طرقات رجال الشرطة العنيفة على باب المنزل، توقظ كل من فيه، يهب الأب من فراشه فزعاُ وهو يتمتم «خير اللهم اجعله خير»، وبينما تحمله خطواته المسرعة إلى باب الشقة، تحدثه نفسه عن الاحتمالات الواردة (هو خبر وفاة أمه المريضة أو قد يكون عارضاً صحياً تعرض له أحد الجيران، وربما حريق في إحدى الشقق المجاورة) ... لكنه ما أن يفتح الباب، حتى يفاجأ برجال القوات الخاصة يقتحمون الشقة و معهم ضباط الأمن الوطني بزيهم المدني، يسألون عن الابن (طالب الثانوي، أو الجامعة، و قد يكون حديث التخرج أو عاطلا وربما يعمل عملاً مرموقاً)، ووسط ذهول الأب وبكاء الأم يتم اقتياد الابن، ليكتشف الأب أن ابنه الذي رباه عمراً عضواً في تنظيم «الإخوان» .وقد تختلف تفاصيل المشهد نسبياً، من حالة إلى أخرى، فقد تكتشف الأسرة غياب ابنها أو ابنتها - بعد موعد العودة من ( العمل المدرسة فسحة صلاة تمرين .. إلخ) وبعد البحث تكتشف الأسرة أن ابنها الغائب مقبوض عليه لانتمائه للإخوان . وقد لا يعود الابن إلى المنزل، وتكتشف الأسرة وهي تتسلم جثمانه أنه لقى حتفه أثناء تبادل إطلاق النار مع قوات الجيش أو الشرطة في مهمه كلفه بها تنظيم الإخوان. وربما لا تتعرف الأسرة على جثة نجلها التي تتحول لأشلاء بعدما تنفجر فيه قنبلة كلفه تنظيم الإخوان بزرعها في أحد المواقع . والسؤال الذي يطرح نفسه على هذا الواقع هو كيف تتحول حياة الابن أو البنت الي سر دفين لا يكتشفه حتى أصحاب المعرفة الفطرية به (الأب والأم)؟ ولكي نستطيع قراءة عقلية أيّ عضو في تنظيم الإخوان (أخ أخت)، ينبغي أن نستوعب كيف دخلت (جرثومة التنظيم الإخواني) إلى وعيه حتى تمكنت منه و سيطرت على جوارحه محولة إياه إلى مجرد انعكاس لحركة هذه الجرثومة . ولتقريب الصورة يمكن أن نعود إلى الفيلم الهوليوودي متعدد الأجزاء (رجال في الملابس السوداء) ل توم لي جونز وويل سميث، حيث الكائنات الفضائية التي تغزو الأرض تعتمد في الحياة على أن تحتل جسد أحد البشر لتظل صورته هي التي تتحرك ظاهرياً بينما المحرك الحقيقي لها هو الكائن الفضائي. هكذا تحديداً تعمل (جرثومة الإخوان) على الإنسان. وبهذا يمكن تفسير الشكل الظاهري الواحد الذي يميز أعضاء التنظيم، فمثلاً لاحظ ( الابتسامة الباهتة المرمية على الوجه دوما، طريقة إلقاء عبارات السلام والترحيب الواحدة طريقة المشية التي تعتمد على قليل من الانحناء في أعلى الظهر مع بروز لمنطقة المؤخرة ). وأذكر أنه وعي الريف في قريتنا (شرنوب) في نهاية الثمانينات سمى الإخوان (عصابة الله يكرمك) بسبب كون كل الإخوان يرددون عفوياً أثناء الحديث (يا أخي الله يكرمك) !. وقبل أن نفصل مراحل دخول (الجرثومة الإخوانية) إلى العقل الإنساني، ينبغي التأكيد على أن فراغاً تتحرك فيه هذه (الجرثومة) منذ ظهورها (1928م) وحتى الآن، فيما جميع مكونات الدولة تتحرك ضدها بمنطق دفاعي، و تعتمد في مواجهتها على (مضادات حيوية أمنية) دونما أية استراتيجية متكاملة ل تحصين (تطعيم) المجتمع