دخل مكتبى أحد الزملاء وهو يشعر بالمرارة والغضب، فهو بعد خدمة امتدت لأكثر من 30 عاما كان يتبوأ فيها منصبا محترما، وجد نفسه ولم يعد فى بيته سوى جنيهات معدودة، لأنه خرج على المعاش منذ أكثر من أربعة أشهر ولم يتقاض مكافأة نهاية خدمته من مؤسسته، والحال نفسه لم يتقاض مكافأة نهاية خدمته من التأمينات والمعاشات، وخلال تلك الفترة لم يصرف له مليم واحد حتى الآن، وأخذ يشرح بمرارة أن زوجته ربة منزل لا تعمل، وأولاده لا يزالون فى مراحل التعليم المختلفة، وأن تأخير صرف مستحقاته يعرضه وأسرته لمواقف محرجة لم يكن يتوقعها. حال الزميل هو نفس حال الملايين من أصحاب المعاشات، الذين تعاملهم الحكومة بشكل مهين وغير مقبول على الإطلاق، حيث إن أعلى معاش للمتقاعد هو فى حدود 1300 جنيه، وبشرط أن يكون قد أمضى 36 عاما خدمة فى عمله، ويتقاضى أعلى راتب تأميني، ودون ذلك يتم خصم نسبة من هذا المبلغ بشرائح معينة حسب الجداول الموضوعة، حيث إن معظم شرائح المعاشات تكون فى حدود الألف جنيه أو أقل، لأن من تنطبق عليهم شروط الحد الأقصى للمعاش (1300 جنيه) هم شريحة ضئيلة جدا!!. الخلاصة أن أعلى شريحة فى المعاشات هى تقريبا شريحة الحد الأدنى للدخل نفسها، أى أنه بعد 36 عاما خدمة، وتقاضى أعلى الرواتب، يكتشف المواطن أنه عاد مرة أخرى للحد الأدنى للدخل الذى قررته الحكومة بنحو 1200 جنيه، وكل مشكلته أنه لم يسرق أو »يهبش«، وكان مخلصا فى عمله، ولم يضع الملايين فى حساباته تحسبا لهذا اليوم المؤلم. واقع مهين يعيشه أصحاب المعاشات فى مصر، وربما لا يوجد واقع مثله فى معظم دول العالم، ففى كل دول أوروبا وأمريكا والدول المتقدمة جميعها ينتظر المواطن الخروج إلى المعاش ليستمتع بحياته فى السفر والزيارات، أما فى مصر فالخروج إلى المعاش يعنى الموت والخراب، والتدهور الحاد فى مستوى المعيشة، وفقدان أغلب دخله، والعودة إلى الحد الأدنى للدخول، والمشكلة الأكبر هى فترة المعاناة الحادة الأولى التى يجد فيها أصحاب المعاشات أنفسهم بلادخل تقريبا نتيجة التباطؤ فى صرف مستحقاتهم المستقطعة منهم طوال مدة خدمتهم. الآن هناك مشروع قانون للتأمينات والمعاشات يتم إعداده تمهيدا لإصداره، وهذا المشروع كان قد بدأ فيه يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق، وقطع فيه شوطا كبيرا، وكان مشروع يوسف بطرس غالى يضم العديد من المزايا، منها رفع سن المعاش إلى 65 عاما، وزيادة المعاشات لتصل إلى إجمالى الراتب الأساسى والمتغير الذى يتقاضاه العامل قبل خروجه إلى المعاش، وهذا المشروع لابد من الاستفادة منه، بغض النظر عن أن بدايته كانت من يوسف بطرس غالي، لأن هذا المشروع كان نتاج جهد فكر وعمل الكثير من الخبراء والمختصين، ولم يكن نتائج فكر يوسف بطرس غالى وحده، وفى كل الأحوال، فإذا كان هذا المشروع لايزال موجودا أعتقد ذلك فلابد من إخراجه ودراسته مع مشروع القانون الذى يتم إعداده الآن، والاستفادة منه فى مد سن المعاش إلى 65 عاما لكل العاملين، بما يزيد من حصيلة صناديق التأمينات والمعاشات، وفى الوقت نفسه رفع المعاشات لتتساوى مع الأجر الحقيقى حتى لا يصاب أصحاب المعاشات بالصدمة ويعودون إلى الحد الأدنى للأجور مرة أخرى بشكل متعسف، وغير إنساني، ويتنافى مع المنطق والعقل، وما قدموه لأعمالهم طوال سنوات عمرهم. مشروع قانون التأمينات والمعاشات من أخطر مشروعات القوانين، لأنه يمس 9 ملايين مواطن على المعاش، و22 مليون مواطن مؤمن عليهم سوف يخرجون يوما ما إلى المعاش، ويجدون أنفسهم يجرون »أذيال خيبة الأمل« بعد كل سنوات الخدمة التى قضوها فى أعمالهم، وبالتالى فمن المهم الاستماع إلى كل الأطراف فيه، خاصة اتحاد أصحاب المعاشات ورئيسه البدرى فرغلي، بالإضافة إلى الاستفادة من القوانين الخمسة الحالية التى ترتبط بأصحاب المعاشات، وهى القانون 79 لسنة 75 الخاص بالعاملين لدى الغير، والقانون 108 لسنة 76 الخاص بأصحاب الأعمال والتأمين عليهم، والقانون 50 لسنة 78 الخاص بالعاملين بالخارج، والقانون 112 لسنة 80 الخاص بالعمالة غير المنتظمة، والقانون 71 لسنة 64 الخاص بالمعاشات الاستثنائية، وإلى جوار ذلك الاستفادة من مزايا مشروع القانون الذى أعده يوسف بطرس غالى للخروج بأفضل مشروع قانون للتأمينات يحفظ لأصحاب المعاشات حقوقهم، ويحافظ على كرامتهم وآدميتهم، فليست »آخر خدمة العمل علقة«. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة