حسابات سرية فى سويسرا..عاصفة نزاع عائلية..مشكلات عنصرية فى معسكراليمين..هكذا تنهال حزمة المصائب على حزب الجبهة الوطنية المحسوب على اليمين المتطرف والمعروف ب FN فى فرنسا. والحزب الذى أسسه جون مارى لوبن -الزعيم البالغ من العمر حاليا 80 عاما- على أساس من المبادئ الضبابية فى السبعينيات من القرن الماضى أعلن وقتها..أنه ينتمى إلى معسكر اليسار اجتماعيا، ويتبنى أفكار اليمين سياسيا، ويؤمن بالقومية كانتماء وطنى. إلا أنه سرعان ما اتخذ منحى آخر، خاصة أن حزبه فى تلك الأونة لم يحقق أى شعبية،لينجرف إلى أفكاره الأساسية والتى ميزته منذ أن كان عسكريا فى الجيش الفرنسى، حيث عرف بسلوكه وميوله العنصرية والمتطرفة أثناء حرب الجزائر. ومنذ ذلك الحين وحتى وقتنا هذا تتذبذب شعبيته الحزب مابين 15و30%،ولايخفى على أحد أن زيادة شعبيته مكنته من تحقيق نجاحات ومكاسب تحسب لوريثة الزعيم المؤسس للحزب، وهى ابنته مارين لوبن،ليس فقط من حيث كسب قاعدة شعبية تسببت فى صداع حاد للساحة السياسية، إنما أيضا جعلت المراقبين يتوقعون إمكانية وصولها للإليزيه فى الانتخابات الرئاسية المقبلة2017، وهو مافشل فى تحقيقه والدها أمام جاك شيراك فى الماضى. والمعروف أن مارين لوبن خرجت من عباءة والدها فى 2011، وعندما اختارها أعضاء الحزب خلفا له، تمكنت من وضع الجبهة الوطنية فى المكانة الثالثة على خريطة الأحزاب الفاعلة فى سياسة فرنسا، بعد أن كان يستحوذ عليها فى الماضى حزبان..اليمين الجمهورى المعروف ب"الاتحاد من أجل حركة شعبية"(UMP)، والاشتراكى الحاكم حاليا والمعروف ب(PS). إلا أن العاصفة التى تجتاح الجبهة الوطنية منذ أبريل الماضى قد تعيد ترسيم الخريطة السياسية وتغير من حجم شعبية لوبن الابنة، التى قد تذهب بمعاداة والدها إلى حد انقسام الحزب، ففى أخر تطورات فاجأت مارين لوبن اتباع الجبهة الوطنية بالهجوم الشرس على والدها الزعيم الشرفى للحزب، واعتزمت تقديمه للمحاكمة أمام مجلس الحزب التنفيذى، ليس هذا فقط بل جردته من مكانته كرئيس شرفى ومنعته من التحدث باسم الجبهة مطلقا، وذلك على خلفية تصريحات له عنصرية ومعادية للسامية.. وبالطبع كان وقع صدمة ما اعتزمت لوبن القيام به، وأيدها فيه نخبة عريضة من الحزب، قويا على جون مارى لوبن، ولكنه لم يستسلم بل ظل يهاجمها. ولم يخف رغبته وتمنياته بعدم فوزها بالرئاسة التى تطمح إليها، وهو أمر سيلقى بظلاله بلا شك على شعبيتها على الأقل بداخل الحزب. وما يزيد البلة طينا تفجر فضيحة الحسابات السرية للزعيم التاريخى للجبهة الوطنية، حيث تسرب عن فرقة مكافحة التهرب الضريبى وغسيل الأموال بفرنسا أخبار تشير إلى امتلاك جون مارى لوبن حسابات سرية فى مصرف - الهالفاتيك – بسويسرا وقيمتها تفوق 2 مليون يورو،وقيل إنه قد تم تحويلها إلى جزر الباهامز المعروفة بانها جنة التهرب الضريبى على المستوى العالمى.. فضلا عما ورد عن هيئة الشفافية المالية بأن لوبن لم يفصح عن الحجم الحقيقى لممتلكاته وحجم مكاسبه المالية مابين عامى 2009 و2014 التى فاقت المليون يورو، كما لم يوضح مصدر هذا الدخل. ولكى تكتمل حلقة الفضائح التى تصب على جبهة اليمين المتطرف أثار روبير مينار - أحد نواب الحزب الذى يشغل منصب عمدة بمدينة بيزييه الفرنسية - جدلا شديدا حول إحصائية يقوم بها فى مدينته على أساس عرقى طائفى، وهو ما يمنعه القانون الفرنسى منذ اعتماد مبادئ العلمانية بالبلاد فى 1905. حيث أعلن النائب المتطرف أن نسبة المهاجرين المسلمين وصلت إلى 64,6% من نسبة السكان الفرنسيين الأصليين بمدينته، موضحا أن الفرنسيين لم يعودوا يشكلون إلا ربع السكان، بمعنى أن نسبة المسلمين فى تزايد، وهو مايدق ناقوس الخطر