السادس من أغسطس كان موعدنا مع الفرحة. شعور جارف بالاعتزاز بقدرتنا على العمل والإنجاز رغم الظروف الصعبة التى نخوض فيها حربا حقيقية ضد قوى الظلام المدعومة خارجيا، والتى تستهدف تدمير بلادنا وتقطيع أوصالها. أتممنا حفر قناة السويس الجديدة فى الموعد، وفتحناها بالفعل للملاحة الدولية رغم أنف كل المشككين وكل الكارهين. حققنا هذا الإنجاز الضخم بالاعتماد على أموالنا وسواعد أبنائنا وبإدارة مصرية خالصة. الشركات الأجنبية التى تم الاستعانة بها عملت من الباطن لدى الشركات المصرية المنفذة للمشروع. يا سلام.. فعلا ما أحلاك يا مصرى وأنت على الدفة. القناة الجديدة تمثل أول خطوة ضمن مشروع قومى ضخم مطروح منذ عقود لتنمية منطقة قناة السويس، والتحول من التعامل بمنطق الكارتة الذى يكتفى بتحصيل الرسوم وتقديم بعض الخدمات الملاحية للسفن والناقلات العابرة إلى الانطلاق لتحقيق تنمية صناعية وتجارية وزراعية وخدمية وعمرانية، تقوم على التوظيف الكفء لكل الإمكانيات الطبيعية والقوى البشرية فى المنطقة المحيطة بهذا الموقع الجغرافى الفريد الذى يتوسط خريطة التجارة الدولية بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب. الخطوة الأولى فى المشروع جاءت عملاقة بكل المقاييس. صحيح أن مشروعات توسيع وتعميق المجرى الملاحى للقناة طوال تاريخها كانت تمثل دائما عملية مستمرة لمواكبة التطور فى حجم الناقلات الضخمة وحركة التجارة الدولية، إلا أن ما حققناه هذه المرة يمثل نقلة كيفية، حيث تم حفر امتداد جديد للقناة وتعميق الغاطس فى بعض أجزائها بما يحقق ازدواجية المرور الملاحى وتخفيض فترة الانتظار للسفن العابرة. المتخصصون يقولون إن القناة الجديدة تؤدى إلى مضاعفة حركة الملاحة وبالتالى مضاعفة الإيرادات من رسوم العبور. يتوقعون أن يرتفع متوسط تلك الإيرادات السنوية من نحو 5 مليارات دولار حاليا إلى ما يزيد على 13 مليار دولار فى عام 2023. التصريحات الرسمية تتوالى عن تدشين العمل فى مشروعات للخدمات الملاحية والتخزين وتطوير الموانئ، فضلا عن المشروعات الصناعية فى مدن القناة الرئيسية بورسعيد وبور توفيق والإسماعيلية. التاريخ يقول إن هذه المدن ظهرت إلى الوجود بعد إنشاء قناة السويس، والمنطق يجعلنا نتوقع إنشاء مناطق عمرانية ومدن جديدة، بما تعنيه من استثمارات ونشاط اقتصادى وفتح أبواب جديدة للرزق. تصريحات وزير الرى تؤكد أنه تم الانتهاء من إنجاز سحارة بطول 420 مترا أسفل قناة السويس الجديدة لنقل مياه النيل إلى سيناء واستخدامها فى استصلاح ورى 70 ألف فدان بدءا بمنطقة شرق السويس والبحيرات والإسماعيلية الجديدة. وتصريحات رئيس هيئة قناة السويس تبشر بالبدء فى حفر ستة أنفاق للربط بين سيناء ومدن القناة، ومد خطوط سكك حديدية فى اثنين من تلك الأنفاق، بما يمثل خطوة هامة للبدء فى تنفيذ مشروعات تنمية سيناء ضمن المشروع الكبير لتنمية منطقة قناة السويس. خطوط السكك الحديدية تشكل أولوية كبيرة فى ظل التوجه الحالى لاستخدام الفحم فى الصناعة كأحد سبل مواجهة النقص الحاد فى الغاز والمنتجات البترولية. المتخصصون فى الثروة المعدنية يقولون إنه كان لدينا منجم فحم كبير فى سيناء يوفر فرص عمل ضخمة لأبنائها، ولأسباب غير مفهومة تم إغلاقه. الحاجة إلى الوقود وتوافر الربط بخطوط السكك الحديدية قد تعيد الحياة إلى منجم الفحم وإلى الصناعات التى تعانى من نقص الطاقة. آمال عريضة بأن يكون إنشاء قناة السويس الجديدة نقطة البدء فى مشروع تنمية صناعية وزراعية وخدمية شاملة فى محافظات القناة وسيناء تقوم على استغلال كل الموارد الطبيعية والبشرية بالمنطقة، ومزايا الموقع الجغرافى على طريق التجارة العالمية، وتشكل القوة الدافعة للتنمية فى أقاليم مصر ككل. البعض يطرح تصورا لتنمية إقليم قناة السويس يركز على الخدمات الملاحية واللوجيستية، فى استنساخ لنموذج سنغافورة، ويتجاهل أن مصر ليست جزيرة صغيرة تفتقر إلى الموارد كى تقتصر على تقديم الخدمات. موقع القناة الفريد وموارد مصر الطبيعية والبشرية تتيح إمكانيات ضخمة لتنمية صناعية حقيقية تقوم على الإنتاج للتصدير جنبا إلى جنب مع إنتاج السلع اللازمة لإشباع احتياجات القاعدة العريضة من السكان فى السوق المحلية، ناهيك عن صناعة السفن وإصلاحها، بما يتطلبه كل ذلك من صناعات ثقيلة قادرة على توفير الآلات والمعدات وقطع الغيار للصناعات التى يتم إقامتها. التصريحات الرسمية تشير إلى أنه من المنتظر إصدار قانون ينظم الاستثمار فى إقليم قناة السويس، وفقا لأسلوب المناطق الاقتصادية الخاصة، على أساس أن هذا الأسلوب يضمن التغلب على قيود البيروقراطية وبطء الإجراءات، وهنا لابد أن نذكر بأن لدينا بالفعل قانونا للمناطق الاقتصادية الخاصة هو القانون رقم 83 لسنة 2002. المطلوب إذن هو تحديد أوجه القصور فى ذلك القانون والتعديلات المطلوبة لمواجهتها، دون الدخول فى دوامة إعداد قانون جديد. وأتصور أن من أهم التعديلات المطلوبة فى ذلك القانون المساواة فى المعاملة الضريبية بين المستثمرين. لا يعقل أن يكون الحد الأقصى للضريبة على أرباح المستثمر فى المنطقة الاقتصادية الخاصة 10% فى حين أنه يدفع 22.5% فى بقية أقاليم مصر. هل يوجد مستثمر عادى ومستثمر على رأسه ريشة؟ الموقع الجغرافى الفريد على طريق التجارة الدولية لا يحتاج لتسويق ولا يحتاج لرشوة ضريبية تفقدنا موارد هامة نحن فى أشد الحاجة إليها. لمزيد من مقالات د. سلوى العنترى