مصر التي تجلس في عليائها ، منذ بدايات الِحقبْ. عزيزةً في أهلها ، غنيةً بفضلها ، تضمِّد الجروح في إبائها ، وترفع الصروح في بهائها ، وتلهم الدفاع عن حيازة العربْ . .... مصر حبيبة السماءْ . كنانة الله التي كرَّمها بالذكرِ ، في متن الكتبْ. وبالرباط خصَّ جندها عند النداءْ . فانطلقت من بابها الراياتُ ، والفرسانُ ، تنقذ المقدساتِ في الكُرَبْ . .... مصرُ حبيبة العربْ . سماؤها صَحْوٌ ، وبحرها رخوٌ ، وأرضها مهبط خطو الأنبياءْ . ونيلها يحضن - فى التفافه على الثرى - ، رفات الصالحينْ . والشهداءَ الطاهرينْ . والأولياء الراقدين في أديمها ، تحت الظلال ، والهضاب ، والقُبَبْ . .... مصرُ إرادة السماءْ . والقدر النافذ في هبَّتِها ، ورمية القضاءْ . علامة على مشيئة المولى ، بأنَّ من أرادها بالسوءِ ، خاب سعيه ، وباء بالغضبْ . .... وأنَّ مَنْ حاول أن يخدشها ، أو انّ مَنْ طاول كى يهبشها ، أو أَنْ ينال من بهاء وجهها ، باء بسوء المنقلبْ . .... مصر حبيبة السماءْ . كِنانة الله التي ، ليست تهزها الخطوبُ ، أو ترجُّها الكروبُ ، أو ترجفها الزلازل الكبار ، والنّوَبْ . فضلاً عن الصغار يلعبون باللهيبِ والحطبْ . .... مصر التي تقضُّ مضجع المناوئينَ ، والمخرّبينَ ، والمسجلين عندها بأنهم بلا أدبْ . من أممٍ ، شعوبها مغلوبةٌ ، ودولٍ ، حكامها خشبْ . .... مصر الديانات التي تلاحقتْ ، وأنجبت سماحة الأبناءْ . ومفرداتُ الأرض فى اتصالها ، بلهجة السماءْ . .... منارة الأزهر في يمينها ، وقلعة الناصر في جبينها ، تُضيء من فوق التلولْ . والجامع المنحوت من حجارة الفسطاطِ ، يرتقي مجاوراً كنيسة البتولْ . لتلتقي العمائم البيضاءُ ، بالعمائم السوداءِ فوق حجرها ، ويصعد " التكبير " و " الرنين " فوق كوخها ، وقصرها ، وينتشي المكان بالخشوع ، والطرَبْ . مصر نهاية الأربْ . .... مصر الحضارة التي تغالب الفناءْ . ونيلها الإشارة التي ، تفكُّ شفرةَ الخلود والبقاءْ . ويستحيل فضُّها ، وأرضُها ، " بدائع الزهور في وقائع الدهورْ " . وذبذبات طميها ، تُناغِمُ الأناملَ التي تداعبُ الصخورْ . فينبض الجماد من مهارة اللمسِ ، وتنطق الجبالُ ، والهَضَبْ . مصر الحجارة التي تجري بها العروقُ ، والدماء والعَصَبْ . .... الهرم الأكبر في رحابها ، مرتفعٌ إلى غياهب السماءْ . والأسد الرابض في هضابها ، مُتجهٌ بوجهه للشرق في سيناءْ . يحرسها من غيلة الأعداءْ . وليس هذا كائناً إلا على ترابها ، مصر السلام ، والأمان ، والغلب . .... مصر حبيبة المتيَّمِينَ في هواها ، العازفين عن سواها ، الخاشعين سُجَّداً لله عند نهرها ، الواقفين حرساً لسهلها ، ووعرها ، العالقين في شِبَاكِ حبها ، المهرولين نحو مجدها ، من كل صوبٍ ، وحَدَبْ . .... مصر حبيبة المنافحين عن رُباها ، الساهرين أنجماً تذود عن حماها ، العارفين قدرها ، من شعراءَ عاشقينَ ، علماءَ فاهمينَ ، فقراءَ صابرينَ ، أغنياءَ صاعدينَ درجَ الهناءْ . أو هالكين سالكين درك البلوى ، وساحة الرجاءْ . فكلهم في حبها سواءْ . وكلهم في عشقها بلا سبَبْ . .... بالأمس كان حزنهم وحزنها . فلذاتها تناثرت أشلاؤهم أمامها ، في رمية رقطاءْ . بين يديها سقطوا ، مضرَّجين بالدماء . كانوا قبيل موتهم مُبتسمينَ ، فوق صدرِها ، مبتهلين حول خصرِها ، مُشتملينَ بالصيامِ والدعاءْ . كانوا يرصِّعون تاجها ، بجوهر الحب وخرز العطاءْ . ويلبسونها من الحرير ، والقطيفِ ، والقصبْ . ويمسحون شعرها الطويلَ ، بامتداد نهر النيلِ ، من بداية الشلال في الجنوبِ ، حتى ساحل الشمالِ في المصبّْ . فابتسمت راضيةً ، تستقبل الشمس على أكتافها ، وتعقد اللواءْ . .... أبناؤها بين يديها ، سقطوا مضرَّجين بالدماءْ . قبيل عرسها . فحملتهم بين صدرها ونحرها ، وشيَّعتهم للثرى ، بين الهتافِ ، والوعيدِ ، والصَّخبْ . ووقفت صامتةً قبالة المشيِّعين ، تومئ الرأسَ ، ولا تمدُّ كفّها لتقبل العزاءْ . حتى يحول قلبها من وقدةِ الأسى ، إلى توهج الغضبْ . .... الآن مصر تقبل العزاءْ . وتمنح الإذن لمجرى الماء أن يمرَّ ، عبر أرضها ، لينهل الجميع من نميرِها ، وتعبر البوارج الكبرى على غديرها ، آمنةً من الرَّهَبْ . تحت اللواء ، والضياء ، واللهبْ . مصر القيامة التي تتم من قبل النشورْ . والقسم المضموم في الأكفِ ، يقرع الصدورْ . بأننا لها فداءْ . وكلنا رهن الطلبْ . حبيبتي يامصر ياأميرة الشرق ، وياسيدة العربْ .