مازالت بردة البوصيرى تحمل من الأسرار والنفحات الروحانية ما يُسكنها قلوب المسلمين فى شتى بقاع العالم، فتلك القصيدة التى نظمها محمد بن سعيد البوصيرى فى مدح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم - خلال القرن السابع الهجرى - لتكون شفيعا له ليشفيه الله تعالى من مرض الفالج أو الشلل النصفى، باتت معجزة إلهية يتغنى بها كثير من المسلمين كل ليلة جمعة، بل ويقيمون لها ليال عُرفت باسم مجالس البردة الشريفة والصلاة على النبى.. القصيدة تجاوزت كل العصور وصارت ملجأ لكثير من الفنانين، يتغنون بها وينشدونها تقربا إلى الله ونبينا الكريم، وهو ما فعله طلاب الدفعتين الثانية والثالثة بمركز الإبداع الفنى بإخراج خالد جلال. حركة مسرحية متداخلة ومتناغمة رسمها المخرج خالد جلال لأبطال عرضه لتتحول القصيدة من نظم شعرى عذب إلى حالة مسرحية غنائية تبارت فيها أصوات كل من رباب ناجى، وماهر إسماعيل، وألحان المهدى، وشادى عبدالسلام، ومحمد رمضان، وحمدى التايه، ونديم هشام، وميادة عمرو وغيرهم.. تباروا فى إبداع ما تناوله البوصيرى فى قصيدته بإلقاء رصين ومتقن للغاية دربتهم عليه د. نجاة على، وبألحان المايسترو عماد الرشيدى، وبأداء مسرحى تعلوه الروحانية بلغ ذروته فى مشهد تطلعهم إلى السماء وإلقائهم أبيات القصيدة والابتسامة تعلو وجوههم، وكأنهم تلمسوا رضا الله تعالى فى اشعة الليل الزرقاء. وسبب تسمية القصيدة بالبردة هو نسبها إلى بردة النبى صلى الله عليه وسلم التى رأى البوصيرى فى منامه أن النبى صلى الله عليه وسلم يلقيها عليه فقام من نومه ليفاجأ بأن الله تعالى شفاه من مرضه السقيم بسبب شفاعة النبى له بعد أن كان قد كرر إنشاد القصيدة وزاد فى التوسل بها إلى الله قبل نومه، ومنذ هذا اليوم صارت البردة دواء الفقراء من كل داء عضوى كان أو اخلاقى أو نفسى لما فيها من ذكر لأخلاق النبى وفضله.ورغم بساطة العرض إلا أنك تجد نفسك هائما بين رنين الكلمات وعذوبتها من جهة وبين أصوات المؤدين المتنوعة التى اختارها المخرج بدقة لتعكس حالات شعورية مختلفة فى القصيدة فكان منهم من يلقى الأبيات شعرا بما يتلاءم مع صوته ومنهم من يتغنى بها فتذوب معه عشقا فى مديح سيد الأنام وأخلاقه الكريمة خاصة وأن القصيدة تحمل كثيرا من قيم النبى فى تعاملاته الإنسانية والتى تجسد قارب نجاة للبشرية فإن اتبعوها فى حياتهم قادتهم إلى بر الأمان. صدقت أيها البوصيرى، فما أروع التقرب إلى الله والتشفع بالنبى الكريم محمد خاتم المرسلين، وما أجمل أن نرى شبابا يؤدون البردة بهذا الأداء الصادق العذب، لقصيدة تكمن عظمتها فى أنها تناسب كل زمان ومكان.