تنتابني منذ فترة ليست بالقريبة هواجس ترفض افلام العنف والرعب والحركة الامريكية، ذلك الرفض لم ينشأ لدي لمجرد عدم استطاعتي تقبل العنف، سواء بسبب انني تربيت اصلا علي كلاسيكيات السينما العالمية والمحلية، ولكن لشعور دفين ربما كان غير حقيقي بأن هناك محاولة ما من صناع هذه الافلام لنشر ثقافة العنف و ليس فقط بغرض الربح عن طريق للعب علي أوتار العنف الذي قد يكون كامنا لدي بعض الاشخاص. والحقيقة ان المتابع لتطورات الاحداث في المنطقة العربية يستطيع ببساطة وبسهولة ان يرصد تطور سلوكيات العنف لدي قطاعات عريضة من الناس مع انتشار هذه النوعية من الأفلام، تلك التي اصبحت من اكثر الافلام تحقيقا لإيرادات الشباك، الأمر الذى ساعد علي ظهور ما يحلو لي ان اطلق عليه، أفلام اللحم المفروم، هذا المصطلح الذي اشير به الي هذا الكم من طحن اللحم والعظام في مشاهده المنقولة وبلا اي ابداع او ثقافة من افلام غربية، قد يصل النقل منها احيانا إلي حد التطابق بلا اي شعور بالعجز عن الابداع ولا حتي بالخجل من ذلك.
هناك العديد من النظريات التي قد تفسر ظاهرة العنف الاجتماعي، لكن واحدة منها تؤكد علي ما سردته سابقا حول العنف بالتعلم، تلك النظرية هي نظرية التعلم الاجتماعى، والذى كان أول من تحدث عنها هو عالم النفس جابريل تارد، حيث يرى أصحاب هذه النظرية، أن السلوك الاجرامى والعنف سلوك مكتسب عن طريق التعلم، ومن خلال التفاعل الاجتماعى ، وهو يتم بنفس الطريقة التى يتعلم بها الناس أى نمط آخر من أنماط السلوك الاجتماعى، و تهتم هذه النظرية بالسياق النفسى الاجتماعى للإنسان وبالمتغيرات التى أدت الى استخدامه للعنف، وبالتعبير عن ذاته والتصدى للإعاقات التى تحول دون تحقيق رغباته، ومن أهم هذه الإعاقات الشعور بالفوارق الطبقية بالغة الحدة التى تعوق تحقيق الفرد لهدفه، لاحظ ديكورات الاعمال التي تتسم بالبذخ المفرط وتاثيره علي اعداد هائلة من الشباب الذي يعاني من البطالة، وفي افضل الاحوال من ضيق ذات اليد، ذلك الشباب الذي قد ينزع للعنف كرد فعل لشعوره بهذا القدر من ضيق ذات اليد و القهر و الاحباط. توسع عالم النفس الكندي البرت باندورا في نظرية التعلم، وأضاف أن الأطفال يكتسبون نماذج السلوكيات التى تتسم بالعنف من خلال ملاحظة سلوك العنف لدي لكبار،مما يعنى أن الأطفال يتعلمون أعمال العنف عن طريق تقليد سلوك الكبار، وأن الجماعة تؤثر تأثيراً كبيراً فى اكتساب السلوك العنيف عن طريق تقديم النماذج العنيفة للأطفال فيقلدونها، ما يشرحه باندورا يمكن بسهوله ملاحظته فى الشوارع حيث انتشرت ظاهرة عنف الأطفال ونزوعهم للتحرش الجنسي. لم يعد من الممكن ان نغفل هذا الامر دون دراسته، ولا حتي بدعوي حرية الفن والابداع، إذ ان حجم التدمير النفسي الذي تحدثه هذه الافلام للأطفال او حتي الكبار بحيث تدفعهم وبكل بساطة إلي استساغة واستسهال العنف كوسيلة لحل الخلافات، أو حتى كسلوك عادى يومي أصبحت امرا لا يمكن غض البصر عنه. يمكن ان يرفض الناس نظرية حروب الجيل الرابع عن طريق منصات الإعلام الإجتماعى ، ويمكنهم ايضا ان يرفضوا تلك الفكرة عن حروب البعد السابع كما يحلوا لهم، لكن حتي لو كانت تلك الفكرة مجرد خيال بعيد عن الحقيقة خطر علي بال كاتب هذا المقال من قبيل الهلوسة والشعور بالخطر مما يحوم حول المنطقة العربية من أحداث ومحاولات للتفتيت، إلا انه رغم ذلك ينبغي ان ننظر وبقدر من الاهتمام إلي هذا العنف الموجه عن طريق السينما، ذلك العنف الذي بات يهدد مجتمعاتنا التى كانت مسالمة فى الأصل بعد أن انتشر فيها العنف قبل ان يفوت الأوان... [email protected] لمزيد من مقالات أحمد محمود