ضدها. و هو ما يجعل هذه الجرثومة قادرة بحكم التطور على تحصين نفسها بتطوير مقاومتها ل المضادات الأمنية أو الكمون و التقوقع حتى ينتهي مفعول هذه المضادات لتعاود الخروج من قوقعتها أكثر قوة و فعالية . ولهذا فإن أسطر هذ المقال والمقالات التالية أضعها بالدرجة الأولى- أمام القائمين على أمر الدولة في (الأزهر التعليم الشباب الثقافة الإعلام الأجهزة الأمنية) أملاً في أن تكون (محفزة) للإنتاج (مشروع وطني متكامل لمواجهة جذرية لجرثومة التنظيم الإخواني) . مع خلو الساحة من أية استراتيجيات لاستثمار طاقة الشباب الإيمانية والسياسية والثقافية والرياضية والعلمية، تتحرك (الجرثومة الإخوانية) نحو الهدف (شاب أو فتاة)، - أياً ما كانت ظروفه الاجتماعية والعلمية والمادية -، لتسيره فوق سُحب من عظيم الأماني، ويحيا حلم كونه قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح «أخ» يسير على خطا الفاتحين العظام، مقتدياً بالرسول محمد عليه السلام، ومهتدياً ب «الإمام الشهيد حسن البنا» الذي يعرفونه له باعتباره «مجدد الإسلام في القرن العشرين»، وتدور بخلده كل أساطير البطولة والصمود متجسدة في سير «إخوة» له رواد، كانوا إلى جوار «البنا» يبنون دعوتهم في محيط من التربص بالإسلام، والتنكر لآدابه، والاستهزاء بقيمه وثوابته، فجاهدوا الانجليز، وحاربوا الماركسية والشيوعية الإلحادية، وناهضوا الليبرالية الوفدية والعلمانية السعدية، وناوروا المؤامرة الناصرية، ولم تلن لهم في سجونها قناة أو تخضع لهم عزائم . ولا يسعون لمنصب أو سلطان وإنما يرفعون شعاراً واحداً «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله». في هذا المناخ تتكون النفسية «التنظيمية»، ولكل «عقل» لدى التنظيم مفتاحه، والبحث عن هذا المفتاح هي مهمة «الأخ» حامل الجرثومة، الذي يقوم بعملية (نقل العدوى) أو التجنيد عبر ما يعرفه التنظيم ب «الدعوة الفردية». وبإطلالة على مراحل هذه العملية الفريدة في التجنيد، يمكن فهم كيف يستطيع التنظيم أن يملك مفتاح عقل لمدعو الجديد، ثم يبدأ في صياغة شخصية تنظيمية ذات سمات واحدة، لا يمكن أن تفرق فيها بين «الأخ» الذي يصبح رئيساً للجمهورية «مرسي مثلاً» وبين الأخ الذي يحمل السلاح ليعتدي على ضابط في كمين «عبدالله نادر المتهم في قضية كتائب حلوان مثلاً». فجميعهم تمكنت «جرثومة التنظيم» منهم و صارت أفعالهم مجرد انعكاس لرغبات التنظيم الأم «الجرثومة». وتحفل «مكتبة الدعوة» التابعة للتنظيم، بعشرات الكتب والأبحاث والعروض التفصيلية لعملية التجنيد «الدعوة الفردية» وجميعها تشرح خطوات سبع وضعها التنظيم منذ «حسن البنا» لنشر عدواه في المجتمع، غير إن تنظيم «البنا» لا يشرح عملية تجنيد أعضاء جدد باعتبارها «دعوة إلى التنظيم» ولكنه يراها «دعوة إلى الله». ولا تبدأ إطلاقاً بعرض الفكرة على العقل بل تستهدف «القلب»؟؟ وللحديث بقية إن شاء الله . لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى