اكد الرئيس عبد الفتاح السيسي انه لا مناص من توحيد جهود الامة العربية لمواجهة تحديات الوطن العربي، مرحبا بمشروع انشاء قوة عربية مشتركة . وقال في كلمته في افتتاح القمة العربية في شرم الشيخ امس ان هناك من يعمل علي تغذية فكرة الطائفية لكسر شوكة الامة مشيرا الي ان الارهابيين باتوا يمارسون العنف والتطرف لبث الرعب والفزع بين شعوبنا مستهزئين بقيم الدين السمحة . وشدد علي ان الامة في امس الحاجة الي تنقية الخطاب الديني من شوائب التعصب والتطرف . واضاف ان الاهتمام بحل المشكلات في امتنا يضعها في مصاف الدول المتقدمة ، مؤكدا ان لديه اقتناعا بأن امكانات الامة كفيلة للمضي قدما نحو التكامل والتقدة والازدهار والتنمية، واختتم كلمته بتحيا الامة العربية ليقابل بتصفيق حاد من الحضور.. وفيما يلي نص الكلمة
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو والمعالي ... معالي الدكتور نبيل العربي ... أمينُ عامِ جامعةِ الدولِ العربية ... الضيوف الكرام ... السيداتِ والسادة ... يُسعدني أن أرحب بكم جميعاً أخوة أعزاء علي أرض مصر ... وأن أنقل إليكم كل تقدير ومودة الشعب المصري الذي طالما اعتز بانتمائه لأمته العربية ... التي بذل المصريون وسيبذلون دوماً أغلي ما يملكون صوناً لاستقلالها وكرامتها ... كما يطيب لي أيضاً في افتتاحِ أعمالِ اجتماع مجلس جامعة الدول العربية علي مستوي القمة في دورتِه العاديةِ السادسةِ والعشرين ... أن أعرب باِسمي وباسمكم عن كل الشكر والتقدير لدولةِ الكويتِ الشقيقةِ ... ولأخي صاحبِ السموِ الشيخِ صبّاح الأحمد الجابر الصباح ... لقيادته الحكيمة ورؤيته السديدة خلال تولي الكويت رئاسة الدورةِ الماضيةِ للقمةِ العربيةِ ... والتي أضافت لَبِنة جديدة إلي بناء العمل العربي المشترك ... ولا يفوتني أن أشيد بالجهود التي بذلتها الأمانةِ العامةِ لجامعةِ الدولِ العربيةِ وأمينها العام الدكتور نبيل العربي ... طوال الدورة السابقة وللإعدادِ لاجتماعنا اليوم ... والذي أرجو من اللهِ عزَّ وجلّ أن يُكلّلَ بالنجاحِ والتوفيق ... وأن ترقي نتائجه إلي تطلعات الأمة العربية التي تعلق آمالاً كبيرة علي جامعتنا ... وتنتظر المزيد من تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك. السيدات والسادة، استشعر عِظَم المسئولية لتزامن مشاركتي الأولي في قمةٍ عربيةٍ كرئيس لمصر بيت العرب... مع تشرفها باستضافةِ ورئاسةِ الدورةِ الحالية ... فلا يخفي عليكم أن خطورة العديد من القضايا التي تواجهنا في هذه المرحلة في أنحاء الوطن العربي قد بلغت حداً جسيماً ... بل وغير مسبوق... من حيث عمق بعض الأزمات واتساع نطاقها وسوء العواقب المترتبة عليها في الحاضر والمستقبل ... فانعقاد قمتنا اليوم تحت عنوان التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي... إنما يمثل تعبيراً عن إدراكنا لضرورة أن نتصدي لتلك القضايا دون إبطاء أو تأجيل... من خلال منهج يتسم بالتوازن والمصداقية وعبر أدوات ذات تأثير وفاعلية ... عانت أمتنا العربية من المحن والنوازل منذ إنشاء جامعتها ... ما بين الكفاح من أجل تحرير الإرادة الوطنية أو للتخلص من الاستعمار أو الحروب التي خاضتها دفاعاً عن حقوقها... وبين تداعيات المشكلات الاقتصادية الخارجية والداخلية ... لكن هذه الأمة ... وفي أحلك الظروف ... لم يسبق أن استشعرت تحدياً لوجودها وتهديداً لهويتها العربية كالذي تواجهه اليوم... علي نحو يستهدف الروابط بين دولها وشعوبها ... ويعمل علي تفكيك نسيج المجتمعات في داخل هذه الدول ذاتها ... والسعي إلي التفرقة ما بين مواطنيها ... وإلي استقطاب بعضهم وإقصاء البعض الآخر علي أساس من الدين أو المذهب أو الطائفة أو العِرق... تلك المجتمعات التي استقرت منذ مئات السنين ... وصهرها التاريخ في بوتقته ووحدتها الآمال والآلام المشتركة... وسواءٌ اكتسي ذلك التهديد رداء الطائفة أو الدين أو حتي العِرق وسواءٌ روجت له فئة من داخل الأمة أو أقحمته عليها أطراف من خارجها بدعاوي مختلفة ... فإن انتشاره سوف يكسر شوكة هذه الأمة وسوف يفرق جمعها ... حتي تغدو في أمد قصير متشرذمة فيما بينها ومستضعفة ممن حولها بسبب انهيار دولها وشدة انقسامها علي ذاتها... إن ذلك التحدي الجسيم لهوية الأمة ولاستقرار مجتمعاتها ولطبيعتها العربية الجامعة ... يجلب معه تحدياً آخر لا يقل خطورة ... لأنه يمس الأمن المباشر لكل مواطنيها وهو الإرهاب والترويع ... الذي يمثل الأداة المُثلي لهؤلاء الذين يروجون لأي فكر متطرف كي يهدم كيان الدول ويعمل علي تقويضها ... ولقد رأينا كيف استغل هؤلاء وجود بعض أوجه القصور في عدد من الدول العربية في الوفاء باحتياجات مواطنيها ... فاستغلوا تطلعات المواطنين المشروعة لاختطاف الأوطان واستغلالها من أجل مآربهم ... أو لإعلان الحرب علي الشعوب حتي تذعن لسلطانهم الجائر ... كما رأينا أيضاً كيف اشتدت شراسة الإرهاب في حربه التي يشنها علي الآمنين ... والحد الذي بلغته بشاعة الجرائم التي بات الإرهابيون يمارسونها بكل جرأة مستهزئين بأي قيم دينية أو أخلاق إنسانية ... بهدف نشر الفزع وبث الرعب ... ومن أجل إظهار قدرتهم علي تحدي سلطات الدول وهز الثقة فيها ... كوسيلة للترويج للفكر المتطرف الذي يقف ما وراء الإرهاب ويستغله باسم الدين أو المذهب لتحقيق أهداف سياسية. ويقتضي الإنصاف منا أن نواجه أيضاً ... وبكل ثقة وإصرار ... المشكلات التي يمثل تراكمها تحدياً لمجتمعاتنا ... علي الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي ... لاسيما في مجالات مثل بطالة الشباب والأمية والفقر وعدم كفاية الخدمات الاجتماعية ..وأن نعمل علي تعظيم الاستفادة من وعينا بأهمية تلك المشكلات عندما خصصنا قمة عربية دورية للشئون الاقتصادية والتنموية والاجتماعية ... إن عدم إيلاء الاهتمام الواجب لتلك المشكلات يضعها حتماً في مصاف التحديات التي تواجه أمننا القومي ... خاصة وأنها تكتسب أبعاداً إضافية من خلال استغلال آثارها السلبية علي المجتمعات العربية من المتربصين بالأمة في الداخل أوالخارج. إن بعض الأطراف الخارجية تستغل الظروف التي تمر بها دول عربية للتدخل في شئونها أو لاستقطاب قسم من مواطنيها بما يهدد أمننا القومي بشكل لا يمكننا إغفال تبعاته علي الهوية العربية وكيان الأمة .. فلقد أغرت تلك الظروف أطرافاً في الإقليم وفيما وراءه وأثارت مطامعها إزاء دول عربية بعينها ... فاستباحت سيادتها واستحلت مواردها واستهدفت شعوبها ... وقد تفاعلت تلك التدخلات مع مؤثرات أخري كالإرهاب والظروف الاقتصادية والاجتماعية ... بل وحتي