تكريما لعطائه العلمي والدعوي، إطلاق اسم الدكتور أحمد عمر هاشم على أحد مساجد الزقازيق    أسقفا الكنيسة الأنجليكانية يزوران قبرص لتعزيز التعاون الإنساني والحوار بين الكنائس    الرئيس السيسي يهنئ رئيسي تركيا والنمسا بذكرى العيد القومي    المشاط: المتحف المصري الكبير يفتح آفاقًا جديدة لقطاع السياحة    مصر تشارك في اجتماع لجنة مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي    خبير: المتحف المصرى الكبير سيحفز الاستثمارات في قطاع الخدمات والبنية التحتية    تحليل: 21% من السيارات الجديدة في العالم كهربائية بالكامل    البنك الأهلي المصري يوقع اتفاقية تمويل مع شركة أبو ظبي الإسلامي    تطبيق التوقيت الشتوي رسميًا في مصر غدًا.. الساعة تتأخر 60 دقيقة    السياحة: 6 أشهر مهلة إضافية لمبادرة التسهيلات التمويلية لزيادة الطاقة الفندقية    وزير الخارجية يؤكد تمسك مصر بوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية    كوريا الجنوبية تطلب مساعدة نووية من ترامب خلال زيارته للبلاد.. تفاصيل    الأونروا: المساعدات لغزة تضاعفت لكنها نقطة في بحر الاحتياجات    وزير الخارجية المصري يبحث مع نظيره السوداني الأوضاع في الفاشر    ملفات ساخنة على طاولة أول لقاء يجمع المستشار الألمانى ورئيس تركيا    لجنة القيم تعاقب عمر عصر ومحمود حلمي بغرامة مالية 100 ألف جنيه    كييزا: أشعر بتحسن كبير هذا الموسم.. وأريد البقاء مع ليفربول    خلاف جديد بين الزمالك ومحمد السيد فى ملف التجديد    كأس العالم للناشئين - مدرب إيطاليا: علينا التأقلم سريعا مع المناخ في قطر    غرامة 100 ألف جنيه وتحذير بالشطب.. عقوبة ثنائى تنس الطاولة عمر عصر ومحمود أشرف    سيد عبد الحفيظ: لا أفكر في رئاسة الأهلي مستقبلا    السائق المتهم في واقعة طمس اللوحات: «عوامل الجو السبب»    جريمة بحق الطفولة.. سقوط شبكة استغلال الأطفال في التسول واستجداء المارة بالقليوبية| صور    كوكتيل مخدرات في شبرا الخيمة.. سقوط 4 عاطلين في قبضة المباحث    الداخلية تكشف تفاصيل مشاجرة بين 3 طلاب فى أسيوط    وزير الثقافة ومحافظ سوهاج يفتتحان قصر ثقافة الطفل    سفيرة قبرص لدى مصر: المتحف الكبير.. الهرم العظيم الجديد لعصرنا الحديث    وزير الثقافة يلتقى محافظ سوهاج للانتهاء من أعمال تطوير قصر ثقافة سوهاج    رامي جمال يستعد لإطلاق ألبوم جديد بفكرة جديدة    "فيها إيه يعني" يواصل تألقه في السينمات ويتخطى حاجز ال70 مليون جنيه    وزير الصحة يترأس الاجتماع الثاني للمجلس الوطني للسياحة الصحية    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    وزير الصحة يستقبل وفد شركة "وادي النيل للمقاولات" لبحث تسريع المشروعات الصحية وتعزيز التعاون    الأقصر تزين ميادينها وتجهز شاشات عرض لمتابعة افتتاح المتحف المصري    حركة المحليات بالأسماء.. تفاصيل تعيين ونقل 164 قيادة محلية في 11 محافظة    وزير الشئون النيابية: الرئيس السيسي أولى ملف مكافحة الفساد أولوية قصوى    الأرصاد الجوية: طقس خريفي معتدل نهارًا ومائل للبرودة ليلًا على أغلب الأنحاء    السيطرة على حريق محدود داخل معرض فى التجمع    شمس البارودي تنشر السيرة الذاتية لزوجها حسن يوسف في ذكرى وفاته    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    إصابة 5 أشخاص في انقلاب سيارة سوزوكي على طريق أسيوط الغربي    الأحزاب السياسية في ميانمار تطلق حملتها الانتخابية قبل الانتخابات العامة في ديسمبر    إعصار ميليسا يصل الساحل الجنوبي لشرقى كوبا كعاصفة من الفئة الثالثة    رعم الفوز على النصر.. مدرب اتحاد جدة: الحكم لم يوفق في إدارة اللقاء    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    نقابة الزراعيين بالدقهلية تختتم دورة "صناع القرار" بالتعاون مع الأكاديمية العسكرية    الأمين العام للإنتوساي تشيد بدور مصر في تعزيز التعاون الدولي ومواجهة الأزمات    طريقة عمل طاجن البطاطا بالمكسرات.. تحلية سريعة في 20 دقيقة    بالدموع والإيمان.. ربى حبشي تعلن عودة مرض السرطان على الهواء مباشرة    ناجي حكما لمباراة الزمالك والبنك في الدوري    أسعار الذهب فى أسيوط اليوم الاربعاء 29102025    سوزي الأردنية تواجه أول حكم من المحكمة الاقتصادية    د.حماد عبدالله يكتب: ومن الحب ما قتل !!    الدفاعات الجوية الروسية تدمر 4 مسيرات أوكرانية كانت متجهة نحو موسكو    دعاء الفجر | اللهم اجعل لي نصيبًا من الخير واصرف عني كل شر    في الشغل محبوبين ودمهم خفيف.. 3 أبراج عندهم ذكاء اجتماعي    أذكار المساء: أدعية تمحو الذنوب وتغفر لك (اغتنمها الآن)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانشغال بمصر والاشتغال على مصر
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 08 - 2015

قبل نحو عقد استعمل الكاتب الكويتى الدكتور محمد الرميحي، وأحد كتاب الأهرام حاليا، تعبير «الفرضية المصرية» وهو يناقش ما كان يجرى فى المنطقة. وتذهب هذه الفرضية إلى أن ما من شيء يقع فى مصر طيبا أو رديئا إلا وتكون له أصداؤه وتبعاته فى المنطقة العربية كلها. فلو نجحت مصر مثلاً فى الإصلاح سيعم الإصلاح المنطقة ولو فشلت فى مكافحة الفساد فستفشل معها باقى الدول العربية وهكذا. وبرغم ما فى تلك الفرضية من وجاهة فإن فيها أيضا مبالغة تُحمّل مصر عبئاً يجب ألا تتحمله لو أخفق غيرها وينسب إليها فضلاً قد لا تكون وراءه لو نجح.
لكن تبقى الفرضية المصرية فى العموم مقنعة خاصةً أن التاريخ لم يدخر فرصة إلا وأكد عليها. فهناك مركزية مصرية لا تخفى يجب ألا يفهمها المصريون قبل غيرهم على نحو عنصرى وإنما بالمعنى الاستراتيجى المباشر. فمصر على أى حال كانت عليه تبقى رقما إقليميا صعبا ولاعبا محوريا لا يكفى الانشغال بحاله إذا انكفأ ولا يتوقف الاشتغال عليه إذا انطلق. مصر فى عيون العرب بلد يعول عليه ويخشى منه، يفتتن به ويُكاد له، يُنتظر منه ويُدبر له.
منذ 1952 إلى اليوم وعلاقات مصر بمحيطها العربى تؤكد الانشغال بها والاشتغال عليها، الخوف منها والخوف عليها، العمل معها والعمل ضدها. والموقفان مفهومان. فدولة بحجمها وقدراتها لا بد للجوار العربى أن ينشغل بها ويعول عليها ويأمل فيها. ودولة أيضاً بحجمها وقدراتها لا بد لنفس الجوار أن يشتغل عليها تخوفاً من طموحاتها. هذا هو قدر الدول المركزية. تثير الانشغال بها والأمل فى الارتكان إليها وتدفع أيضا إلى الاشتغال عليها خشية من نجاحها وتفوقها.
أما عن الانشغال العربى بمصر فتتراوح أسبابه ما بين اعتبارات أمنية وسياسية وثقافية واقتصادية. هناك دول عربية مثلاً تشعر بانكشافها أمنيا فتعول على التنسيق مع مصر، أو تسعى للتوازن مع منافسين لها سياسيا فتقترب من مصر، أو تتطلع لتنمية نفسها ثقافيا فتغترف من تراث عربى كبير اضافته مصر، أو تعمل على تعزيز قدراتها الاقتصادية فتجد فى مصر سوقاً كبيرة تستثمر فيه أو مورداً للأيدى العاملة والخبرات تنهل منه. وللانشغال بمصر مظاهر لا تخفى من تسابق الإعلام العربى على الأخبار المصرية إلى شغف المسئولين والناس العاديين بالحديث فى شئونها إلى التنقيب فى ذاكرتها الفنية لاستخراج كنوز ثمينة لديها إلى الاعتراف بأستاذيتها الثقافية إلى الأمل فى تصدر قواتها المسلحة مواجهة التهديدات الإقليمية وغير ذلك من مظاهر تؤكد أن هناك انشغالا عربيا حقيقيا بمصر وليس مصطنعا.
