خالد جلال حالة فنية خاصة.. فهو يسير على درب العظماء زكى طليمات وعبدالرحيم الزرقانى وكرم مطاوع وسعد أردش فى البحث عن المواهب الحقيقية واكتشافها وتبنيها الدائم بالتوجيه والرعاية فى وقت يقل فيه وجود الأساتذة الذين يؤثرون تلاميذهم على أنفسهم.. وهو أيضا صاحب أسلوب خاص فى الإخراج المسرحى يقلده البعض دون أن يصل أى منهم إلى تألق وبريق الأمل. ولعل أسلوبه قد تبلور بشكل حاسم فى مسرحية «قهوة سادة»، التى استطاع من خلالها أن يقدم قالبه الدرامى المفضل، وهو اللوحات المتناثرة كقطع الفسيفساء التى تبدو لأول وهلة غير مترابطة، ثم يتضح الخيط الرفيع الذى يجمع تلك اللوحات، وتظهر رسالة المخرج للمشاهد واضحة قوية فى نهاية العرض كانت رسالته فى «قهوة سادة» تبكى على الماضى الجميل وتنعى التردى والانحدار فى كل المجالات وتدعونا لاحتساء فنجان قهوة سادة على القيم والمبادئ والوطنية والحب وربما تدعو دون تشنج إلى ثورة على النفس وثورة على الواقع المعيشى، وفى أين أشباحى، رغم أن العرض يعتمد على الرقص والتعبير الحركى، إلا أن الرسالة كانت واضحة بمقاومة الخوف والأشباح التى تسكن قلوبنا وعقولنا. وفى بعد الليل يحاول اكتشاف جذور المشكلات الاجتماعية وطرحها على قبحها فى مرايا شخوص العرض.. أما مسرحيته الأخيرة «هاملت المليون» التى عرضت ليوم واحد فقط على مسرح الأوبرا الكبير بإنتاج ضخم لإحدى الجامعات الخاصة، فهى بحث فى الهوية المصرية ورفض لكل الأشكال المستوردة من الفنون التى تبدو فى ظاهرها مبهرة دون أى محتوى حقيقى، والفكرة مهمة وجميلة من خلال برنامج تليفزيونى يعطى جائزة مليون دولار لمن يقدم مسرحية «هاملت» برؤية جذابة تحوز تصويت المشاهدين وهنا نكتشف أن التصويت لا يعنى بالضرورة اختيار الأفضل أو صاحب الموهبة الأهم كما أن القناة التى تقدم البرنامج من حقها أن تبحث عن البهارات وتختلق الصراع بين المتسابقين لتزيد من سخونة الحلقات، وبالتالى تدفق الإعلانات والأموال.. ورغم جمال الفكرة ومواكبتها لسعار برامج المسابقات الحالية، إلا أن الشاعر الموهوب الدكتور مصطفى سليم قد انحاز فى كتابته إلى جانب الاستعراض الغنائى على حساب الحوار حتى بدت الدراما الأصلية مجرد فواصل قصيرة بين لوحات الرقص تسير على وتيرة واحدة ولا تأخذ المشاهد خطوة إلى الأمام فى تسلسل الأحداث الدرامية.. ولعل المخرج المبدع خالد جلال قد جانبه الصواب فى وضع المقادير، ربما طمعا فى تقديم عشرة رؤى مختلفة لمسرحية «هاملت» داخل عرض واحد.. وفى تقديرى أن بعض هذه الرؤى بدت متشابهة فى المضمون مثل الرؤية التركية والهندية، فكلاهما تشيران إلى فكرة الغزو الثقافى الأجنبى، وكذلك رؤية الحكى الشعبى شديدة الشبه بالرؤية الصعيدية، وكان من الأوفق اختزالهما فى لوحة واحدة، ونجح المخرج فى ممارسة هوايته بتقديم نجوم جدد على درجة كبيرة من الموهبة والحضور الفنى لعل أبرزهم نديم هشام الذى تألق فى دور «هاملت» بجميع مراحله، وسارة مجدى التى لعبت دور مطربة الأوبرا بخفة ظل مبهرة، ومحمد ماضى الذى قدم نذالة وخبث الملك كلوديوس بطريقة أثارت إعجاب الجماهير، وريم أحمد التى مثلت نموذج أوفيليا فى مختلف الأزمنة والأماكن، وحازم إيهاب مذيع البرنامج الذى يشبه بالفعل نموذج المذيع اللبنانى الوسيم والخاوى من الداخل.. كما تألق فريق المبدعين المعاونين للمخرج، حيث قدم هيثم الخميسى أغانى رائعة ساعده عليها جمال وبساطة كلمات الدكتور مصطفى سليم، وربحت الدكتورة مروة عودة جائزة «هاملت المليون» فى عمل تصميمات ملابس أكثر من رائعة، بينما استغل حازم شبل اتساع خشبة مسرح الأوبرا الكبير ليقدم خيالا بديعا لديكورات متنوعة بحسب تنوع المشاهد، وتألق الفنان محمد نور كعادته فى تصميم عرائس الماريونيت، وأيضا الدكتور مجدى صابر الذى وجد فرصة كبيرة لتصميم رقصات مختلفة جميلة ورشيقة.. ولعل هذا العرض يستحق أن يقدم لموسم كامل، فليس من الحكمة تخصيص هذا الإنتاج الضخم فقط من أجل ليلة واحدة، وأثق أن الفنان خالد جلال لديه حلول سحرية لتوصيل رسالته بإيقاع أسرع دون إطالة أو تكرار.