لن ينسي كل عربي موقف البابا شنودة الثالث الرافض للتطبيع مع إسرائيل, واصراره علي عدم السماح للأقباط بالسفر إلي القدس ومقولته الشهيرة بأننا لن ندخل القدس إلا مع إخواننا المسلمين بعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي. لذلك تحول العزاء في وفاة البابا شنودة إلي قمة عربية من نوع خاص تعكس التقدير العربي لهذه المواقف القومية, وكانت أول برقية عزاء تصل إلي مصر في يوم الوفاة نفسه من السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان الذي أشاد بمواقف البابا الوطنية, تلتها برقيات من كل الزعماء العرب, وحضر مسئولون من عدة دول عربية مثل البحرين وقطر والكويت والإمارات ولبنان وفلسطين لتقديم العزاء بأنفسهم. ووصف السفير خليفة بن علي الحارثي سفير سلطنة عمان خلال تقديمه العزاء باسم حكومة السلطنة البابا شنودة بأنه فقيد كل العرب, وليس مصر فقط, مشيدا بمواقفه الداعية للتسامح. بينما بكت الشيخة فريحة الأحمد رئيسة لجنة الأم المثالية بالكويت خلال العزاء, وهي تشرح كيف كان البابا شنودة دائما يوصيها خيرا بالجالية المصرية في الكويت, وتذكر الشيخ حسن علي جوجو رئيس مجلس القضاء الشرعي الفلسطيني مع الحاضرين كيف كانت مواقف البابا المساندة للقضية الفلسطينية سببا في انزعاج السلطات الإسرائيلية. لكن الأبرز كان المقال الذي كتبه الأمير الحسن بن طلال مؤسس ورئيس منتدي الفكر العربي في إحدي الصحف الأردنية, وأشار فيه إلي أن البابا شنودة كان مدركا أن هناك من يراهن علي إفراغ المنطقة من أبنائها المسيحيين, وتصدي لذلك, ففوت الفرصة علي من يروج لصورة قائمة ومغلوطة للمسلمين كجماعات متعصبة, وغير قادرة علي التعايش مع غيرها, الأمر الذي تروج له الطروحات الصهيونية التي تجعل من إسرائيل واحة الديمقراطية في المنطقة. لقد طغت عروبة البابا شنودة علي مواقفه الوطنية, وخاصة تلك التي تتعلق بالمؤامرات الإسرائيلية علي الأمن القومي العربي, فاحتل هذا الموقع المتميز في قلب الأمة العربية. المزيد من أعمدة فتحي محمود