الاحتلال ... لتزيد من وطأة التحديات وتخدم بذلك أهدافاً تضر بمصالح الأمة العربية وتحول دون تحقيق تقدمها. السيدات والسادة، إن المسئولية الملقاة علي عاتقنا لمواجهة كل تلك التحديات تتطلب منا ... كما ذكرت ... منهجاً للمعالجة يتميز بالمصداقية والفعالية ... الأمر الذي ينبغي أن يدعونا للتفكير في اتخاذ إجراءات عملية جماعية ... ذات مغزي ومضمون حقيقي ... تتسق مع أهدافنا في الحفاظ علي الهوية العربية وتدعيمها ... وصد محاولات التدخل الخارجي في شئوننا ... وردع مساعي الأطراف الأخري للمساس بسيادة الدول العربية الشقيقة وحياة مواطنيها ... وأثق أننا جميعاً... وأمتنا العربية ... نعتقد أن ذلك الصد وهذا الردع هو حق لنا ... هو دفاع عن أمننا دون تهديد لشقيق قريب أو لأي جار ... قريب كان أو بعيد ... هو درع لأوطاننا ولأهلنا ... وليس سيفاً مُسلطاً علي أحد إلا من يبادرنا بالعدوان ... لقد مرت بأمتنا مراحل لم تزد في أخطارها عما نعايشه اليوم ... فرأي قادة الأمة العربية معها أنه لا مناص من توحيد الجهود لمواجهتها ... وأنه لابد من أدوات للعمل العربي العسكري المشترك للتغلب عليها ... لكنه ومهما كان تقييمنا لمدي نجاح كل تلك الجهود ... وإزاء إمكانية تفاقم الأوضاع والتحديات الراهنة من إرهاب يداهم ويروع ومن تدخلات خارجية شرسة ... نحتاج إلي التفكير بعمق وبثقة في النفس ... في كيفية الاستعداد للتعامل مع تلك المستجدات من خلال تأسيس «قوة عربية مشتركة» ... دونما انتقاصٍ من سيادةِ أي من الدولِ العربيةِ واستقلالِها... وبما يتّسِقُ وأحكامِ ميثاقيّ الأممِالمتحدةِ وجامعةِ الدول العربيةِ ... وفي إطارٍ من الاحترامِ الكاملِ لقواعدِ القانونِ الدولي ... ودون أدني تدخل في الشئون الداخلية لأي طرف... فبنفسِ قدرِ رفضِنا لأي تدخلٍ في شئونِنا ... لا نسعي للافتئاتِ علي حقِ أيةِ دولةٍ في تقريرِ مستقبلِها وفقَ الإرادةِ الحرةِ لشعبِها . وفي هذا الإطار ... ترحب مصر بمشروع القرار الذي اعتمده وزراء الخارجية العرب وتم رفعه للقمة بشأن إنشاء قوة عربية مشتركة ... لتكون أداة لمواجهة التحديات التي تهدد الأمن القومي العربي. إن لدي الأمة العربية من الإمكانات ما يكفل لها المضي نحو مزيد من التكامل الذي لا تقتصر عوائده علي الجوانب الاقتصادية فحسب ... إنما من الضروري النظر إليه باعتباره إحدي الوسائل المهمة لتثبيت ولتأكيد الهوية العربية ... هوية الإقليم العربي ... الذي باتت حدوده وبعض أنحائه تتعرض للهجوم والتآكل ... ويهمني أن أشيد هنا بالدور البارز الذي يقوم به البرلمان العربي في التعبير عن تطلعات واهتمامات الشعوب العربية ... وتجسيد قيمة العمل العربي المشترك ... كما أود أيضاً أن أنوه بنتائج مؤتمر وزراءِ التنميةِ والشئونِ الاجتماعيةِ العربِ في أكتوبر الماضي ... والذي اعتمدَ إعلاناً يتضمن أولوياتِ التنميةِ العربيةِ لما بعد عامِ ألفين وخمسةَ عشر ... نسعي إلي تضمينه في أولويات أجندة التنمية المُرتقبة... حتي نؤكد حرصنا علي مكافحةِ الفقرِ بأنواعه وتحقيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ ... وتوفير سبلِ العيشِ الكريمِ للشعوبِ العربية ...