فى توقيت مهم للقاريء الأجنبي، صدرت الطبعة الإنجليزية من كتاب «السراب» للدكتور جمال سند السويدى المفكر والخبير الإستراتيجى الإماراتي، وهو يعتبر أول معالجة بحثية أكاديمية عربية معمّقة لظاهرة الجماعات الدينية- السياسية, التى تصدّرت المشهد السياسى العربى والإسلامى فى السنوات الأخيرة. ويكشف الكتاب, عبر فصوله السبعة بالإضافة إلى المدخل والخاتمة، حجم التضارب القائم بين فكر هذه الجماعات وواقع التطور الحاصل فى النظم السياسية والدولية المعاصرة، خاصة فيما يتعلق بمسألة التنافر بين واقع الأوطان والدول وسيادتها القانونية والدولية من ناحية، ومفهوم الخلافة الذى تتبناه هذه الجماعات من ناحية ثانية. ويكشف الكتاب علاقة الترابط الفكرى القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات المتطرفة التى ولدت فى مجملها من رحم هذه الجماعة، وفى مقدمتها «القاعدة» و«داعش» وغيرهما, حيث يناقش فكر الجماعات الدينية السياسية الأهم فى العالَمين العربى والإسلامى (الإخوان المسلمون، والتيار السلفي، والتنظيمات الجهادية)، موضحاً الفروق التنظيمية والفكرية بين هذه الجماعات ويقدّم صورة بانورامية لانتشارها، كاشفاً مكامن الخطر فى أفكارها, عبر دراسة بحثية جادّة لهذه الأفكار. ويتضمن «السراب» أيضاً دراسة ميدانية مميزة ترصد اتجاهات عينة كبيرة من المواطنين والمسلمين العرب المقيمين فى دولة الإمارات العربية المتحدة تجاه الجماعات الدينية السياسية، وتكشف التحولات الحاصلة فى آراء الجمهور تجاه هذه الجماعات عقب الأحداث التى مرت بها دول عربية عدة فى السنوات الأخيرة. وكان جمال السويدى قد قال, فى ندوة بالأهرام أواخر العام الماضى بمناسبة صدور الكتاب، إنه وجد من الضرورى تبصير بعض المتوهِّمين بأن جُلَّ الجماعات الدينية السياسية والتنظيمات المتطرفة التى ابتلى بها, ولا يزال، العالمان العربى والإسلامي، بل الإنسانية جمعاء خلال العقود الأربعة الأخيرة، كان منبعها ومصدرها جماعة الإخوان المسلمين، التى روَّجت لأفكار منظِّرها سيد قطب بشأن تكفير المجتمعات، وصاحبة الجهاز الخاص أو السريِّ العنيف، وهى التى فرَّخت قادة تنظيم القاعدة و«الجهاديين» من أمثال عبدالله عزام، وأسامة بن لادن، وأيمن الظواهري، فضلاً عن تنصيب مؤسِّسها حسن البنا ومنظِّرها سيد قطب فى مرتبة تفوق مقام النبى محمد صلَّى الله عليه وسلم، حيث تتصدَّر رسائل البنا وتعليمات قطب واجهة العمل التنظيمى والحركى للإخوان المسلمين، بدلاً من أحاديث النبيِّ محمد والسنة الشريفة. وأشار إلى أن تجربة حكم الإخوان المسلمين فى مصر تحديداً ستفرز نتائج سلبية بعيدة المدى على مسيرة الجماعة؛ لكونها انطوت على براهين واضحة عكست فكرها الضيِّق. ويقول المؤلف إن تاريخ هذه الجماعات ودراسة حالة بعضها، منذ بدايتها حتى فشل تجربة حكم جماعة الإخوان المسلمين فى بعض الدول العربية والإسلامية، والتعرف على أسباب الفشل, ينسف موروثاً طويلاً من الشعارات التاريخية التى ظلت نحو ثمانين عاماً موضع تبجيل وتقدير لدى أوساط الجماعات الدينية السياسية والمتعاطفين معها، وفى مقدمتها بطبيعة الحال جماعة الإخوان المسلمين. ويؤكد المؤلف فى ثنايا الكتاب أن تسليط الضوء على مفردات الواقع الثقافى والحضارى للعالَمين العربى والإسلامى يظهر وجود قدر كبير من التشابه بين مرحلة التخلف فى القارة الأوروبية خلال حقبة القرون الوسطى وأفكار الجماعات الدينية السياسية وممارساتها فى العالَمين العربى والإسلامى فى العصر الحديث، يشغل الدكتور السويدى منصب مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة وسكونسن فى العامين 1985 و1990ثم عمل أستاذا زائرا فى جامعة وسكونسن فى عام 1992، حيث قام بتدريس مساق حول النظم السياسية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا, كما عمل مدرّساً للعلوم السياسية فى جامعة الإمارات, وساهم فى تأليف وإعداد العديد من الكتب والدراسات، حيث شارك ديفيد جارنم ومارك تسلر فى تأليف كتاب «الديمقراطية والحرب والسلام فى الشرق الأوسط». بالإضافة إلى إعداد كتاب «حرب اليمن 1994: الأسباب والنتائج» وإعداد كتاب «إيران والخليج: البحث عن الاستقرار». وفى عام 2014 صدر له كتاب «آفاق العصر الأمريكي: السيادة والنفوذ فى النظام العالمى الجديد»، كما شارك بإعداد وتحرير كتاب «حركات الإسلام السياسى والسلطة فى العالم العربي: الصعود والأفول». الكتاب: السراب المؤلف: د. جمال السويدي الناشر : مركز الإمارات للدراسات والبحوث 2015