سالت يوما الصديق العزيز أحمد بهجت صاحب كتاب: »اللهم إني صائم«.. ونحن نفطر معا في رمضان في الحسين.. في الافطار الرمضاني السنوي الشهير الذي كان يقيمه لنا في منتصف شهر الصيام كبير محققي الأهرام وأحسن رئيس قسم تحقيقات ظهر في الصحافة المصرية الذي اسمه صلاح هلال: ما هو أكثر المواقف اثارة التي مرت بك في شهر الصيام؟ قال: عندما دخلت «التخشيبة» في شهر الصيام؟ سألته: وماذا فعلت لتنال هذا الشرف العظيم دخول التخشيبة في شهر الصيام؟ قال: أبدا كنت أيامها محررا في روزاليوسف عندما كان يرأس تحريرها الكاتب الكبير احسان عبد القدوس.. وكنت أقود سيارتي الفولكس فاجن في شارع قصر العيني عندما صدمتني من الخلف سيدة ذات باع وذراع.. اسأله: يعني أيه؟ قال: يعني ذات نفوذ وسلطان... وسين وجيم وكلمة مني بأدب علي كلمة منها من غير أدب.. وصلنا إلي قسم قصر النيل.. شرفت هي عند البيه المأمور.. وشرفت أنا في التخشيبة لما يبان لي صاحب! أسأله: ازاي وأنت صحفي قد الدنيا؟ قال: لأنني لحظي الجميل.. نسيت محفظتي في البيت! قلت: وشرفت في التخشيبة؟ قال ضاحكا: لحد لما يبان ليا صاحب! قلت: طيب والست السنيورة اللي خبطت عربيتها؟ قال: قاعدة وحاطة رجل علي رجل وبتدخن سيجارة قدمها لها حضرة المأمور.. وعملوا من الحبة قبة.. وأنا مشرَّف - بكسر الميم وشدة علي الراء وسكون الفاء - في التخشيبة.. مع المجرمين وولاد الحرام! قلت: وعملت ايه يا شاطر؟ قال: عملت صحفي.. بعد ما لقيت نفسي قاعد جنب واحد حرامي قراري.. ليدور بيني وبينه أغرب حوار صحفي بين واحد بيلعب بالبيضة والحجر حتي في رمضان.. وواحد زيي عايش علي المثل العليا اللي ما توكلش عيش في الزمن ده.. وكتابات جدك هوميروس وأبوك بيرتراند راسل وعمك هيجل وخالك أرسطو طاليس! ............. ............. صديقي ورفيق دربي في مشوار صاحب الجلالة صاحب أعظم كتاب عن الأنبياء والرسل الذي اسمه «أنبياء الله».. يحكي لنا تجربته في التخشيبة في شهر الصيام.. هو يقول: - جاءت جلستي في التخشيبة إلي جوار نصاب كبير يضحك علي ضحاياه ويسرقهم في عز الضهر وأمام كل العيون! أسأله: حتي في رمضان؟ قال: لقد سألته نفس السؤال فقال لي أمال أنا قاعد هنا دلوقتي في التخشيبة واحنا لسه في الاسبوع الأول من رمضان ليه.. عشان حاجة عملتها! اسأله والكلام لأحمد بهجت: عملت ايه يا سبع البرومبة؟ النصاب يتكلم: في شهر الصيام يحلو الضحك علي دقون الناس.. وعلي فكرة أنا لا أتعامل مع الأغبياء من الناس كما يتصور الجميع.. بل أتعامل مع الأذكياء جدا في مباراة عقلية.. تنتهي دائما بانتصاري! - ازاي؟.. يسأل محدثي أحمد بهجت النصاب الذي يجلس إلي جواره في التخشيبة؟ النصاب يتكلم: أنا أجلس مقيما في المسجد في صلاة الظهر وصلاة العصر.. حتي صلاة المغرب.. وخلال هذه الساعات أكون قد حققت المراد من رب العباد؟ - وما هو هذا المراد من رب العباد يا أشر خلق الله؟ قال النصاب: اختار ضحيتي من بين الأذكياء وليس الأغبياء.. لأن الذكي لا يستسلم أبدا.. بل يقاوم ويقاوم.. ولا يريد أن يتلغب عليه أحد في مباراة الذكاء.. أما الغبي فلا أتعامل معه أبدا لأنه سوف يضرب لخمة ويفضحك.. ويهرب منك عند أول ناصية طريق.. بعد أن يلم عليك خلق الله! ......... ......... مازال عمنا الكاتب الكبير أحمد بهجت صاحب كتاب «اللهم إني صائم» يتكلم ويحكي: - النصاب كما قلت يختار ضحاياه من الأذكياء أو الذين يتصورون انهم ولاد شطار آخر فتاكة ومفهومية.. ويعرض عليهم بضاعته.. أسأل: ايه هي البضاعة دي؟ النصاب يحكي لعمنا أحمد بهجت وهو جالس إلي جواره في التخشيبة في نهار رمضان: غوايش وخواتم وسلاسل دهب.. موش كله مغشوش.. فيه وفيه عشان أما يروحوا عند الصايغ يتمنوا البضاعة.. يقدم النصاب للصائغ القطع الأصلية ويخبي الباقي الفالصو! اسأله: دهب بس؟ قال: لا.. معاه كمان.. عقود أراضي وشقق ودكاكين وعقود توظيف مختومة بختم النسر وناقص بس نحط اسم المحروس اللي محتاج للوظيفة ودول في البلد أكتر من الهم علي القلب! أسأله: طيب وازاي ينجح النصاب مع زباينه من الناس المفتحين الصاحيين؟ قال: قال لي النصاب الكبير الذي حاورني في التخشيبة: لابد أن يكون للنصاب مساعدا له يأتي في الوقت المناسب وهو يراقب من بعيد الموقف.. فإذا اكتشف أن طبخة النصب استوت وطلبت الأكال.. يطب علي الاثنين.. الجالسين علي المقهي أو حتي علي باب جامع أو في السوق.. ويقول للنصاب زميله: خلاص أنا موافق علي اللي عرضته عليا.. ومعايا الفلوس ياللا نخلص قبل ما حد يطب علينا! قلت: هنا يسرع »الرجل الصيد« بالتدخل لكي ياخد هو الصفقة بدلا من زميل النصاب وهو لا يدري بالطبع.. انها مجرد لعبة يلعبها الاثنان معا فيشرب المقلب راضيا مبتسما! ........... ........... عمنا ورفيق دربنا في بلاط صاحبة الجلالة.. الكاتب الكبير أحمد بهجت.. مازال يحكي ذكريات أول يوم في التخشيبة في رمضان.. بصحبة »واحد نصاب قراري«.. هو يقول: - لأنني أعرف يومها انني سوف أخرج - إن عاجلا أو آجلا - من هذه العلقة الساخنة التي اسمها التخشيبة في الثالث أو الرابع.. لا أذكر من أيام رمضان.. فقد وجدتها فرصة لن تتكرر وهي لم تتكرر بالفعل.. لكي أتحدث إلي القوم الجالسين.. من حولي »صم بكم«.. والجو خانق ونحن في حالة صيام.. سألت شابا يرتدي زعبوطا وكوفية ونحن في عز الصيف: وأنت كيف تجري علي لقمة عيشك في شهر الصيام؟ قال وهو يفرك عينيه المغمضتين فقد كان في نوبة نعاس فهو محجوز هنا من بعد صلاة الفجر.. علي حد قوله: أنا أنزل للشغل والجماعة - يقصد زوجته - لسه في سابع نومة.. وأول حاجة أقولها وأنا نازل علي السلالم: اللهم احفظنا يارب.. وابعد عننا عيون العساكر والمخبرين بسم الله الرحمن الرحيم توكلنا عليك يارب.. أرزقها من عندك.. ثم أقرأ الفاتحة.. وأتوكل علي الله.. يسأله أحمد بهجت: وأنت بتسرق إيه؟ قال له: باسرق محافظ وأشق جيوب وأفتح شنط الستات في المواصلات العامة.. أتوبس.. حتة زحمة... ترماي.. قطر برضه ما يضرش! يسأله أحمد بهجت: وبترجع بيتك مجبور الخاطر؟ يرد لص المحافظ والشنط والجيوب: أيوه.. دايما أرجع ومعايا رزق النهار ده.. يوم بيوم.. وساعات بالاقي حاجة كده تكفي الأسبوع.. أرقد عليها لحد أما تخلص!أرجع تاني لنفس الطريق.. وادعي ربنا في كل مرة انه يرجعني لعيالي مجبور الخاطر.. ويبعد عني عيون المخبرين وعساكر الدورية! ........... ........... أسأل عمنا وكاتبنا الكبير أحمد بهجت: وأنت.. ألم ينشل أحد محفظتك خصوصا أول الشهر؟ قال: حدث في أول مرتب لي في عالم الصحافة.. وكنت يادوب خارجا من باب دار روزاليوسف حيث بدأت عملي الصحفي بين جدرانها وتعلمت من أساتذة الصحافة فيها احسان عبد القدوس+ صلاح حافظ+ أحمد بهاء الدين+ جمال كامل الرسام العظيم.. وركبت تاكسا فرحا بأول مرتب.. ولكن المحفظة كلها سقطت مني في التاكسي الذي لم آخذ رقمه.. ومن يومها لم أركب تاكسيا في يوم القبض! اسأل عمنا أحمد بهجت صاحب أشهر كتاب رمضاني »اسمه اللهم اني صائم« كيف خرجت من مطب التخشيبة في أول يوم رمضان؟ قال: أبدا منحت الباشاويش الواقف علي باب التخشيبة ما تيسر وطلبت منه أن يطلب احسان عبد القدوس رئيس تحرير روزاليوسف أيامها ويخبره بأنني محبوس هنا في التخشيبة؟ أسأله: وماذا فعل احسان عبد القدوس؟ قال: مافيش ساعة زمن ووجدت الحارس ينادي علي اسمي.. فخرجت لأجد عمنا احسان عبد القدوس بنفسه جالسا عند حضرة المأمور.. وهو يتحدث حديثا وديا ضاحكا مع السيدة التي صدمت عربتها.. ثم قام من مكانه وقال لي: يا عم أحمد.. ما انتش عارف الهانم دي مدام همت مصطفي المذيعة في التليفزيون.. ومن يومها نشأت صداقة حقيقية مع أعظم مذيعة أنجبها تليفزيون مصر! قبل أن يمضي رفيق دربي وعمري الصحفي سألته: من أقدر علي الصيام الرجل أم المرأة؟ قال: الرجل يصوم ولا يتكلم.. أما المرأة فتصوم حقا ولكنها تفسده في الكلام في سير الناس! دي عملت.. دي سافرت دي سابت جوزها! ................... ................. سألت عمنا وتاج راسنا أحمد بهجت: ألم تقابل في حياتك واحدة من أياهن؟ يسألني: يعتي إيه من إياهن بالضبط؟ قلت: يعني واحدة بتتكلم بالعين والحاجب.. وبتلعب بالبيضة والحجر .. نصبت عليك نشلتك في أتوبيس وأنت مزنوق جواه في الزحمة؟ قال: لا .. حصلت .. لكن نصبت عليا في حاجة تانية خالص! اسأله: ازاي؟ قال: في يوم واحدة طلبت تقابلني في الجرنال .. وكنا في مبني الأهرام القديم في شارع مظلوم.. اللي ولاد الحرام هدوه وباعوه حجر حجر .. لقيت عم بشير الساعي المخضرم ما أنت عارفه .. جاني وقاللي في واحدة ست غلبانة كده عاوزة تقابل حضرتك.. نزلت سلالم الدور الأول .. لقيت واحدة ست غلبانة صحيح لكن لما رفعت الطرحة من فوق وشها .. لقيت قمر أربعتاشر قدامي .. قمر أربعتاشر لكن من بولاق! نسيت أقولك إننا كنا في رمضان.. قلت لها: خير يا ست الكل؟ قالت لي: جوزي الملعون ضربني بالحزام علقة سخنة... عشان هو راجل أبو كيفه يعني بتاع جوزة وتعميرة... وصارف فلوسه كلها علي مزاجه ومافيش حاجة عشان العيال وعشاني أنا .. بذمتك يا بيه واحدة زي كده. وكشفت عن ساقها لأجد علامات ضرب الحزام حمراء علي جسدها المرمري.. المهم فتحت محفظتي وكنا لسه قابضين الماهية.. راحت ماسكة المحفظة وقالتلي» والنبي ماتعدش وأخذت نص المرتب يومها ورقة بعشرين جنيه .. ويافاكيك وقبل ما تمشي قالتلي أنا حاجيلك بكره في نفس الميعاد استناني! سألته: وجت؟ قال: من يلومها ماشفتش وشها الجميل مرة ثانية! قلت له: تعيش وتاخد غيرها! سلام عليك ياصاحب كتاب «أنبياء الله».. الذي حملتني أمانة أن يتسلمه سيدنا جبريل عليه السلام.. سلام عليك في مقعد صدق عند عزيز مقتدر.{