يقع تعبير اقتصاد السوق الحرة وقع السحر علي آذان الكثيرين في مصر, آملين أن يكون طريقا مجربا إلي تنمية اقتصادية تحقق الرخاء, وتقضي علي البطالة والفقر. ومصر مثل كثير من البلاد النامية يتدهور وضعها في الاقتصاد العالمي. ويأمل هؤلاء أن يكون اقتصاد السوق الحرة مخرجا من الضائقة, وسبيلا إلي اللحاق بقمم العالم التي تسير فيه. ولكن هناك مفكرين اقتصاديين آخرين يرفضون هذا الطريق ويعتبرونه طريقا مسدودا أمام تنمية البلاد النامية. فالسلع التي ينبغي علي هذه البلاد أن تستوردها من البلاد الصناعية, أي السلع الوسيطة أو الاستثمارية من آلات ومعدات نقل ومكونات رأس المال الثابت, وكذلك أسعار الخدمات الدولية من نقل بحري وجوي وتأمين ترتفع أسعارها, علي حين تتدهور أسعار صادرات الدول النامية نتيجة لموجات الكساد التي تؤدي لي انخفاض الطلب العالمي عليها. لذلك تدهورت العلاقة النسبية بين أسعار الصادرات والواردات في غير صالح البلاد النامية, وظهر ذلك واضحا في تفاقم عجز الميزان التجاري لديها. فالسوق المدعية أنها حرة تعاني من تجارة خارجية غير متكافئة لصالح البلاد الصناعية. ومصر مثل البلاد النامية تتحمل في وارداتها عبء التجارة المفتوحة الأبواب علي حين تستبعدها السياسة الحمائية للبلاد المتطورة بواسطة اتفاقية حقوق الملكية الفكرية. فملكية معظم حقوق براءات الاختراع ترجع إلي هذه البلاد المتطورة. وتفرض هذه الاتفاقية غرامات باهظة علي أي من البلاد النامية يحاول الإفادة من المكتشفات الطبية والعلمية الجديدة فإنتاجها وتسويقها محتكر ان للبلاد المتطورة بأسعار شديدة الغلو. وعلي العكس من ذلك فإنه في صالح مصر والبلاد النامية عموما أن يكون تحرير صادراتها إلي الخارج هو الذي يسبق تحرير ماتستورده. ونجد في الواقع أن حرية السوق العالمية مقيدة بواسطة الدول الصناعية التي تغلق في وجه بضائع الدول النامية الأبواب علي حين تعمل جاهدة علي زيادة صادراتها إليه, فثمة بروز لنزعة حمائية ضد صادرات البلاد النامية وبالذات الجمركية عليها. كما عانت البلاد النامية من تخلي الولاياتالمتحدة عن قابلية تحويل الدولار إلي ذهب في أغسطس1791 وما أدي إليه ذلك التخلي من تعويم شامل لأسعار صرف العملات ومن فوضي شديدة في نظام النقد الدولي. كذلك تعاني البلاد النامية من ارتفاع أسعار الفائدة علي القروض الخارجية, كما تعاني من ضعف موقعها في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وذلك يقلل من حجم القروض الميسرة الممكنة, وليس أمامها إلا الخضوع للأسعار العالمية للتكنولوجيا الحديثة والسلاح. ونظرا لضخامة ديون البلاد النامية وتزايد مبالغ خدمة أعبائها فقد وصل الأمر ابتداء من عقد الثمانينات في القرن العشرين إلي أن تصبح مقادير خدمة الدين أي الفوائد والأقساط التي تدفعها هذه البلاد تزيد كثيرا علي حجم مايتدفق إليها من استثمارات جديدة وقروض للإنتاج, أي أن الموارد المالية صارت مستنزفة في اتجاهها من البلاد المدينة الفقيرة إلي البلاد الدائنة الغنية مما يطرح للتساؤل الأغنية الشائعة عن ضرورة الاستثمارات الأجنبية للتنمية الاقتصادية مع ضرورة الاندماج في السوق الحرة المعولمة. ويؤكد الدارسون أنه لم يتطور أي بلد من بلاد العالم الرأسمالي الأربعة والعشرين بفضل اتباع سياسة السوق الحرة, بل تطورت بحماية أسواقها الداخلية باستخدام تعريفة جمركية وحواجز. بريطانيا مثلا لم تقبل بالسوق العالمية الحرة حتي أربعينات القرن التاسع عشر بعد زمن طويل من وصولها إلي مستوي أعلي قوة صناعية قائدة, وبين0971 و0491 كانت الولاياتالمتحدة أعلي الدول حماية لاقتصادها, وظلت كوريا الجنوبية الدولة الوحيدة في العالم التي لاتعرف شوارعها سيارة يابانية واحدة لأنها كانت تنمي صناعة سياراتها. وقد دفعت حكومة الولاياتالمتحدة في عام2002 لزراعي القطن الأمريكيين دعما ماليا وصل إلي9.2 مليار دولار, وهو يزيد علي سعر كل الإنتاج الأمريكي من القطن, مما أدي إلي تخفيض سعر القطن في السوق العالمية بما يقرب من52%. وقد ألحق ذلك ضررا بالغا بمصر وبمنتجي القطن الآخرين في البلاد النامية لأن الدعم الأمريكي الحكومي لزارعي القطن في الولاياتالمتحدة تسبب في خسارة كل منتجي القطن الآخرين خسارة ضخمة, فلسنا أمام تجارة خارجية حرة متكافئة. وتقوم رأسمالية اليوم علي التدويل فهي تتخطي القوميات بتأثير الثورة العلمية التكنولوجية وثورة الاتصالات, وتبحث مشروعاتها عن استقلالها الذاتي في مواجهة الدولة رغم إفادتها من امتيازاتها وهرولتها وراءها. فهذه المشروعات يثريها نهب الموارد واستغلال العمل الرخيص وتشديد التبعية للرأسمالية العالمية. المزيد من مقالات ابراهيم فتحى