قامت ثورة25 يناير من أجل العدالة الاجتماعية وكان من ابرز اعدائها رأسمالية المحاسيب المسيطرة علي الاقتصاد المصري, وكتب كثير من المفكرين ضد افراد الحاشية والانسباء والأصهار الذين يحتكرون السوق ويحملون ملامح النظم الاقطاعية في القرون الوسطي, واقتصاد المحاسيب لايقوم علي المنافسة بل علي محاباة نخبة الدولة لعدد محدود من كبار رجال الأعمال وابعاد آخرين, فالقرب من قمة السلطة وحاشيتها واجهزتها ودرجة هذا القرب يتيحان تمكين المحظوظين من الاستيلاء علي جانب كبير من الأسواق. لذلك كانت محاباة القابضين علي السلطة لهم هي الاساس في وجود الاحتكار وصيانته مددا طويلة وتمكينه من انتزاع ما يشبه الريع الهائل مما يؤدي إلي تعميق المحسوبية التي يلازمها الفساد, ولان المناصب والامتيازات جرت العادة علي ان تمنح بسبب الولاء والثقة لابسبب الكفاءة والخبرة, فقد ادي ذلك إلي ثراء فاحش لقلة وإهدار لحقوق الاغلبية. وقد استأسدت هذه الرأسمالية من المحاسيب في التسعينيات وسيطرت علي السوق ونتج عنها خلل كبير في توزيع الدخول بين الذين ينهبون والذين يعملون, ولاحظ كثير من المفكرين ان هذه الرأسمالية انتزعت الارباح السريعة من السيطرة علي مجالات الخدمات والعقارات والاستيراد والتصدير والوساطة المالية ولم تعتمد علي تنمية الصناعة أو الزراعة, فالصلات بالذين يتربعون علي قمة نظام الحكم هي أداتهم في الحصول علي الارباح السهلة, فهي التي تتيح لهم تخصيص الأراضي بالأسعار البخسة إلي درجة تكوين مافيا الأراضي والحصول علي قروض دون ضمان وتسهيل تهريب الأموال إلي الخارج, وتمنحهم فرصا احتكارية في مواد يشتد عليها الطلب مثل الحديدوالمبيدات وبعض السلع التموينية, لذلك كانت خسائر الاقتصاد المصري بسبب هذا الفساد هائلة, وتضاءلت فرص العمل وانخفض الانفاق علي الصحة والتعليم, واصيب المستوي المعيشي للطبقات الشعبية وبعض فئات الطبقة الوسطي بالانهيار. وقد ادت تلك البشاعة إلي تألق دعائي لاتجاه يعتمد علي النفور الأخلاقي من رأسمالية المحاسيب وتخلفها واحتكارها واستبدادها ويدعو إلي الخروج نحو نظام حرية السوق ويمثله النموذج الأمريكي أو الأوروبي, فهو نظام تنافسي نزيه في هذا الزعم يحمل راية التجديد والتعددية والديمقراطية التمثيلية. وبالاضافة إلي ذلك هناك تبن لاتجاه العولمة تكملة لحرية السوق, فهناك ادعاء بأنه قد تم انصهار مختلف الاقتصادات الوطنية والاقليمية في اقتصاد عالمي حر موحد بعد ان صار العالم سوقا واحدة يستفيد الجميع من تجارتها الحرة واصبح قرية كونية متشابهة ينمو ويتلاحم بجميع اجزائه علي قدم المساواة, وهذه هي الصورة المثالية الدعائية, فما علاقة ذلك بالواقع الفعلي؟. هناك مفكرون في الغرب والعالم العربي يحذرون من الخروج من رأسمالية المحاسيب او التخلف الاقتصادي إلي الوقوع في فخ العولمة, كالمستجير من الرمضاء بالنار, ولكن الصورة المثالية الدعائية للانسجام والرخاء الحتميين في نظام حرية السوق والتي تذكر بالرخاء الموعود بعد معاهدة السلام مع إسرائيل تكذبها الازمة الاقتصادية الحالية واستفحال البطالة في الولاياتالمتحدة وبلاد الاتحاد الأوروبي والاضطرار احيانا للجوء