مثل هذا الانشغال يدغدغ مشاعر الريادة عند المصريين، وقد يصبح مصيدة للإعجاب الزائد بالذات ما لم تواكبه تنمية مستقلة للقدرات المصرية. فالكلمات المادحة التى يرددها المنشغلون بمصر يمكن أن يكون لها وقع سيئ برغم حلاوتها لأنها تعمق الإحساس بالنرجسية الوطنية خاصة أن من خصالنا حب الكلام الحلو وتصديق الكلام الكبير واعتباره والحقيقة سواء. كما أن الانشغال الزائد بمصر قد يكون سلاح بعض العرب لتبرئة أنفسهم أمام شعوبهم بحجة أن النجاح والفشل معلق دائما فى رقبة مصر. إن بدأت بدأنا وإن توقفت فلا يتحمل اللوم غيرها. هذه مبالغات لو سمح غيرنا لنفسه بقولها لا يجب أن نسمح لأنفسنا بتصديقها لأنها تحملنا ما لا طاقة لنا عليه وتغرينا على تحمل ما لا قبل لنا به.
وإذا كان الانشغال بمصر يصاحبه كلام معسول يدعو إلى الخوف عليها من التيه بالذات، فإن الاشتغال على مصر يجب أن يثير كثيراً من الغضب لأجلها. والأمر واضح. فالبعض لا يكف عن مشاغلة مصر بل والاشتغال عليها. وعلى عكس المنشغلين الذين يقلقون على مصر فإن المشتغلين عليها يقلقون منها. بعضهم أغرته استشارات مغرضة بأن مصر باتت رجل العرب المريض وأن هذا هو الوقت للانقضاض عليها. شجعهم على ذلك حالة الهشاشة التى أخذ مبارك مصر إليها وذلك الفراغ الذى تركته يتسع لما تخلت عن ملفات عربية كانت باستمرار فى يدها ولما أهملت قوتها الناعمة. وبعض آخر يشتغلون عليها لأنهم لا يزالون مسكونين بطابع التوحش الذى وصفه بن خلدون عن العرب وميلهم للتنافس على الرئاسة سواء كانت لديهم مقوماتها أم لا. أو اندفعوا للاشتغال عليها ضمن مخططات قوى عالمية ارتأت الاستعانة بأطراف عربية لتلعب وتشتغل ضدها.
ولا يقتصر الاشتغال على مصر على ذلك الدور الملوث الذى تقوم به بعض القنوات الإخبارية الهدامة وإنما يتسع للاشتغال على مصر عبر جماعات محلية تبحث لنفسها عن كفيل يرعاها ولا تمانع فى تنفيذ مقاولات سياسية تنخر من خلالها هى والقوى المشتغلة على مصر فى جسد الوطن. ومع أن المشتغلين على مصر وكلاء عن قوى أكبر يتبعونها إلا أن أحاديث الظل فى منتدياتهم لا تكف عن التلميح إلى «السخرة الإقليمية» التى يعتقدون أن مصر يجب أن تتحملها مادام أنها تحتاج إلى المال وطالما ظنوا هم أن المال قادر على شراء كل شيء بما فى ذلك إرادات الدول.
وإذا كان الانشغال بمصر محل للتقدير إلا أن انشغال كل عربى بذاته أولا محلا لتقدير أكبر. وهذا ليس تبريراً لكى تتخلى مصر عن مسئولياتها لأن ذلك غير وارد أصلاً لاعتبارات تخص الأمن القومى المصري، وإنما دعوة لأن يسبق انشغال غير المصريين بمصر انشغال المصريين أكثر بها وألا يكون انشغال الآخرين بشئوننا وآمالهم الكبيرة فينا بديلاً عن حجم عمل مهول يجب أن ينجزه المصريون بأنفسهم. أما الاشتغال على مصر فليس جديداً. فقد عرفت مصر أشكالا مختلفة منه عبر العصور كانت فى كل مرة تتصدى له لتؤكد أن الشغل مع مصر وليس الاشتغال عليها هو الأجدى والأبقي.
المنشغلون بمصر، مع كامل الإقرار بحسن نواياهم، قد يخدع معسول كلامهم نفوسنا المحبة جداً للكلام المعسول. كما لا يجب أن يخفى علينا أن المنشغلين بنا برغم كلامهم الودى الناعم لم يعودوا يتوقفون عن الانطلاق انتظارا لانطلاقنا. أما المشتغلون علينا فبقدر مضايقاتهم تكون فائدتهم لأنهم يوفرون حافزا للانتباه وسببا لانشغال المصريين أكثر ببلدهم ودعوةً لاشتغالهم مع بعضهم بدلاً من أن يشتغلوا على بعضهم أو لصالح غيرهم.
أستاذ العلوم السياسية كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة
لمزيد من مقالات أبراهيم عرفات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.