أبدت الصين اهتماما كبيرا بالاحتفال بالذكرى ال60 لانعقاد المؤتمر الآسيوى - الافريقى الأول فى مدينة باندونج الإندونيسية، تمثل فى حرص الرئيس «شى جين بينج» على حضور القمة والمشاركة فى مسيرتها الرمزية، وطرحه مبادرته ل «مواصلة روح باندونج»، لكن على الطريقة الصينية، التى تجعل الاقتصاد فى المقدمة، وترفع شعار «الكسب المشترك» والتنمية والتكامل الاقتصادى. ففى حين تبنى المؤتمر الآسيوى الإفريقى الأول - الذى عقد فى الفترة من 18 إلى 24 ابريل عام 1955 بمدينة باندونج الإندونيسية بحضور قادة وزعماء من 29 دولة - 10 مبادئ كانت معظمها سياسية، بعد مناقشته لقضايا الاستقلال والسلام والتعاون بين دول القارتين، وهو ماتم البناء عليه لتأسيس حركة عدم الانحياز عام 1961 من الدول التى حضرت المؤتمر، بتفكير واتفاق من الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، والرئيس اليوغوسلافى جوزيف تيتو، جاءت قمة باندونج الاحتفالية لتؤكد أن العالم تغير، وأن المعركة الحقيقية أمام الدول الآسيوية والإفريقية هى معركة التنمية والتكامل الاقتصادى وتحرير التجارة فيما بينها. وأخذت الصين زمام المبادرة، لتحقيق ما أطلق عليه الرئيس الصينى «مواصلة روح باندونج»، المتمثلة فى التضامن والصداقة والتعاون، داعيا الدول الآسيوية والإفريقية إلى العمل معا لتعزيز بناء مجتمع ذى مصير مشترك للبشرية جمعاء، وكشفت النقاط الثلاث التى اقترحها شى جين بينج لتحقيق هذه الرؤية عن أن الاقتصاد تقدم على السياسة، حيث تحدث فى النقطة الأولى حول ضرورة تعزيز التعاون الآسيوى - الإفريقى، مقترحا أن تسعى الدول فى القارتين إلى تحقيق تنمية مشتركة تقوم على الكسب المتكافئ ومواءمة إستراتيجتها التنموية وترجمة تكاملها الاقتصادى إلى قوة محركة للنمو المشترك. واعتبر الرئيس الصينى أن النقطة الثانية تتمثل فى توسيع التعاون بين بلدان الجنوب، داعيا الدول الآسيوية والإفريقية إلى تدعيم التعاون مع الدول النامية فى أمريكا اللاتينية وجنوب الباسيفيك وغيرها من المناطق، وأكد فى النقطة الثالثة ضرورة تعزيز التعاون بين الجنوب والشمال، مؤكدا أن التعاون بين المعسكرين النامى والمتقدم ينبغى أن يرتكز على الاحترام المتبادل والمساواة. ولم يكتف الرئيس الصينى بطرح مبادرته نظريا، لكنه قدم وعودا بما ستقدمه الصين لتعزيز هذا التعاون الاقتصادى بين الدول النامية من آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية، حيث قال إن بلاده ستعمل مع الأطراف المعنية على دفع مبادرة »الحزام والطريق«، وإقامة البنك الآسيوى لاستثمارات البنية الساسية، واستغلال طريق الحرير على النحو الأمثل، وأضاف أن الصين ستوفر 100 ألف فرصة تدريب للدول النامية فى آسيا وإفريقيا خلال السنوات الخمس المقبلة، وأنه ستتم دعوة 2000 شاب وفتاة من آسيا وإفريقيا لزيارة الصين وحضور سلسلة من الاجتماعات الشبابية. كما أعلن الرئيس شى جين بينج أن الصين ستعفى البلدان الأقل نموا، والتى لها علاقات دبلوماسية مع الصين، من الرسوم الجمركية المفروضة على 97% من المنتجات المستوردة خلال العام، مؤكدا أن الصين ستواصل تقديم المساعدة للبلدان النامية دون أى شروط سياسية. وفى حين ركزت مبادئ مؤتمر باندونج الأول على احترام حقوق الإنسان الأساسية، وأهداف ومبادئ ميثاق الأممالمتحدة، واحترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها، وإقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، واحترام حق كل دولة فى الدفاع عن نفسها، وعدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأى من الدول الكبرى، واحترام العدالة والالتزامات الدولية، غلب الجانب الاقتصادى على وثائق قمة باندونج الاحتفالية. وهو ما يعنى أن مواصلة «روح باندونج» من تضامن وتعاون وصداقة سيغلب عليها الجانب الاقتصادى، والشراكة الإستراتيجية، بعيدا عن الشعارات السياسية، لتصبح المصالح البراجماتية فى المقدمة، وهو ما تسعى الصين دائما لتحقيقه فى العلاقات الدولية،