دعا الإسلام إلى التحلى بمكارم الأخلاق , ورغب فى حسن الخلق فجعله سببا لدخول من يتحلى به الجنة, إذ روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟, فقال: تقوى الله وحسن الخلق», وعد صاحب الخلق الحسن من خيار المسلمين وأكملهم إيمانا, فقد روى عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا, وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا», وروى عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا, وألطفهم بأهله», وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حسن الخلق هو أثقل القربات فى ميزان المؤمن, إذ روى عنه أبو الدرداء رضى الله عنه أنه قال: «ما من شيء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن», كما أخبر أن حسن الخلق قد يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم, فقد روى عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم», وبين أن صاحب الخلق الحسن هو أحب الناس إليه وأقربهم منه مجلسا يوم القيامة, فقد روى عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أخبركم بأحبكم إلى وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة, قالوا: نعم يا رسول الله, قال: أحسنكم أخلاقا». وإن كان حسن الخلق مندوبا إليه مرغبا فيه بوجه عام, إلا أنه يتأكد فى رمضان, لأن صيامه أحد التكاليف الشرعية, فإذا انضم إلى غيره من التكاليف ثقلت على النفس التى فطرت على التحرر مما يقيدها, ولهذا كانت الإثابة على الابتلاء بهذه التكاليف جزاء على الامتثال للأمر بها, وقد بكون الالتزام بها مظنة أن يثور المكلف بها إذا استثير, ولهذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصائم عن سوء الخلق, وبين أنه لا يخلق به أن يفحش فى القول, أو أن يعلو صوته صائحا عند مخاصمة غيره, أو أن يقابل إيذاء غيره له بالسب أو الشتم أو غيرهما بمثله, وإنما ينبغى عليه إذا قصد بهذا الإيذاء أن يقول: «إنى امرؤ صائم», مذكرا نفسه وغيره بما ينبغى أن يتحلى به الصائم من حسن الخلق, فقد روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ, ولا يصخب, فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إنى امرؤ صائم», والنهى عن الرفث والصخب فى الصيام لا يقتضى إباحتهما فى غيره, وإنما يتأكد النهى عنهما فيه للمعنى الذى سبق ذكره, والأمر بعدم مقابلة الإيذاء بمثله فى الصيام, لا يقتضى كذلك الأمر بمقابلة الإيذاء بمثله فى غيره, لترغيب الشارع فى مقابلة الإساءة بالإحسان, قال تعالى: «ادفع بالتى هى أحسن السيئة», وقال سبحانه: «ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم».