«علشان لو جه ما يتفاجئش»، صفحة تأسست على الفيس بوك، بعد ساعات محدودة من زيارة رئيس الوزراء المفاجئة لمعهد القلب بامبابة، والإجراءات التى اتخذها، والتصريحات التى ادلى بها، معبرا عما أحدثته تلك الزيارة فى دواخله من صدمة مزلزلة. الصفحة التى بلغ عدد زوارها فيما يقرب من اربع وعشرين ساعة رقما مهولا يتجاوز المليون (1249355 زائر ) دشنها أطباء بدعوة موجهة للأطباء، ان يبعثوا بصور لأوضاع المستشفيات التى يعملون بها، وللظروف التى يؤدون من خلالها، عملهم ، ففى الساعة التاسعة والنصف من مساء السابع من يونيو انطلقت الدعوة «عندك صور للمكان اللى انت شغال فيه ومستوى المكان ولو حد بيتعالج ، صور وابعت» وانهمر السيل... عشرات او ربما مئات من الصور، التى رغم كونها غير مفاجئة، على الأقل لنا نحن الذين ندعى اننا نقصى حاجاتنا بأنفسنا، ونجوب الأسواق، ونمشى فى الشوارع، إلا أنها كارثية ومصدمة، ومثيرة للشفقة والغثيان، وللقرف وللثورة، على نفسك وعلى الذين حكموك لعقود، وأوصلوا الناس إلى درك لا يختلف عن «البكتيريا»، نعم وألف نعم، ملخص ما تراه مهما أوتيت من واقعية ومعرفة بالأحوال، وبسياسات استمرت لعشرات السنين ،سياسات لا نقول أنها أفقرت الأغلبية، بل حولتنا الى درك «بكتيرى»، يمكن لعلماء الاجتماع والاقتصاد ، ان يستقرءوه «من الحشايا»، الكامنة التى لم تعد كامنة، واظن انها لم تكن فى اى لحظة «كامنة» ، حتى مع هؤلاء الذين كانوا يرون فى الأغلبية الفقيرة منا «كناسة» و«مخلفات» يتخلصون منها تحت سجادة ارقام النمو! «محصلة الصفحة» (علشان ما يتفاجئش) مئات من الصور، الصورة تتكلم وبدون اى كلام، عن حالة المستشفيات فى مصر، من اسوان والاقصر وحتى إسكندرية ، هى وعفوا فى التعبير «مراحيض» و«زرايب حيوانات» وعاوز تفاصيل ادخل وشوف، هى «الحصاد المر» ، ليس لفقرنا، ولكن لخيانتنا لانفسنا، لهواننا، لناس حكمونا، لم يخشوا الحساب من احد، فكان ظلمهم فاجرا. ولو كان فى الامر شىء من العدل لحوكموا، على الغنائم، فى بر مصر وبحرها، التى ابتلعوها هم وغلمانهم، وليدفع الثمن، ذلك «المريض» الفقير الواقف رافعا جلبابه، تتمسح القطط فى ساقه المكشوف، حاملا ابنه، على كتفيه بينما ذراعه مشدودة «لزجاجة محلول مثبتة فى جدار طرقة قذرة، او ذلك الثعبان الذى يتسلق ماسورة حمام مستشفى ابو العلا، او طفح مجارى مستشفى ديروط العام، الذى تغير بسببه عشرة مديرين، ولم يختف، او سلخانة الدم فى مستشفى ميرى إسكندرية. القراءة الأولى لفكرة صفحة «علشان لو جه ما يتفاجئش» قد توحى بأنها مجرد دفاع من الاطباء الذين وجه اليهم رئيس الوزراء الاتهام بانهم المسئولون عن التردى فى المنظومة الصحية التى صدمته فى معهد القلب وتيودور بلهارس، او انهم كما عبر «مش حا يشيلوا البيعة وحدهم» لكن الحقيقة، ان قراءة اكثر ثانية يمكنها ان تشير الى ان سياسات عدم المواجهة الصادقة، الواضحة او الجذرية للمشكلات الاساسية (الصحة نموذجا) لم تعد لتنطلى او تمر بسهولة، وان الناس الآن قادرة على أن تقف وتواجه، وتضع أصبعها فى عين الحكومة، وتقول لها لا، ليس الحق او الحل، ما تردديه، حاسبى أطرافك قبل ان تحاسبينا، انت تعلمين جيدا حقيقة ما تجرى ويجرى فى مستشفيات الحكومة وحتى غير الحكومة، منذ سنوات وسنوات وبما انك تتعلمين، فانت لابد تدركين، ان المنظومة نفسها فاسدة وغير عادلة ، وجذورها العطنة أفرزت أوضاعا تتفاقم من عشرات السنين، وإن الحل ليس فى موعظة اخلاقية عن «الضمير»، يعنى هى ليست مجرد اختلالات، او حكاية دكتور بيزوغ، عشان يروح عيادة، او ممرضة بتأخد «بقشيش»، فما تفعلت، ما هى رؤيتك لإنقاذ المنظومة رؤية، محددة و واضحة و مربوطة بمدى زمنى؟ وماهى خطواتك التى اتخذتها فى هذا الاتجاه بالذات و قد حدث . قبل ما يقرب من عام ، ان زار او بمعنى ادق، فاجأ، السيد رئيس الوزراء مستشفى قصر العينى، ووجد ما وجد من مرضى بلا أسرة ، وناس متكومة، و.. و وتم رفع تقارير بالحالة ، والجرائد صورت والتليفزيونات، فماذا تغير فى اوضاع قصر العينى، ( كنموذج) ما اذا اضيف للممرضة التى تقبض عن 30 يوم عمل، 280 جنيها ولولا تبرع بعض الاساتذة مااستمرت فى العمل، وماذا تم بالنسبة لطبيب الامتياز الذى درس سبع سنوات وصرف عليه اهله وانتظروه ليقبض 180 جنيها، وماذا عن الطبيب النائب. لو ان اصلاحات حقيقية قد تمت فلتحاسب وبمنتهى الحسم والقوة، وهل انسحب الاصلاح على باقى الانحاء؟، لو كان القانون يسمح بنوع من المحاسبة باثر رجعى، لحوكمت عشرات الحكومات، السابقة على الحكومة الحالية، على ما اوصلت اليه المستشفيات فى جميع انحاء مصر، وما أوصلت اليه صحة المصريين، او ما تبقى منها!. الصفحة التى دشنها اطباء بعنوان «علشان لو جه ما يتفاجئش»، تحذر فى مستوى آخر للقراءة، من فكرة «الكادرات الخاصة» المالية والتى بموجبها استطاعت فئات أن تنجو بنفسها اقتصاديا، وتعددت هذه الصيغ ( كصور لنوع من الانقاذ الفردى فى النهاية )، بشكل أصبح فيه من الصعب ان ترد على سؤال كالذى طرحه طبيب على الصفحة عن معنى ان يكون دخله اقل من خمسمائة جنيه وزميله من نفس الدفعة وخريج كلية أخرى يقبض عشرات الالوف، لو قالك انت تنظر لعملى فى المستشفى العام كعمل درجة عشرة، هل يمكن ان تردًعليه؟ سياسة الكادرات المالية الحكومية الخاصة، بدعوى ان عملا له طبيعة خاصة، وآخر ليس له المبرر، هى امر فى لحظة قد يرتب عواقب نحن فى غنى عنها، هل طبيب يخدم الناس فى مستشفى حكومى ،اقل فى قيمة واهمية ودقة عمله من اى واحد فى كادر خاص؟ يبقى تساؤلان، الاول كيف كان العالم الوطنى الدكتور محمد غنيم، مؤسس مركز الكلى يدير هذا الصرح، وكيف سار به لسنوات وارتفع بادائه الى مستوى تجاوز مصر الى آفاق المعايير الدولية، لماذا لا نسأله عن المعجزة التى جعلته يعالج الفقراء والاغنياء بضمير. واحد، لماذا لا نتعلم منه معنى المنظومة، وقوامها حساب المخطئ بعد ان تسلمه الرؤية والادوات؟ اما التساؤل الثانى فلنقل انه افتراضى: لو عمل رئيس الوزراء حملة تفتيش على اى جزء يختاره، من المؤسسات المصرية المدنية: محطة السكة الحديد، او على وزارة الآثار، او الزراعة او المزلقانات، لو فاجأ حتى لجان الامتحانات فى الثانوية العامة، بلاش، لو راح(لجهات مهمة) لن اسميها، هل يتوقع سيادته اوضاعا اقل صدمة؟. إنه الحصاد المر لسنوات ظلم فاجر دونما حساب وعلاجه أعمق مما يصلنا حتى الآن. فسلامة الحكومة من الصدمة، ومن الخضة، وأؤكد لها ان العلاج لها ولنا فى الرؤية هى الاحتياج الملح وهى المفتقدة وهى غير الواضحة حكوميا حتى الآن، وهى التى مفروض ان تتحول الى خطط، ثم بعدها تتم المحاسب، محاسبة الكبير قبل الصغير. لمزيد من مقالات ماجدة الجندى