كنت أعرفه شابا ممتلئا بالحيوية والنشاط ولكن كان فى خلقه بعض الغرور والميل الى الاستعلاء على من حوله باعدت بيننا الايام ثم التقيت به بعد عشرين عاما فى المسجد النبوى بالمدينةالمنورة حينما كنت استاذا مشاركا بجامعتها الاسلامية. لم اتعرف عليه الابصعوبة لانى رأيته قد صار شيخا كبيرا يلبس جلبابا من الصوف وقد اطلق لحية طالت حتى تكاد تصل الى منتصف بطنه بعد الملابس الانيقة والوجه الناضر الذى كان عليه فى شبابه وقد امتلأجسمه فأصبح بطيء الحركة بعدالاندفاع الذى كان من اظهر سماته ولولا انه هوالذى نادى على وذكرنى باسمه ماعرفته سألته عن حاله فاخبرنى انه يقيم بالمدينةالمنورة بغيرعمل تحت رعاية كفيل طيب ولكنه ينتظر أمرا مهما قلت:ماهو ؟! قال بعد ان اختلى بى جانبا:انتظرالمهدى!! تظاهرت بعدم الفهم؛وسألته:أى مهدي؟!قال:المهدى المنتظر الذى جاءت بعلاماته الاحاديث «ثم أردف مخلصا لى النصيحة» مهما ابتعدت بك الحياة عن هذه المدينة او تقلبت فى البلاد يجب ان تعود لتقيم بالمدينة وتنتظر المهدى». لم أتمالك نفسى من الضحك وغلب على الميل الى السخرية لاالمناقشة فقلت بعض العبارات المتهكمة التى شعرت انهاآذت الرجل فى معتقداته فاعتذرت اليه وقلت له:«لاتغضب فاننى امازحك». انتهى الحوار بيننا عند هذا الحد ونفى الرجل بعد اشهر قلائل اما انا فقد ظل الحوار متصلا فى نفسى فتأثير هذه المعتقدات تأثير خطير واذا كانت حالة صاحبنا هذا حالة مسالمة فهذه الاخبار كانت وراءنزاعات كثيرة اشتعلت بين المسلمين ولاتزال تشتعل وبسببها ظهرت فرق عديدة وانقسمت الشيعة الى فرق والسنة الى فرق وعليها اليوم تعتمد الحركات الارهابية اعتمادا وجدانيا كبيرالأنهم يؤمنون بصحتها حتى ظنوا أنها من المعلوم من الدين بالضرورة فيكفرون من ينكرها او يعدونه من الفاسقين مثل هذه الافكار تقبع فى عقول كثير من الشباب الذين استمالتهم الجماعات فألهبت خيالهم بتلك القصص والوعود فى مرحلة المراهقة فانعقدت عليها نفوسهم وقد رأيت من الاطباء والمهندسين والعلميين من يعتنقونها ويدافعون عنها دفاع المستميت ولايفكرون بأدنى خاطر فى نقدها بالمنطق والمنهج العلمى فهم كما قال الكتور زكى نجيب محمود:يعيشون بشخصيتين مختلفتين وعقلين متناقضين فلا يعرفون التفكير العلمى الا وهم امام الانابيق فى المختبرات فاذا غادروها طرحوا العقل العلمى جانبا وعاشوا فى حياتهم العادية بالعقل البدائى الذى يجد غذاءه فى الاساطير والأوهام. هذه الاوهام تدفع اصحاب تلك التيارات المنحرفة الى ارتكاب الجرائم فى حق الانسانية وفى حق الوطن وهم فى حاة من ارتياح الضمير معتقدين ان مايفعلونه تمهيد لظهور المهدى بل ربما تمادى بعضهم فادعى انه هو المهدى ولاتبعد عن ذاكرتنا فتنة الحرم المكى التى تزعمها فتى من قحطان يقال له الجهبمان فى أوائل الثمانينات من القرن الماضى حين تسبب هذا المهدى الاحمق فى أسالة! دماء المصلين من الحجاج والائمة على أرض الحرم الأمن وعلى جدران الكعبة المشرفة. ومقاتلو داعش والقاعدة يرفعون الرايات السود لاعتقادهم ان اصحابها هم انصار المهدى كما دلت النصوص التى يرددونها وجميعهم تتلبسهم تلك الحالة التى ينفصل صاحبها عن الواقع مثل دون كيشوت فى رواية «سير فانتيس». والشيعة الامامية من اركان الاسلام عندهم الامامة ولذلك نسبوا اليها وهم ينصبون على اماما معينا ولد فى أيام اضطهاد العباسيين لهم وانه حى خالد يعيش فى سرداب بسامراء وقد اوشك زمان فرجه ولاحت أيات ظهوره. ومن المعروف ان عقيدة البطل المخلص تسود عند الجماعات والشعوب المهزومة فلا تجد متنفسا لازماتها النفسية الافى تلك المعتقدات التى تخيل لها قرب الامل فى الخروج من الذلة والمسكنة الى العزة والسيطرة على يد بطل مؤيدبالقوى الغيبية فلا تصيبه هزيمة او انكسار بل يمضى من نصر الى نصر على الدوام والحكماء من العلماء يقولون:»سواء أصحت تلك الاحاديث أم لم تصح فان الله لايتعبدنا بانتظار النبوءات با يتعبدنا باداء ما ارشدنا اليه من العمل الصالح ويردون على قول الذين يصفون هذه الاحاديث بالتواتر الذى يسمونه تواترا معنويا لأقتربوا بهذه القصص الخيالية من المعتقدات الاساسية بان هذه الاحاديث صحيحها غير صريح وصريحها غير صحيح. والدين فى منهجه العام يحث كل فرد منا على ان يكون مهديا فى ذاته ملتزما بالصراط المستقيم والالتزام بالعدل وحب الأحسان والتخلق بالرحمة والايثارولايطلب منا ان ننتظر المهدى اوالمسيح ابن مريم ليخلصنا من الشرور وينتشلنا من الضعف والانهزام. نظرة الاسلام الى المستقبل نظرةتفاؤل فهو يدعونا الى ان نعمل بانفسنامعتمدين على العلم والمعرفة لاعلى الخرافات والاوهام. لمزيد من مقالات د. محمد فايد هيكل