رغم مضى 63 عاما على قيام ثورة 23 يوليو إلا أنها لا تزال موضع نقاش فهناك من يحملها سلبيات نظام مبارك وهناك من يرى أنها مرحلة متقدمة من الثورة المصرية استطاعت أن تنتقل بالمجتمع المصرى نحو آفاق أوسع بكثير مما كانت تطرحه الحركة الوطنية قبل قيام الثورة وتتأكد صحة هذا الرأى من المقارنة بين ما كانت عليه مصر فى الأربعينيات وما صارت عليه فى أوائل السبعينيات عند رحيل جمال عبدالناصر حيث يمكن القول أن ثورة يوليو إنتهت مع إنفراد أنور السادات بالسلطة فى مايو 1971 فقد إنقلب على كل سياسات الثورة فى الداخل و الخارج فهو الذى فتح الباب أمام عودة الرأسمالية بديلا عن سياسة العدالة الإجتماعية التى كانت محورا أساسيا لثورة 23 يوليو وتوقف عن سياسة تصنيع البلاد لتبدأ سياسة الانفتاح الاقتصادى التى كانت فى جوهرها عودة إلى اقتصاد السوق مع فتح باب الاستيراد على مصراعيه بكل ما ترتب على ذلك من نتائج كما أنه بدل تحالفات مصر الدولية والتى تميزت بعلاقات تعاون مثمر مع الإتحاد السوفيتى وتحالف واسع مع دول العالم الثالث من خلال حركة عدم الانحياز التى كانت فى جوهرها ضد الاستعمار والإمبريالية وبديلا عن ذلك اتجه أنور السادات إلى الاعتماد على الولاياتالمتحدةالأمريكية بحجة انها تملك 99% من اوراق اللعبة وكانت نتيجة هذا الاعتماد ان اصبحت مصر تابعة للولايات المتحدةالامريكية سواء فى ما يتصل بالسلاح او المعونات الاقتصادية او المشكلة الفلسطينية. ولم يكتف انور السادات بذلك بل ساهم فى تفكيك التضامن العربى الذى كانت مصر بقيادة جمال عبد الناصر تعززه بكل قوة. لهذا كله فاننا عندما نتناول ثورة 23 يوليو فاننا نعنى بذلك الفترة من 1952 الى 1970 وهى الفترة التى كانت مصر فيها تحت قيادة عبد الناصر وكما اسلفنا فان السادات وتبعه مبارك كان يمثل الثورة المضادة. ويمكن القول ان مصر خلال ال18 عاما الاولى من عمر الثورة قد نجحت فى تغيير التركيب الطبقى للمجتمع المصرى عندما طبقت الاصلاح الزراعى حيث قامت بتوزيع مساحات كبيرة من الارض الزراعية التى كان يملكها الاقطاعيون على فقراء الفلاحين من المستأجرين والعمال الزراعيين وكان مطلب الاصلاح الزراعى يتردد طوال فترة الاربعينات ادراكا من الداعين له ان ملكية كبار الملاك لمساحات واسعة من الاراضى الزراعية قد حرم الفلاحين من ان تتوفر لهم قدرة شرائية للمنتجات الصناعية لان كبار الملاك كانوا يستنزفون الفلاحين ولا يتركون لهم فائضا يذكر ونتيجة لذلك لم تكن مصر قادرة على التوسع فى التصنيع حيث لا يوجد قدرة شرائية كافية فى المجتمع وكان للاصلاح الزراعى اكبر الاثر فى زيادة القدرة الشرائية للفلاحين اللذين كانوا يمثلون 4/5 من جملة السكان مما ساعد قيادة الثورة على تنفيذ برنامج طموح للتصنيع سواء من خلال مجلس الانتاج او برنامج الثلاث سنوات للتصنيع (1957-1960) وكذلك الخطة الخمسية الاولى للتنمية (1960/1965) وانتشرت المصانع الجديدة فى مختلف انحاء البلاد واصبح السوق المصرى قادرا على استيعاب منتجاتها فضلا عن تصفية الرأسمالية الاجنبية فى مصر فى السنوات الاولى للثورة ومن خلال التصنيع فتحت افاق واسعة امام الايدى العاملة فتشكلت طبقة عمالية حديثة يصل عددها الى ما يقارب المليون عامل وفنى . وكان لهذا التطور الاقتصادى الاجتماعى اثره فى تشجيع الثورة على التوسع فى التعليم وجعله مجانيا فى كل مراحله ففتح الباب امام ابناء العمال والفلاحين والفئات الفقيرة للوصول الى اعلى الدرجات العلمية. وهكذا نرى ان الثورة من خلال هذه السياسات نجحت فى الانتقال بالمجتمع المصرى الى افاق اوسع نحو النمو الاقتصادى والاجتماعى من خلال هذا العرض الوجيز للغاية نستطيع ان نفهم جوهر التغيير الذى احدثته الثورة فى سنواتها الاولى حيث كان المجتمع المصرى فى الاربعينات يتسم بانه مجتمع راكد ومتخلف وبدلا من ذلك اصبحت مصر مجتمعا ناميا ومتطورا وقد ساعد على ذلك ان سياسات الثورة هذه قد قامت بتصفية الفئات الاجتماعية المتحكمة فى الاقتصاد المصرى والمتسببة فى ركوده وتخلفه وهى كبار ملاك الاراضى الاقطاعيين والرأسمالية الاجنبية والرأسمالية المصرية الاحتكارية والتى حل محلها ثلاث فئات جديدة هى فلاحو الاصلاح الزراعى وعمال القطاع العام والمتعلمون من ابناء العمال والفلاحين وكان لهذا التطور الاجتماعى اثر كبير فى تكوين تحالف شعبى بين هذه الفئات الجديدة التى كانت بمثابة القوة الضاربة لنمو الاقتصاد وتطور المجتمع الذى احبطه انور السادات بسياساته الجديدة التى اشرنا اليها من قبل. والتى نتج عنها وعن امتداداتها فى عهد مبارك مشاكل عديدة تراكمت خلال عشرات السنين الى ان تحرك الشعب المصرى فى 25 يناير 2011 مطالبا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعة والكرامة الانسانية حيث كانت هذه المطالب تعبيرا عن وعى الشعب المصرى ان الانحراف عن سياسات الثورة هو الذى خلق العديد من المشاكل وليس كما يزعم البعض ان الشعب المصرى خرج فى يناير ضد سياسات ثورة 23 يوليو. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر