أثبتت الأكثرية البرلمانية, الحزب الحرية والعدالة ديكتاتوريتها وهي تضع أسس اختيار أعضاء الجنة المائة أو- كما نحب تسميتها- الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور فقد ضغطت وقررت ان يكون نصف العدد من مجلس الشعب والشوري, وبما أن الأكثرية. تمثل أكثر من أربعين في المائة من المجلس الأول وأكثر من سبعين في المائة من المجلس الثاني, فإنها ستحوز علي أكثر من نصف عدد ممثلي المجلسين في جمعية الدستور- أي ما بين ثلاثين وخمسة وثلاثين عضوا, فإذا أضفنا بقية القرار وهو أن يكون نصف أعضاء الجمعية من خارج البرلمان.. ووضعنا في الاعتبار ان البرلمان ستكون له كلمته في الاختيار فإنه أيضا سيختار نسبة كبيرة من هؤلاء المنتمين لنفس التيار.. وبهذا يطغي أعضاء وإتباع تيار معين علي جمعية- أو لجنة وضع الدستور, مما يصيب هذه الوثيقة بالعوار!! واذا كان ذلك كذلك.. فإنه من حق القوي الوطنية والفكرية والثقافية في مصر, أن تعلن غضبها علي هذا الذي يجري, لأنه يعبر بوضوح وصراحة عن فكر الأكثرية وهو: أنه مهما قلتم.. فإننا سنفعل ما نريد! الأمر الذي يعيد الي الأذهان ممارسات الحزب الوطني وتعنته وممارسته الديمقراطية التي ارتدت أزياء ديمقراطية مبهجة!! ومن هنا نجد حتمية في ابداء رأينا والتحذير بشدة.. إنطلاقا من استشعارنا بالخطر ودرءا لما يمكن ان يحدث من تداعيات فإن الحالة الثورية التي بدأت مع الخامس والعشرين من يناير لا تزال مشتعلة متوهجة وما أظن ان الشعب- وقد انهارت من حوله حواجز الخوف وجدران الصمت- يمكن ان يتقبل هذا بسهولة. فهو يعرف ويدرك انه اذا كان الاعلان الدستوري قد نص علي أن الأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري ينتخبون- ويختارون- لا فرق بين الكلمتين- أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.. فإن هذا معناه ان المجلس الأعلي للقوات المسلحة- مشكورا- لم يعط هذا الحق لنفسه.. ثم انه اذا كان قد أعطاه لأعضاء البرلمان فإن هذا لا يعني ان يختاروا أنفسهم وينتخبوا ذويهم!! وإذا احتكمنا الي المنطق والي الممارسات البرلمانية- ونحن بلد عرف البرلمان منذ نحو قرن ونصف قرن من الزمان- نقول إن تكليف أعضاء البرلمان بمهمة مثل هذه فإن عليهم أولا ان يستبعدوا أنفسهم, وثانيا ان يستمعوا لنبض المجتمع ويتعرفوا علي آرائه,ثم يترجمون هذا إلي قرار اختيار أفضل أبناء الشعب عن طريق آليات محكمة لا شبهة فيها! إن الدستور- هكذا اتفقت كل آراء الفقهاء والخبراء والمثقفين وتجارب الدول- يعبر عن المجتمع كله بتياراته الفكرية والسياسية وأطيافه الدينية والعرقية بل وأيضا بمناطقه الجغرافية المختلفة.. وينبغي أن يكون لكل هؤلاء وغيرهم تمثيلهم الحقيقي.. ولا يجوز أن يكون للبرلمان تمثيل قوي في هذا الشأن.. لأنه إحدي المؤسسات التي سيعالجها الدستور ويحدد سلطاتها, فكيف يحدث هذا بموضوعية إذا كان البرلمانيون- خاصة الأكثرية- سيشاركون بقوة؟! وكيف سيكون رأيهم موضوعيا بينما هم بالطبيعة البشرية.. يسعون الي المزيد من السلطات والصلاحيات؟! ثم.. اذا كان تيار معين هو الأكثرية الآن في البرلمان.. فهل يضمن ان يكون هو.. كذلك بعد خمس سنوات؟.. وماذا إذا جاءت اكثرية أخري؟! أم.. انه يريد التمهيد ليستمر ويواصل الاستحواذ؟! وهنا أقول بصراحة ان رأيا قويا يسود الشارع السياسي المصري الآن يقول ان الاخوان المسلمين- والتيار الديني عموما- جاءتهم فرصتهم التاريخية- أخيرا.. ولذلك فإنهم استخدموا الديمقراطية سلما للصعود الي السلطة ثم بعدها سيركلون السلم ليقع حتي لا يصعد غيرهم! ويستمرون هم الي ما شاء الله, ولذلك فهم اكثر حرصا علي صياغة الدستور حسب رؤيتهم! وفي المناقشة الموضوعية.. فإنه لم يحدث في العالم ان قام البرلمان- في أي دولة- بوضع الدستور.. وفي مصر لم يحدث هذا من قبل!! وفي الحالة الراهنة بالذات.. فإن هناك خطر الحكم ضد البرلمان.. بعدم دستورية انتخابات مجلسي الشعب والشوري, اذ نص الاعلان ان يكون نصف العدد بالقائمة والآخر بالنظام الفردي.. لكن التأثير الحزبي نجح في ان يجعل القسمين متساويين.. وجري إقامة الدعوي بالطعن وعدم الدستورية أمام المحكمة الادارية العليا وبدا انها انحازت الي هذا ولكنها أحالت الدعوي الي المحكمة الدستورية العليا.. فماذا اذا صدر الحكم- وهو متوقع- بعدم الدستورية؟ وهل يمكن ان يصدر دستور كانت نسبة كبيرة من المشاركين في وضعه.. من أعضاء صدر الحكم بعدم دستورية انتخابهم؟ و.. نعود ونقول.. ان الوثيقة الدستورية هي أساس البناء الديمقراطي والمستقبلي لمصر, ومن المأمول والمنشود, أن تستمر لسنوات طوال بغير قلق وبغير طعون وبكل الرضا والاطمئنان.. ويتحتم من أجل هذا أن نعطيها كل الاهتمام وأن يشارك في وضعها الجميع- ولا ننسي المرأة والشباب- حتي يصبح دستور مصر الثورة.. راية تقود الي التقدم.. ونموذجا نباهي به. ويباهي بنا.. وكل الرجاء أن تتكاتف القوي الوطنية لتضغط وتتخذ موقفا حاسما.. وان ينفذ البرلمان.. حكمة ان الرجوع الي الحق فضيلة.. وان الكلمة حق.. المزيد من مقالات محمود مراد