ويجعل الفرنسيين أقلية فى وطنهم. وبالطبع هو يضرب عصفورين بحجر ليزيد من مخاوف الفرنسيين،ويجذبهم للانضمام لمعسكره بغية مكافحة الهجرة والحفاظ على الهوية. ويذكر أن ما أثار غضب المجتمع هو أن روبير مينار- الرئيس السابق لجمعية مراسلون بلا حدود- يطبق مبادئ حزب لوبن وأفكاره المتطرفة ببلدة بيزييه منذ أن تولى رئاستها فى 2014 ،فعلى خلاف قوائم التعداد الطائفى المثيرة للجدل لأطفال المدارس، فهو يرفض تقديم وجبات حلال لأبناء المسلمين بالمداس، ويحاول بشتى الطرق مكافحة كل المظاهر الإسلامية بمدينته، على سبيل المثال لا الحصر، عدم السماح ببناء المساجد، كذلك عدم السماح بفتح محال للجزارة الإسلامية كالمعتاد بالبلدة يوم الأحد، هذا بالإضافة إلى العديد من الأفعال التى يصنفها البعض بالتميز العنصرى تجاه الوجود الأجنبى المسلم، إلا أن البعض الآخر يعتبرها راديكالية.. فقد سبق له - مثلا - أن طبق حظرا للتجوال للأطفال القصر بعد الثامنة مساء فى محاولة لمكافحة التسول والجريمة، هو أمر اتفق الكثيرون عليه، بالإضافة إلى منع السكان - وهم من المهاجرين العرب - من نشر الملابس على النوافذ، وهذا أيضا إيجابيا للحفاظ على جمال المدينة.. ولكن لم يتفق معه أحد فى حملة التخويف والرعب التى اعتمدها منذ تنصيبه عمدة للبلدة الواقعة فى جنوب غرب فرنسا بإطلاقه حملة دعائية، تجعل من مسدس عملاق "الصديق الجديد" للشرطة فى بالمدينة، حتى قيل وقتها إن مينار يُعلم المهاجرين الأدب. والواقع أنه يطبق صميم مبادئ الحزب المتشدد إلا أن الزعيمة مارين لوبن الطامحة فى الوصول للإليزيه فى 2017، تريد أن تظهر بمظهر مختلف عن والدها الذى يخيف المجتمع بأفكاره العنصرية، فهى لا توافقه فى تبنى بعض المبادئ كرغبته فى إعادة تطبيق عقوبة الإعدام،-وللتذكير- توقفت فرنسا عن تطبيق أحكام الإعدام بمبادرة من الرئيس الاشتراكى السابق فرانسوا ميتران. بالإضافة إلى أن مارين لاترغب فى اعتماد مبدأ معاداة السامية والتشكيك فى المحارق اليهودية،إلا أنها تتفق معه على طول الخط فيما يخص مكافحة الهجرة والوجود الإسلامى على الأراضى الفرنسية ولطالما ناهضت بناء المساجد،وترفض رفضا قاطعا قيام المسلمين بالصلاة فى الشوارع امام المساجد يوم الجمعة-مثلا-وسبق لها القول بان صلاة المسلمين فى الشوارع تشبه الاحتلال النازى لفرنسا،وتكرر لها التفوه بمعارضة ما اسمته"اسلمة" فرنسا،فضلا عن انها معارضة للاتحاد الاوروبى ومحملة اياه العواقب الوخيمة لفتح الحدود التى جعلت من فرنسا جنة للهجرة غير الشرعية،كما انها تحمل الاتحاد الاوروبى عبء الازمة الاقتصادية التى تمر بها فرنسا،وتعارض وبشدة العملة الموحدة للاتحاد. وبالطبع ان مايحدث من تطورات على جبهة اليمين المتطرف،واليمين التابع للرئيس السابق نيكولا ساركوزي،قد يلقى بظلاله ايجابيا على امكانية اعادة اختيار الاشتراكيين لحقبة رئاسية ثانية،رغم ما تعانيه الاحوال الاقتصادية من عدم استقرار،وهو عكس تصريحات وزير المالية ميشيل سابا،الذى أعلن مؤخرا عن ارتفاع حجم النمو،وكذلك على خلاف ما توضحه مؤشرات التزايد المتتالى فى البطالة،بالاضافة الى الكوارث التى تظهر من حين لاخر ومنها اعلان شركة اريفا الفرنسية مؤخرا عن تسريح مايقرب من 4000 عامل. ولايخفى المراقبون توجسهم من انفجار الوضع بفرنسا كغيرها من دول الغرب حال استمرار الوضع هكذا،من منطلق انهم يرون ان ثمة نقص فى العدالة الاجتماعية تصيب هذه المجتمعات،معللين ذلك بأن هناك مديرين ورؤساء مجالس ادارة لشركات وطنية فرنسية يصل حجم رواتبهم الشهرية الى 300،000 يورو شهريا-مثلا-،فى الوقت الذى يعانى فيه 30 مليون نسمة-تقريبا-من تدنى فى مستوى المعيشة والسكن.