئولون يعتبرونها مجرد امتحان مسابقة للالتحاق بالجامعة، حيث أصبحت الشهادة الجامعية مجرد غاية للوجاهة الاجتماعية عند معظم قطاعات مجتمعنا المصري، ومن هنا نشأ الصراع المحموم للالتحاق بالجامعة، وقد زاد هذا الصراع بالزيادة الكبيرة التى حدثت فى اعداد الطلاب الملحقين بالمرحلة الثانوية، خاصة بعد مجانية التعليم الثانوى عام 1950م، وبذلك ارتفع عدد الطلاب الحاصلين على شهادة الثانوية العامة والراغبين فى الالتحاق بالجامعات، فأنشأت الدولة مكتب التنسيق لضمان العدالة فى توزيع الطلاب على الكليات الجامعية، والملاحظ أن الزيادة المطردة لعدد الطلاب فى المرحلة الثانوية لم يقابلها توسع فى بناء المدارس الثانوية.، وبذلك ازدحمت الفصول بالطلاب وانخفض مستوى التعليم بالمدارس الحكومية بالاضافة إلى بزوغ «ظاهرة الفترات» مما أدى إلى فشل المدرسة فى أداء مهامها التعليمية والتربوية، وتفشى مراكز الدروس الخصوصية التى لجأ إليها الطلاب وهجروا المدرسة من أجل الحصول على أعلى الدرجات فى امتحان الثانوية العامة، حيث اتبعت هذه المراكز طرقا شاذة فى التعليم فحولوا معظم المقررات الدراسية إلى أسئلة وأجوبة يحفظها الطلاب عن ظهر قلب، وساعدهم فى ذلك أسلوب امتحانات الثانوية العامة التى تراعى بالدرجة الأولى الطلاب محدودى التفكير ومتوسطى المستوى حتى تأتى نتيجة امتحانات الثانوية العامة مرضية للجماهير دون أى اعتبار للمصلحة العامة، ونتيجة لذلك بزغت ظاهرة أخرى وهى حصول بعض الطلاب على 100% من الدرجات وأحيانا أكثر!! وقد ثبت أن هذه الدرجة المميزة جدا لا تدل على المستوى العلمى لهؤلاء الطلاب الذى هو أدنى من ذلك بكثير، ومن هنا جاءت هجرة الطلاب إلى تلك المراكز غير الشرعية للحصول على أعلى الدرجات فقط!! وبناء على هذه الدرجات الجامدة التى حصلوا عليها نتيجة نظام تعليمى يعتمد فقط على الحفظ والاسترجاع دون الأخذ فى الاعتبار مواهب الطلاب ومدى استعدادهم الذهنى لتقبل الدراسة فى الكليات التى يوزعهم عليها مكتب التنسق فإن مدرجات الجامعة تمتلىء بطلاب كارهين للدراسة التى يتلقونها فماذا تتوقع من مستوى خريجى الجامعات؟ هذه هى المأساة التى يعيشها التعليم الآن بمصر، والسبب فى ذلك امتحان الثانوية العامة الذى أصبح مرضا اجتماعيا بسبب العبء المادى الذى تتحمله الأسرة المصرية نتيجة الدروس الخصوصية، وأيضا مرضا معرفيا وتربويا بسبب هجرة الطلاب المدرسة الوطنية إلى مراكز الدروس الخصوصية. والحل الذى نراه للتغلب على هذه المأساة، هو أن تصبح شهادة الثانوية العامة نهاية مرحلة وليست امتحان مسابقة للالتحاق بالجامعة مع ما يستتبع ذلك من اعادة النظر فى برامج المدرسة الثانوية لتعد الطلاب للعمل فى الحياة ولا يكونون عالة على المجتمع ويكون للجامعة دور ورؤية فى نوعية وعدد الطلاب الذين يلتحقون بكلياتها المختلفة من الحاصلين على الثانوية العامة ولتحقيق ذلك يكون هناك امتحان قبول للجامعات أسوة بمعظم جامعات العالم المتقدم، يقوم بالاعداد له والاشراف عليه المجلس الأعلى للجامعات بقطاعاته العلمية المختلفة، ولعل ذلك يكون بديلا عما تم عام 1936 عندما تم تطوير المرحلة الثانوية «خمس سنوات» من شهادة الكفاءة لمدة سنتين وشهادة البكالوريا «3 سنوات» إلى شهادة الثقافة العامة «4 سنوات» حيث يزود الطلاب بكل المعارف التى تؤهلهم للاندماج فى الحياة العامة وشهادة التوجيهية «سنة واحدة» التى يتم إعداد كل من يحصل عليها للالتحاق بالجامعة، ولذلك الحقت السنة التوجيهية بالجامعة التى تشرف على الدراسة بها وعلى امتحاناتها وبذلك أصبح للجامعة رأى ورؤية لنوعية الطلبة الملتحقين بها، وربما يفسر ذلك المستوى المتميز الذى كان عليه خريجو الجامعات فى النصف الأول من القرن العشرين وقد استمر هذا الوضع حتى عام 1947م وبعدها أعيد الحاق التوجيهية للتعليم الثانوي. واننا نأمل بمقترحنا هذا أن يكون للجامعة رأى فى نوعية الطلاب الملتحقين بها من خلال امتحان قبول للجامعة وأن يرتفع مستوى التعليم الجامعى وبالتالى مستوى الخريجين. باتخاذ هذه الخطوة الجريئة وهى أنه بإلغاء الثانوية العامة كامتحان مسابقة للالتحاق بالجامعات نكون قد قضينا على مراكز الدروس الخصوصية التى أنشئت لهذا الغرض، وقدمنا خدمة عظيمة للتعليم قبل الجامعى بشكل عام والتعليم الثانوى بشكل خاص، فالمدرسة الثانوية لم تكن مجرد وعاء للحصول على شهادة علمية فقط ولكن أيضا لبناء شخصية الشاب المصرى من خلال الأنشطة الطلابية الرياضية والفنية والجمعيات الثقافية كجمعية الخطابة وغيرها، تلك الأنشطة التى اختفت بعد أن هجر الطلاب المدرسة إلى مراكز الدروس الخصوصية وبالقضاء على تلك المراكز غير الشرعية وإزالة سبب وجودها نكون قد أدينا خدمة عظيمة للتعليم فى مصر. د. أحمد دويدار البسيونى