رغم الإمكانات الهائلة التى تمتلكها القارة الافريقية، إلا أن الصراعات والتحديات داخل القارة حالت دون تحقيق التنمية المرجوة. وكان إدراك الزعماء الأفارقة لإستحالة الفصل بين التنمية الاقتصادية وبين الحكم الرشيد وراء المبادرة الافريقية بإنشاء آلية مراجعة النظراء المعنية بتقييم أداء الدول. ووضع توصيات لتحسين أحوالها وتحقيق التنمية على جميع الأصعدة.ويقول السفير أشرف راشد نائب رئيس لجنة الشخصيات البارزة بالآلية فى حوار للأهرام، إن الانضمام للآلية تطوعى ووصل عدد الدول الأعضاء ل 35 دولة من بين ال 52 الأعضاء فى الاتحاد الافريقى ونابع من الرغبة الداخلية لتحقيق الإصلاح من داخل القارة نفسها دون انتظار أى نموذج يملى عليها من الخارج. أولا ماهى آلية مراجعة النظراء التابعة للاتحاد الافريقي؟ وكيف نشأت؟ بدأ تيار الاستقلال فى القارة الافريقية منذ فترة الستينيات واستمر فى السبعينات والثمانينات وكانت آخر دولة تحصل على استقلالها هى جنوب أفريقيا عام 1994. ثم بدأت الدول الأفريقية منذ سنوات إنشاء هياكل سياسية واقتصادية لمواجهة التحديات التنموية، الا أن الزعماء الأفارقة وجدوا أن تلك القارة التى تمتلك إمكانات هائلة ليس لديها مؤسسات وهياكل قادرة على إدارة البلاد وتحقيق التنمية المطلوبة. وظهرت مبادرة الشراكة الجديدة للتنمية الافريقية (النيباد) عام 2002 بهدف تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية بالمشاركة مع المجتمع الدولى. ولكن توصل الزعماء الأفارقة إلى استحالة الفصل بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبين الحكم الرشيد أو الإدارة السياسية الجيدة. فظهرت مبادرة إنشاء آلية أفريقية لمراجعة النظراء وأنشئت بالفعل فى 9 مارس 2003 حيث وافق على المبادرة زعماء ال 52 دولة الأعضاء فى الاتحاد الإفريقى. ماهى آلية العمل داخل آلية مراجعة النظراء؟ تركز تلك الآلية على متابعة كل مايتعلق بأربعة محاور رئيسية: أولا الديمقراطية والحكم السياسى الرشيد والجيد، ثانيا، الإدارة الاقتصادية الرشيدة، ثالثا، إدارة قطاع الأعمال وأخيرا، التنمية الاقتصادية والاجتماعية. واتخذ الزعماء الأفارقة أن يكون الانضمام لتلك الآلية طوعيا فليس هناك ما يجبر أى دولة على الانضمام رغم موافقة ال 52 دولة على إنشائها.ورغم أنها تقع تحت مظلة الاتحاد الإفريقى إلا أنها تعمل خارج إطار الاتحاد. وينقسم العمل داخل الآلية وفقا لنوعين من الهياكل . الأول هياكل على مستوى القارة والمقصود بها قمة الآلية والتى تعقد مرتين سنويا على مستوى رؤساء الدول الأعضاء التى انضمت للآلية والبالغ عددها حتى الآن 35 دولة وهى تعقد على هامش القمم الخاصة بالاتحاد الافريقي. كيف يتم تقييم أداء كل دولة وفقا للآلية؟ هناك لجنة تضم ممثلى ورؤساء الدول المنضمة تقوم برفع تقريرها للقمة. وهناك لجنة الشخصيات البارزة والمكونة من تسع شخصيات تتمتع بالخبرة والمصداقية يتم ترشيحها والتصويت على انضمامها على أن يكون مدة عمل داخل اللجنة 4 سنوات. وقد رشحتنى مصر للانضمام للجنة عام 2012 وتضم اللجنة شخصيات أفريقية بارزة كان منهم على سبيل المثال رئيس ليبريا السابق ورئيس برلمان جنوب إفريقيا. وتختص هذه اللجنة بمتابعة أداء الدول وتساعدها فى دعم مؤسساتها. ثانيا الهياكل الوطنية، وهى عبارة عن لجنة وطنية تقوم كل دولة بتشكيلها تضم ممثلين عن حكومة الدولة نفسها وممثلين للمجتمع المدنى والنشطاء والنقابات والمرأة وغيرها بحيث تضم اللجنة جميع الاطياف المعنية بعملية الإصلاح. وتقوم اللجنة الوطنية باعداد تقرير تقوم فيه بتقييم ذاتى لأداء الدولة. وعادة تحتاج كل دولة لعامين أو ثلاثة لإعداد هذا التقرير الذى يضم توصيات أيضا ترى الدولة ضرورة تنفيذها لتحقيق الإصلاح والتنمية. ثم تبدأ الخطوة التالية وهى قيام اللجنة الوطنية بعرض التقرير والتوصيات على مراكز أبحاث لتقييمه من الناحية الموضوعية والعلمية والتأكد من ان التوصيات هى المطلوبة بالفعل لتحقيق الهدف. ثم ترفع اللجنة الوطنية تقريرها الذى يتضمن التوصيات للجنة الشخصيات البارزة لبحثه ودراسته وكتابة تقرير آخر يتضمن النقاط التى توافق عليها اللجنة والنقاط التى تعترض عليها، ويحق للدولة الرد على تقرير اللجنة، ليتم أخيرا رفع تقرير نهائى يتضمن كل التقارير والتقييمات السابقة والتوصيات للقمة الخاصة بالآلية ليتم مناقشة التقرير النهائى على مستوى الرؤساء ومن هنا جاءت تسمية مراجعة النظراء حيث يقوم الرؤساء بمراجعة بعضهم البعض بشأن التقارير المقدمة. والتقرير النهائى يتم إرساله للبرلمانات الوطنية والتجمعات الإفريقية وهو متاح بصورة علنية للإطلاع عليه. وماذا عن التواجد المصرى فى الآلية وموقف الآلية من التطورات السياسية التى تشهدها مصر؟ انضمت مصر لعضوية الآلية فى مارس 2004 وقبل ثورة 25 يناير كان قد بدأ بالفعل تأسيس اللجنة الوطنية المعنية بإعداد التقرير الخاص بمصر. ولكن مع تطور الاحداث فى السنوات الماضية لا يوجد حاليا لجنة وطنية معنية بهذا الشأن بسبب عدم اكتمال المؤسسات الدولة، ولكن نأمل أنه مع انتخاب برلمان مصرى قريبا تبدا الأمور تسير فى مجراها الطبيعى ويتم إنشاء لجنة للبدء فى الإعداد للتقرير الخاص بمصر. و أشير الى موقف الآلية الجيد والمساند لمصر، حيث رفضت الآلية تعليق أنشطة مصر بها بعد 30 يونيو رغم قيام الاتحاد الافريقى بوقف أنشطة مصر آنذاك، حيث رأت الآلية ضرورة مساندة ودعم مصر التى تمر بمرحلة سياسية جديدة تستحق المساندة وليس المقاطعة. ولكن مصر ملتزمة بعملها داخل الآلية وملتزمة بدفع اشتراكها السنوى. وبصفة عامة فقد قدمت 17 دولة فقط التقارير الخاصة بها من بين 35 دولة هم الأعضاء فى الآلية. ذكرت أن الآلية أنشئت بناء على مبادرة إفريقية خالصة، فهل هناك أى تدخل دولى فى عمل الآلية؟ آلية مراجعة النظراء تستحق الفخر فهى تجربة لم تتم على مستوى العالم إلا فى إفريقيا وأنشئت برغبة داخلية من داخل القارة الافريقية نفسها عندما رأى الزعماء الأفارقة ضرورة القيام بالإصلاح من الداخل دون أن يفرض علينا أى طرف دولى أى نموذج للإصلاح ودون التدخل فى شئون القارة. ولايوجد أى تدخل من أى دولة غير إفريقية أو دولية فى عملنا. ولكن اتخذ زعماء الدول المنضمة للآلية قرارا بالتعاون أحيانا مع 3 جهات وهى اللجنة الاقتصادية المعنية بافريقيا بالأممالمتحدة وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى وبنك التنمية الأفريقى وأطلق عليهم «الشركاء الإستراتيجيين» حيث يتم اللجوء لهم أحيانا للتعاون فى المجالات الفنية مثل ترشيح خبراء يتم الاستعانة بهم لدراسة التقارير المقدمة. ولا تقوم أى جهة من الثلاث بالتدخل إطلاقا فى عمل اللجنة او الآلية. إلى أى مدى تسهم تلك التقارير والتقييمات فى تحسين الاحوال الداخلية للدول الإفريقية بالفعل والى أى مدى تلتزم الدول بتنفيذ التوصيات؟ لا يوجد اى إلزام على أى دولة بتطبيق أى من التوصيات فى التقرير الاخير سوى رغبتها فى الإصلاح وهى الفكرة من انضمامها للآلية فى المقام الاول، فكما قلت الانضمام للآلية تطوعى نابع من رغبة الدول فى الإصلاح وتحقيق التنمية ومن ثم فهذه الدول حريصة بالفعل على تطبيق التوصيات. وهناك استمرار لما تنفذه الدول حيث إن كل دولة ملزمة بتقديم تقرير سنوى عما تم إنجازه يسمى تقرير التقدم. وكدليل على جدية ومصداقية التقارير الأخيرة المقدمة، فقد تم إعداد تقرير عام 2007 عن جنوب أفريقيا، تضمن التحذير من وجود مؤشرات لحدوث ما يسمى بمعاداة الاجانب فى المستقبل، وهو ما حدث بالفعل مؤخرا مع تفجر أزمة معاداة الاجانب واحداث القتل التى شهدتها جنوب أفريقيا.