لسياسات تقشفية, وهناك من يقولون ان اقتصاد حرية السوق ادي في الواقع إلي تركيز الملكية وتفاقم اللامساواة, فالمنافسة تؤدي إلي منتصرين ومهزومين يخرجون من الحلبة مفلسين, وفي صميم المنافسة الحرة يقبع منطق التركيز والاحتكار, فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي كانت قاعدة نظام المشروع الحر تضاءل وزنها في واقع الشركات العملاقة وفقدت استقلالها واصبحت تابعة لهذه الاحتكارات, ويؤكد كثير من الباحثين ان العولمة( قمة المشروع الحر علي النطاق العالمي) صاحبها في الواقع ازدياد معدلات البطالة وانخفاض الأجور والمرتبات واتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء وتقليص دور الدولة. ولاينكر احد ان الطبقات الشعبية والوسطي كانت قد انتزعت مكتسبات في دولة الرفاه, ولكن دولة الرفاه في جزء منها كانت تنازلا من جانب رأس المال اثناء الحرب الباردة لم يعد له مبرر الآن, كما ان ملامح الحياة الاقتصادية بعد انهيار ما كانت تسمي المنظومة الاشتراكية وانتصار الرأسمالية ساعد علي تقوية التضامن العالمي بين رءوس الأموال القومية, ومع نمو العولمة ازداد تركيز الثروة واتسعت الفروق بين الدول والطبقات اتساعا لم يسبق له مثيل, فالآن يوجد في العالم358 ثريا يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه2.5 مليار من سكان الأرض اي مايقترب من نصف سكان العالم, إن هناك20% من دول العالم تستحوذ علي85% من مجموع المدخرات العالمية. كما ان التفاوت بين الدول يوازيه تفاوت داخل كل دولة حيث تستأثر قلة من السكان بالشطر الأعظم من الدخل الوطني في حين تعيش اغلبية السكان علي الهامش,( رمزي زكي في تقديم فخ العولمة ترجمة وتقديم عدنان عباس). نحن امام ديكتاتورية السوق والعولمة التي تعتبر مراعاة البعد الاجتماعي عبئا لايطاق, ان الدعوة للاقتصاد الحر في جوهرها هي ابعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي, ويهدد اصحاب رءوس الأموال بهروب رءوس الاموال ما لم تستجب الحكومات لمطالبهم, وتلك المطالب هي تنازلات ضريبية ضخمة وتقديم مشروعات البنية التحتية لهم مجانا وتعديل القوانين التي كانت تمنح بعض المكاسب للعمال والطبقة الوسطي وخصخصة المشروعات العامة والخدمات الحكومية, كما ان تكامل نظام حرية السوق مع السوق الرأسمالية العالمية يجعل الدولة النامية جزءا من نظام التقسيم الدولي للعمل وتقديم مواد خام وبعض الحاصلات الزراعية مع الخضوع لتقلبات وازمة السوق العالمية بلا امكانات تطور مستقل بل يفتح الطريق امام التبعية المالية والتجارية والتكنولوجية لامريكا وأوروبا وعدم الاهتمام بالصناعة. فلا مساواة في التعامل الدولي, فأمريكا تفرض رسوما جمركية عالية علي صادرات البلاد النامية كما انها الحقت ضررا فادحا بالقطن المصري حينما قدمت حكومتها دعما لزراع القطن الأمريكيين بلغ3.9 مليار دولار عام2002 يزيد علي سعر مجمل الانتاج الأمريكي من القطن مخفضة بذلك سعر القطن في السوق العالمية. فالحديث المنافق عن قرية كونية يخفي في الواقع عالمين منفصلين أحدهما عالم تخلف ومديونية خارجية وهو عالم معظم الدول النامية. المزيد من مقالات ابراهيم فتحى