البعض منّا واقع هذه الأيام فى خطأين منهجيين.. أو ثلاثة: الخطأ الأول: تلك الأسطورة التى ما تنفك تتردد على الألسنة ليل نهار بأن نظام مبارك قد سقط فى 25 يناير. إنهم يقولون ذلك وفى أذهانهم أن نظام مبارك يعنى شخص الرئيس الأسبق وولديه وثلة الرجال الأقوياء الذين أحاطوا به فى أثناء حكمه.. وهذا غير صحيح لأن رحيل «كبشة» من رجال الرئيس( أى رئيس!) لا يعنى أبدا سقوط النظام. إن النظام السياسى لدولة ما ليس مجرد أشخاص، بل هو مجموعة آليات وميكانيزمات لإدارة المؤسسات.. فهل سقطت عندنا- لا قدر الله- المؤسسات؟ أبدا.. ولن تسقط.. ولا ينبغى أن تسقط. .. فما هى تلك المؤسسات؟ بسيطة.. عندك القوات المسلحة والداخلية والإعلام والأجهزة الأمنية والقضاء والوزارات ومنظومات الزراعة والصناعة والتعليم والصحة والمحليات والخدمات وغيرها. فهل سقط شىء من ذلك؟ طبعا لا.. فكلها والحمد لله موجودة ومازالت تمارس عملها.. وهو ما يقودنا إلى الخطأ المنهجى الثانى الذى نحن واقعون فيه. هذا الخطأ هو أن البعض عندما يتحدث عن النظام السياسى يخلط بينه وبين الدولة. وكما يعرف دارسو القانون والسياسة فإن الدولة تتكون من عناصر ثلاثة؛ الإقليم والشعب والحكومة.. فهل- لا سمح الله- ضاع منّا الإقليم؟ أعوذ بالله.. وهل يتمنى عاقل ضياع أرض الوطن، إلا أن يكون خائنا أو مجنونا؟ طيب.. هل فنى الشعب؟ كيف ونحن ما شاء الله أصبحنا 90 مليونا، ونقترب من المائة عمّا قريب؟ فهل انهارت الحكومة؟ مستحيل، بل على العكس، فنحن مازلنا قادرين على تشكيل الحكومات كما ننتج أرغفة الخبز، وها نحن قد رأينا حكومة جديدة تهل علينا كل عشرة أشهر (فى المتوسط!) إذن.. لا النظام- بمعنى المؤسسات- سقط، ولا الدولة انهارت، ولا الشعب انتهى.. ولا حاجة خالص.. ( يعنى كله ماشى وزى الفل وعال العال).. وهنا ستسأل: وهل هذا مفيد أم ضار؟ هنا يقفز الخطأ الثالث: إن البعض يتصور أن المصلحة تقتضى هدم المعبد على رءوس كل من فيه، وتدمير كل شىء فى الدولة حتى يتم الإصلاح بعد ذلك (على نظافة).. وهذا تصور ساذج وصبيانى وغير قابل للتحقق أيضا.. وتعالوا نحسبها؛ إن عندك- كما قلنا- الجيش.. فهل من مصلحة المصريين الآن إصابة جيشهم بالضرر؟ هل يتصور عاقل مصر بلا جيش وهى التى ظل بقاؤها ومجدها وأمنها مرتبطا بوجود جيش قوى طوال العصور؟ ثم ألا يتكون هذا الجيش من ابنى وابنك؟ ثم نروح للداخلية.. هل من الصالح العام إضعاف جهاز الأمن عندك، فيخرج عليكم البلطجية والأفاقون والقتلة- من الداخل والخارج- فيخطفون أطفالكم، ويهينون نساءكم، ويحرقون منشآتكم؟ وقس على ذلك فى كل المؤسسات. ثم من ذا الذى يعمل فى تلك المؤسسات؟ أليس الشعب كله؟ فإذا خرجت أنت وخرّبت تلك المؤسسات ألست تخرب أكل عيشك دون أن تدرى؟ فهل من المعقول أن يريد الشعب إسقاط الشعب؟ يا ناس قولوا كلاما آخر كى نصدقكم وكفاكم ترديدا لشعارات فخيمة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. يعنى إيه؟ هات من الآخر.. وإدّينى الخلاصة. تريد الخلاصة؟ خذ عندك: ليس من المصلحة أبدا يا سادة الاستمرار فى تلك النغمة النشاذ الممجوجة بضرورة إسقاط أى شىء؛ لا النظام ولا المؤسسات ولا الدولة، ولا التفريط فى شبر واحد من إقليم الوطن.. وكفانا تهزيئا فى الحكومة ووزرائها فى الرايحة وفى الجاية، معتقدين أن تلك هى الثورة. فما المطلوب بالضبط؟ المطلوب البدء فى الإصلاح الهادىء الموزون المدروس، بدون عصبية أو مزايدات أو بطولات فيسبوكية عنترية توكشوهية فارغة. وإذا كان لدى أى أرزقى منّا( أو غلاوى غاضب حاقد) مصالح وقتية انتهازية ضيقة فلنؤجلها لبعض الوقت لأن الأجيال القادمة لن ترحمنا إذا- لا قدر الله- ضاع منا الوطن. تعالوا نبطل تلك الحكاية البايخة عن رغبة الشعب فى تحطيم النظام.. فالنظام هو نحن جميعا. هيا نهتف بعلو الصوت «الشعب يريد النماء والبناء والإعمار ووضع الأسس السليمة للمستقبل».. فقد شربنا إحباطا حتى شرقنا! لمزيد من مقالات سمير الشحات