"أداء كارثي" لحزب العمال، و"إنهيار كامل" للإحرار الديمقراطيين، و"تسونامي قومي" يكتسح اسكتلندا، هذه عناوين ثلاث يمكن أن تلخص المشهد السياسي في بريطانيا أمس بعدما حقق حزب "المحافظين" بزعامة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون فوزا كبيرا لم يتوقعه أحد، حيث نال عددا من المقاعد أكبر مما حصل عليه في انتخابات 2010 وهى المرة الاولى منذ 1983 التي يفوز فيها حزب حاكم بمقاعد اكبر عند إعادة انتخابه. ويتجه "المحافظون" الأن لتشكيل حكومة أغلبية دون الحاجة لدعم إيا من الأحزاب الأخرى. نتائج لم يتوقعها حتى أكثر "المحافظين" تفاؤلا، لدرجة أن الكثير من المعلقين السياسيين شبهوا فوز المحافظين أمس في دراماتيكية، بإطاحة رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر عام 1989، وإكتساح "العمال" بزعامة توني بلير لإنتخابات 1992. فما الذي حدث وكيف كانت استطلاعات الرأي التي أشارت إلى نتائج متقاربة خاطئة لهذه الدرجة؟ الإجابة يمكن تلخيصها مبدئيا في عدة نقاط: أولا: "الاقتصاد": حمل الاقتصاد المحافظون ل 10 دواننج ستريت مرة أخرى. فرغم الانتقادات الكثيرة لإداء حكومة كاميرون، إلا أن الأرقام تشير إلى ان بريطانيا تشهد أعلى نسبة نمو إقتصادي في اوروبا.واستطاع المحافظون خفض الدين الخارجي لنحو النصف وأنخفضت معدلات البطالة أيضا. وعلى مدار الحملة الانتخابية، أظهرت كل استطلاعات الرأي إلى ان البريطانيين يثقون في الخطط الاقتصادية لحكومة كاميرون أكثر مما يثقون في خطط "العمال". وفي النهاية هذا ما قاد المحافظين للفوز. ثانيا: في الدوائر غير الأمنة المتأرجحة بين "العمال" و"المحافظين"، حقق "المحافظون" نتائج أفضل بكثير مما توقعوا. فبرغم استطلاعات الرأي التي كانت تشير لتقارب بين الحزبين، إلا ان "المحافظين" لم يحصلوا فقط على العدد الأكبر من المقاعد، بل على العدد الأكبر ايضا من الأصوات الشعبية. ثالثا: تسونامي "الحزب القومي الاسكتلندي".وكلمة تسونامي استخدمتها هيئة الاذاعة البريطانية التي لا تميل عادة لهذه التشبيهات. لكن "تسونامي" هى الكلمة الوحيدة التي تفسر ما حدث في اسكتلندا. ف"العمال" خسروا 40مقعدا في اسكتلندا وحدها لصالح "القومي الاسكتلندي"، الذي حصل على 56 مقعدا من أصل 59 مقعدا. لا تفسر الخسارة في اسكتلندا النتائج الهزيلة التي حققها "العمال" على مستوى كل بريطانيا، فهم أيضا خسروا مقاعد في ويلز وانجلترا. لكن المقاعد التي خسروها في اسكتلندا ستعيد رسم المشهد السياسي في بريطانيا. وقد تنهي وجود "العمال" في اسكتلندا نهائيا. رابعا: الأحرار الديمقراطيون عانوا من ليلة سيئة بكل المعايير. فقد خسروا 46 مقعدا. والمفارقة أن الكثير من أصواتهم ومقاعدهم ذهبت ل"المحافظين" الشريك معهم في الإئتلاف الحكومي. فقد دفعوا ثمن التحالف مع "المحافظين" من قواعدهم الشعبية التي تميل غالبا ليسار الوسط، ولم ينالوا دعم يمين الوسط الذي كان البعض يتوقعه بسبب أدائهم الجيد في الحكومة الائتلافية. خامسا، هناك الكثير من التهكم والسخرية من مراكز استطلاعات الرأي التي ظلت تشير حتى أول من أمس لنتائج متقاربة جدا وربما برلمان معلق. لكن الحقيقة أن أغلب الاستطلاعات كانت تشير ايضا إلى ان ناخب من أصل 4 ناخبين لم يكن قرر رأيه حتى ليلة أول من أمس، إي نحو 25% من الناخبين. وعلى ما يبدو فإن غالبية هؤلاء صوتوا لحزب المحافظين على اعتبار أنه يؤتمن على الاقتصاد أكثر من غيره من الأحزاب. لكن هذا الفوز الانتخابي الكبير للمحافظين لا يخلو من تحديات. على رأسها: 1- معضلة الإستفتاء على البقاء أو مغادرة اوروبا. فكاميرون سيكون عليه الان في المقام الاول البدء في محادثات مع الاتحاد الاوروبي من أجل تغيير بعض القوانين التي تراها بريطانيا تدخلا من بروكسل على حساب البرلمانات الوطنية المنتخبة. وعليه ايضا ان يفي بوعده الانتخابي ويجري استفتاءا شعبيا عام 2017 حول بقاء بريطانيا أو مغادرتها الاتحاد الاوروبي. هذا الملف سيكون أكثر الملفات صعوبة في حكومة كاميرون الثانية. 2- معضلة اسكتلندا. هذا تحدي أخر لحكومة كاميرون. فبعد الفوز الكاسح ل"القومي الاسكتلندي"، سيحاول الاسكتلنديون الحصول على بعض الصلاحيات من برلمان ويستمنستر لبرلمان اسكتلندا، على رأسها الميزانية. لكن هذا لن يكون سهلا على كاميرون لان عليه ان يأخذ مصالح بريطانيا كلها في الاعتبار. لكن في كل الحالات سيكون على كاميرون بناء علاقات عمل مع "القومي الاسكتلندي". فغالبية الاسكتلنديين كما تشير أخر الاستطلاعات لا تريد الانفصال عن بريطانيا، لكن إذا تشددت حكومة المحافظين حيال مطالبهم، فإن هذا قد يفتح إمكانيات إجراء استفتاء اخر في اسكتلندا للإنفصال عن بريطانيا بحلول 2016.