مشكلة المصريين الآن أنهم يحاولون ألا يخافوا .. بينما هم اعتادوا دائما أن يخافوا .. إننا نشبه «المراهق» الذى يحاول أن يكون رجلا . . وما هو حتى الآن برجل .. لكنه أيضا لم يعد طفلا .. ومن ثم فلا هو بالطفل .. ولا هو بالرجل إنه «بين .. بين» .. نعم .. فنحن المصريين الآن فى مرحلة البين .. بين! وربما لم يدرك الكثيرون منا حتى الآن .. أن أهم ما أنتجته أحداث 25 يناير هو كسر حاجز الخوف (عفوا إن كنا نتحفظ فى اطلاق مصطلح ثورة على ما جرى فى يناير .. فالثورات لا تسمى كذلك إلا بعد سنوات طويلة من وقوعها!). قبل 25 يناير ما كان أحد يتصور ابدا أن يخرج الشعب الأعزل الغلبان على الحاكم .. فيسقط الحاكم. ابدا لم يحدث أن أسقط عوام الشعب فى مصر حاكما لهم .. كان الجيش هو من يقوم عنهم دائما بهذه المهمة .. وهذه المرة فوجيء المصريون بنجاحهم المدوى .. فدارت الرؤوس وانفلت الحبل على الغارب .. فأصبحنا نرى ما نراه اليوم من انفلات وتسيب وتجرؤ على القوانين والأعراف والأخلاق .. بل والدين! المشكلة لدى المصرى الآن (وهو للأمانة معذور فيها!) .. أنه لا يفرق بين الحاكم والدولة .. وكيف يفرق وهو المسكين الذى عاش لآلاف السنين مؤمنا بأن الفرعون هو الدولة .. والدولة هى الفرعون؟ .. واليوم ويا ألف خسارة ضاع منا الفرعون .. أو بالأحرى نحن الذين ضيعناه ونجحنا نحن العامة فى سجن فرعونين (مرة واحدة) .. فى سنتين اثنتين .. إنها قفزة غير مسبوقة فى التاريخ .. أن يسجن الشعب الفرعون وليس الفرعون هو الذى يسجن الشعب! (غريبة جدا!) ... آه! .. غير أن المقلب الذى شربناه هو أننا ونحن نسجن الفرعون ضيعنا معه الدولة .. فأوشكنا نحن أيضا أن نضيع! لكن ما الدولة؟ .. الدولة مؤسسات بينها خيط رفيع غير مرئى من العلاقات المتوازنة التى تضمن أن لا تجور مؤسسة على أخرى (وكل واحد يعمل شغله) .. فهل نحن عندنا مؤسسات أم مجرد مبان فخيمة .. وناس رايحة جاية على الفاضي؟ .. حتى مؤسسات الجباية والضرائب (التى أذهلنا نحن المصريين التاريخ بالإبداع فيها والتفنن فى عصر الفقير الغلبان حتى تطلع روحه لإخراج القرش من تحت ضروسه) .. لم نعد ناجحين فيها .. وإلا فقل لى كم من الذين عليهم ضرائب يدفعونها؟ والمصيبة الكبرى أو أم المصائب هى أن الميزان انقلب .. وبعد أن كانت الدولة (التى هى الآن ليست دولة!) .. تخيف الناس جميعا أصبحت هى التى تخاف .. وإذا خافت الدولة كل سنة وأنتم طيبون! .. إن الحكام فى تاريخ مصر كله انشأوا دولة حديدية مستبدة تقوم على الإرعاب والتخويف .. وما كان لهم أن يحكمونا إلا بهذا .. وعلى رأى عم محمود مرسى (عتريس) .. فإن «شيء من الخوف ما يضرشَ» .. غير أنك يا عم عتريس جعلتها كلها خوفا فى خوف حتى أن الولد كان يتجسس على أمه. والآن يتصور بعض المثقفين والمصلحجية والهليبة أن مصطلح «عودة الدولة» .. يعنى عودة دولة الخوف من جديد .. وهذا مستحيل .. لماذا؟ .. هل عمرك شفت مراهقا عاد إلى الطفولة من جديد؟ ..لا يمكن .. إن هذا ضد نواميس الحياة .. بل المنطقى أن هذا المراهق سيصبح رجلا عما قريب .. والرجال لا يخافون! يعنى إيه العبارة بالضبط؟ .. العبارة يا سيدنا أنه لا الدولة الخائفة .. ولا الشعب الخائف هما موضة هذه الأيام .. والمطلوب الآن البدء فى اقامة الدولة (الصح) التى لا يخشاها شعبها ولا تخشى هى شعبها .. لأنهما فى الواقع (الدولة والشعب) .. شيء واحد .. وكيف ومتى يتحقق ذلك إن شاء اللَّه؟. الموضوع سيأخذ وقتا .. بالضبط كما يستغرق المراهق وقتا كى يصبح رجلا. لكن هناك احتمالا آخر لا سمح اللَّه .. وهو ألا يكمل هذا المراهق دورة حياته أصلا، ويصاب لاقدر الله بفيروس فى كبده .. أو بثقب فى قلبه .. أو برصاصة طائشة من هنا أو هناك .. وساعتها لن يكون عندك مراهق .. ولن يكون عندك شعب .. فهل بدون الشعب تقوم الدولة؟ طبعا .. المصلحجية إياهم .. والهليبة .. والذين يأكلونها «والعة» .. والمطبلاتية و كذابو الزفة .. الذين يعومو ن فى المهلبية، ولايعرفون شيئا عن عظام الدجاج التى يمصمصها الغلابة .. كل هؤلاء لن يعنيهم هذا المراهق فى شيء .. ولماذا يهتمون به .. وهو قد جاء ليشاركهم لقمتهم السخيَّة؟ .. إنهم حتما سيسعون لوأده بكل السيبل .. وهذا ما نراه الآن! .. محاولات مستميتة لإعادة دولة الخوف .. بينما الدولة الآن ياعيني! .. خائفة .. وما الحل يا كابتن؟ الحل .. أوقفوا جريان نهر الخوف فى حياتنا .. لا الحاكم يخاف الناس .. ولا الناس يخافون الحاكم .. لا الشرطة تخاف الناس .. ولا الجماهير تخاف الشرطة لا خوف بعد اليوم. وعلى فكرة الارهاب (لأنه ارهاب) .. يقتات على الخوف .. فهيا نجفف معا منابع الارهاب فينا أولا! لمزيد من مقالات سمير الشحات