العاصفة من أواخر أعمال شكسبير المسرحية, كتبها عام 1611 وهو في السابعة والأربعين من عمره، وعلي الرغم من أنه كتب قبل وفاته بمشاركة صديقه الشاب جون فلتشر مسرحيتين أخيرتين, إلا أن النقاد والمؤرخين يتوقفون عند العاصفة ويعتبرونها خاتمة لأعماله الكبرى؛ كلمته الأخيرة التي وضع فيها وصيته الفكرية والسياسية، لما تحمله من خلاصة عبقريته الشعرية وتجربته الإنسانية ونظرته إلى الحياة, كما تبدت في معالجته قضية القدر والإرادة الإنسانية من خلال عرضه داخل الحبكة الدرامية لبعض القضايا التي شغلت عصره؛ كالإنسان في مواجهة الطبيعة، والبحث عن عالم أفضل، والسلطة الحاكمة في بغيها وطغيانها وفي عدلها وحكمتها، وسطوة الدين على سلوك البشر، والمعرفة وحدودها. يقول يان كوت في كتابه "مُعاصرنا شكسبير": "العاصفة هي سيرة شكسبير الذاتية وخلاصة مسرحه، هي مأساة الأوهام الضائعة والحكمة المرّة والأمل الهشّ والعنيد في الآن نفسه". تعد العاصفة المسرحية الوحيدة المتفائلة في مسار شكسبير فى مرحلة الأعمال الكبرى, وهى كالقصيدة تتحرك علي مستوي الحدث والرمز طيلة الوقت؛ بدءا من مشهدها الاول الذي يجعل من العاصفة قوة طاغية تهدد حياة الكثيرين، حتي يتحكم فيها الرمز الآخر بروسبيرو البطل الساحر الطيب ليجعلها وسيلة لا للانتقام والقتل والتدمير، بل للمصلحة والميلاد الجديد والحب. الشخصية المحورية في العاصفة هي شخصية بروسبيرو دوق ميلانو البطل الذي يحرك كل الأحداث متسلحا بمعرفته الهائلة بالسحر، وأبطال المسرحية بشر تائهون بعد أن ألقت الأمواج بسفينتهم على ساحل الجزيرة المهجورة التي عاش عليها بروسبيرو وابنته ميراندا بعد ما طمع أخوه أنطونيو في مملكته واستولى على عرشه وماله وقصره وطرده بعد ذلك مع طفلته الوحيدة بعيداً في قارب تحت رحمة الرياح والأمواج العابثة. تصوّر المسرحيّة خلال فصولها الخمسة صراع البطل ضدّ كل من خانه بمساعدة بعض الكائنات والأرواح العليا والسفلى التي طوعها بفضل سحره التي مكنته من السيطرة علي الأذهان والطبيعة مثل: إيريال، روح الهواء ونفَسُ الحياة، وكاليبان رمز الأرض والعنف والموت. تبدأ المسرحية بإثارة إيريال- بأمر من سيده- لعاصفة أغرقت السفينة التي تحمل الثالوث الخائن لبروسبيرو الدوق الشرعي لنابولي : ألونسو ملك نابولي، وأخوه سيباستيان وأنطونيو، ومعهم فرديناند ابن ألونسو والعجوز الوفي جونزالو، ومع وصول هؤلاء تبدأ أحداث المسرحية والتي تتمثل فى إخضاعهم لعدة اختبارات من أجل كشف الحقيقة ومن أجل تطهيرهم. وفي النهاية يصفح الدوق عن كل من خانه ويزوّج ابنته لفرديناند ويعتق كلا من إيريال وكاليبان، ويتخلى عن السحر بعد استعاده مملكته. رحلة العاصفة ليست مغامرة ماديّة ، بقدر ما هي رحلة روحيّة. هي رحلة لاكتشاف الذات، ومغامرة ليس لها من قبله سوى أعماق النفس حيث القوّة والضعف في صراع متّصل. يقدّم لنا شكسبير رؤيته للإنسان، وتشوّقه لعالم يتجدّد فيه البشر والأرض داخل منظومة كونيّة قابلة للتجدّد هي أيضا. وهو واقع يجعل الإنسان قادرا على وضع العالم بين يديه، بدل تدميره وإذلاله مثلما اعتاد أن يفعل.