يقولون إن الإبداع رفيق الألم، فمن الألم والمعاناة ينظم الشعراء قصائدهم، ويسطر المبدعون مؤلفاتهم، ورغم أن مشروع وحفر وتأميم قناة السويس كان مليئا بالإبداع والألم، لكن المسلسلات التليفزيونية تعد أقل مجالات الفنون التي قدمت أعمالا درامية عن قناة السويس، فبالرغم من أنها تناولت عبر 55 عاما - هي عمر البث التليفزيوني الذي بدأ في عام 1960- الكثير من الموضوعات والقضايا والشخصيات الشهيرة، إلإ أنها لم تقترب من شاطئ القناة إلا في عدد محدود جدا يكاد يعد علي أصابع اليد الواحدة. والشىء الذي يحيرني ويحير غيري أن الدراما هي الأكثر قربا من الجمهور، والأكثر تأثيرا أيضا في فعلها الحالي، بل إنها الأكثر في عدد الساعات المهدرة في كم من أعمال تتميز بالإستخفاف والسطحية، وكان الأجدر أن ينتبه القائمين عليها خاصة من جانب التليفزيون الرسمي، ويقدموا دراما تجسد التضحيات ومراحل الكفاح التي مرت بها قناة السويس، بدلا من تقديم "رغاوي الصابون"لا تغني ولا تسمن من جوع! لكن يبدو أن الأمر كان مقصودا طوال العقود الثلاثة التي تولي فيها زمام الأمور الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث كان المسئولون عن الثقافة والإعلام يتفنون في إبعاد الأعمال الجادة الهادفة وقضايا المهمشين من العمال والفلاحين والجياع، وتقديم كل ما هو سطحي وتافه لتغييب وعي الأجيال الجديدة. ليالي الحلمية وتاريخ مصر المعاصر كان أول الأعمال التي تناولت كفاح الفدائيين أثناء العدوان الثلاثي علي مصر مسلسل " ليالي الحلمية" خاصة في جزءيه الثاني والثالث، حيث تناول العمل ككل تاريخ مصر الحديث من عصر الملك فاروق وحتي مطلع التسعينات علي مدي خمسة أجزاء، من إخراج إسماعيل عبدالحافظ، وتناول الجزء الثالث تحديدا والذي عرض عام 1989 في بعض الحلقات أحداث القنال، والمقاومة الشعبية والعدوان الثلاثي علي مصر، كما قدم أيضا العديد من المراحل الزاخرة بالمواقف والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الكبري التي مرت بمصر، بداية من حرب 1956 مرورا بالنكسة ووصولا لحرب الإستنزاف ورحيل عبدالناصر، وحتي نصر أكتوبر 1973. "ليالي الحلمية " قصة وسيناريو وحوار أسامة أنور عكاشة، وبطولة يحيي الفخراني، صفية العمري، صلاح السعدني، ممدوح عبدالعليم، هشام سليم، أثار الحكيم، محسنة توفيق، سيد عبدالكريم، سهير المرشدي، وحسن يوسف، وغيرهم من النجوم.
بوابة الحلواني الأكثر نضجا وإكتمالا يعتبر مسلسل " بوابة الحلواني" الذي عرض الجزء الأول منه عام 1992 هو العمل الفني المصري الوحيد الذي تحدث بعمق ونضج ومهنية عن كل ما يتعلق بمشروع حفر قناة السويس، وتناول تاريخ مصر من خلال خطين دراميين، الأول يتناول فترة حكم إسماعيل باشا، وجسد دوره الفنان الراحل محمد وفيق، والخط الدرامي الثاني تناول الحياة اليومية للمصريين من خلال عائلة الحلواني التي عاشت في قرية "فرما" التي أصبحت مدينة بورسعيد بعد حفر قناة السويس، وما يطرأ علي حياة هذه الأسرة وباقي أهالي المنطقة بسبب الاستيلاء علي أراضيهم لحفر القناة ، وأيضا إجبار أولادهم للعمل في ما كان يسمي ب (السخرة) لحفر القناة ، كما تناول المسلسل حياة القصور في عهد الخديوي إسماعيل الذي افتتحت قناة السويس في عهده. وينقل المسلسل صورة شبيهة بالواقع ليوميات المجتمع المصري، خلال بدايات القرن، بما في ذلك تداخل الطموحات السياسية والاقتصادية للأفراد، وكذا الصراعات القائمة من أجل إقصاء الآخر والاستفراد بالهيبة والسلطة، وعلي الجانب الآخر يعرض قصة حياة وحب كل من "عبده الحامولي والمظ" اللذين آداهما المطربان علي الحجار وشيرين وجدي . المسلسل تأليف الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن، وإخراج إبراهيم الصحن، وقام ببطولته مجموعة كبيرة من النجوم في أجزائه الثلاثة، فقد كانت البطولة في الجزء الأول للفنان الراحل عبد الله غيث، وسميرة عبدالعزيز، وخالد النبوي، ومحمد وفيق، وسمية الألفي، ونجاح الموجي، أما الجزء الثاني فقد تغيرت البطولة بسبب وفاة الممثل عبد الله غيث وقام بأداء دوره شقيقه الممثل حمدي غيث، و شارك في المسلسل أيضا صلاح قابيل، وإيمان الطوخي، وعزت العلايلي الذي أدي دور أحمد عرابي، الذي قام بثورة ضد الاحتلال الإنجليزي في مصر و الوجود الفرنسي في السويس. وبعد الحديث عن مرحلة حفر وافتتاح قناة السويس تنتقل الأحداث في الجزء الثاني والثالث إلي القاهرة و التغيرات التي دخلت البيوت المصرية التي بدأت لديها بوادر التمرد علي الاحتلال والإلهام الذي تمثل في شخصية القائد المصري سعد زغلول.
"قصة مدينة" الوحيد والمظلوم عن قناة السويس يحسب لفترة الكاتب والسيناريست الراحل ممدوح الليثي عندما كان رئيسا لقطاع الإنتاج في التليفزيون المصري، تقديمه لمجموعة مهمة من الأعمال الدرامية التي ما زالت محفورة في وجدان المصريين حتي الآن، من أهم هذه الأعمال مسلسل "قصة مدينة" تأليف الكاتب والسيناريست الكبير محمد أبوالعلا السلاموني، وإخراج أحمد خضر، وبطولة نبيل الحلفاوي، سهير المرشدي، فاطمة التابعي، رياض الخولي، تهاني راشد، أحمد ماهر، وغيرهم من الفنانين. تأتي أهمية هذا المسلسل في أنه العمل الوحيد المتكامل الذي عرض عام 1995 ، حيث تركزت أحداث حلقاته كلها عن قناة السويس ، وتدور في الفترة من 1858 وحتي 1870 ، ومن ضمنها بداية نشأة مدينة بورسعيد نفسها، وارتباطها بحفر قناة السويس من خلال العمال الذين حضروا لحفر القناة فاستوطنوا المدينة، من خلال قصة حب بسيطة بين واحد من جنود محمد علي لعب دوره نبيل الحلفاوي، فاقد الذاكرة وحضر إلي سيناء، ووقع في حب بنت بدوية " فاطمة التابعي"، لكن أهل البنت يحاولون إرغامها علي الزواج من آخر، لكنها تترك سيناء مع حبيبها، ويعيشون علي شاطئ بحيرة المنزلة، وعندما يتم بدء حفر قناة السويس يشارك في حفرها مع أولاده، وتدور باقي الأحداث، ورغم أهمية المسلسل إلا أنه لايذاع علي الإطلاق، رغم أنه العمل الوحيد الكامل الذي يتحدث عن حفر القناة.
سرايا عابدين .. تشويه متعمد للتاريخ كان آخر الأعمال التي دارت حول قناة السويس مسلسل " سرايا عابدين" تأليف الكاتبة الكويتية هبة مشاري حمادة، إخراج عمرو عرفة، ويحكي المسلسل حياة الخديوي إسماعيل بعد تسلمه العرش وحياته الاجتماعية بشكل مغلوط ومزور للتاريخ، ويعتبر العمل صورة مشوهة من المسلسل التركي "حريم السلطان"، لكن ما يهمنا هنا أنه تناول في الحلقة 19 من الجزء الثاني لحقبة تاريخية هي الأهم في تاريخ مصر، وهي فترة حفر قناة السويس وما صاحبها من انتهاك لإنسانية بسطاء الفلاحين المصريين الذين تم القبض عليهم بطريقة وحشية، ومن ثم تسخيرهم للعمل في حفر قناة السويس في ظروف غير آدمية. لكن الخديوى إسماعيل أعلن رفضه بكل قوة لحصاد مشروع قناة السويس لأرواح المصريين في لقائه مع "فرديناند ديلسبس" الدبلوماسي الفرنسي وصاحب مشروع حفر القناة التي ربطت البحرين المتوسط والأحمر. وقام زعيم المحروسة الخديوي إسماعيل بإبلاغ علي باشا و إسماعيل المفتش بإلغائه تماما لنظام السخرة ورفضه لانتهاك حقوق المصريين في الحياة الكريمة، وتتوالي الأحداث والمغامرات في دهاليز عالم النساء داخل سرايا عابدين، ويواصل الخديو إسماعيل تحديه لكل المؤامرات التي تحاك حوله من أجل إسقاطه من فوق عرش المحروسة. المسلسل من بطولة قصي خولي، ويسرا، ونيللي كريم، وغادة عادل، ومي كساب، وداليا مصطفي، وسوسن أرشيد، وكارمن لبس.