والارتقاءِ بمستوي الخدماتِ لاسيما الصحية والقضاء علي الأمية بحلول عام 2024 ... وخلقِ المزيدِ من فرصِ العمل للجميع ... بمن فيهم الشباب من النساء والرجال.. وإقامةِ مجتمعاتٍ عربيةٍ آمنةٍ مستقرة. السيداتُ والسادة، لقد أكّدنا مِراراً علي أهميةِ دورِ المؤسساتِ الدينية في التصدي للفكرِ المتطرف لأن من يسير في طريقه الوعر سينزلق حتماً إلي هاوية الإرهاب ... ما لم يجد سبيلاً ممهداً لصحيح الدين ... إننا في أمَس الحاجةِ إلي تفعيلِ دورِ مؤسساتِنا الدينيةِ بما يعزِّزُ الفهمَ السليمَ لمقاصدِ الدينِ الحقيقيةِ من سماحةٍ ورحمةٍ ... إننا في أمس الحاجةِ إلي تنقيةِ الخطابِ الديني من شوائبِ التعصبِ والتطرفِ والغُلُوِّ والتشدُّد ... لتتضح حقيقة الدين الإسلامي الحنيف واعتداله... والأملُ معقودٌ في ذلك علي جميع المؤسساتِ الدينية في الدولِ العربية ... ولقد كان مؤتمرُ مواجهةِ التطرفِ والإرهابِ الذي احتضنهُ الأزهرُ الشريفُ في ديسمبر الماضي نموذجاً عملياً لمثلِ هذه الجهودِ التي ننشدُ من خلالِها تجفيفَ منابعِ الفكرِ المنحرفِ ... كما أن علي رجالِ الفكرِ والثقافةِ والإعلامِ والتعليم واجباً عظيماً تجاهَ أوطانِهم .. من خلالِ تحصينَ النشءِ والشبابِ العربي ضدَ المعتقدات التي تحضُّ علي الكراهيةِ وجمود الفكرِ ورفضِ التنوعِ وإقصاءِ الآخر ... وترسيخِ مفهومِ الدولةِ الوطنيةِ الحديثةِ والحث علي حمايةِ النسيجِ العربي بكامِلِ مكوناتِه ... وعلي إدراكِ قيمةِ التراثِ الحضاري والإنساني ككل ... والذي شكلت الحضارتان العربية والإسلامية رافداً أساسياً له ... فأثرت مكونه الروحي ... كما أطلقت طاقات الفكر والأدب والعلوم والإبداع .. لتنهل البشرية منها وتنشد مستقبلاً أفضل ... ولقد استلهمت نخبة من المفكرين والمثقفين العرب تلك الروح ... فشاركوا في مؤتمرِ مكتبةِ الإسكندرية الذي دعت إليه مصر في القمة السابقة ... لوضعِ استراتيجيةٍ عربيةٍ شاملةٍ لمواجهةِ الفكرِ المتطرف... والذي خلص إلي عددٍ من التوصياتِ الجديرة بالاهتمام والتطبيق ... وأرجو أن يكونَ ذلك المؤتمر حلقة في سلسلة عملٍ فكري متواصل. وفي هذا الإطار ...أود أن أشير إلي خطر إرهابي جديد غير تقليدي ...يستغل التقنيات الحديثة وعلي رأسها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ...ويسئ استخدام شبكة المعلومات والإنترنت بغرض التحريض والترهيب ونشر الفكر المتطرف... وتدعو مصر لتضافر كل الجهود لوضع مبادئ عامة للاستخدام الآمن لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات...وتفعيل الاتفاقات الدولية المنظمة لهذا الشأن. السيدات والسادة، إن كل تلك التحديات أفرزت أزمات ألقت ومازالت تلقي بظلالها الوخيمة علي عالمنا العربي .. وليس أكثر الحاحاً اليوم ... ولا أشد تجسيداً للمدي الذي بلغته تلك التحديات من الأوضاع في اليمن .. حيث وصلت إلي حد النيل من أمننا المشترك وليس المساس به فحسب... فما بين استقواء فئة بالسلاح وبالترويع لنقض شرعية التوافق والحوار ... وبين انتهازية حفنة أخري طامعة للاستئثار باليمن وإقصاء باقي أبنائه ... وبين تدخلات خارجية تستغل ما أصاب اليمن لنشر عدواها في الجسم العربي ... فشلت مساعي استئناف الحوار ... وذهبت أدراج الرياح كل دعوات تجنب الانزلاق إلي الصراع المُسلح ... فكان محتماً أن يكون هناك تحرك عربي حازم ... تشارك فيه مصر من خلال ائتلاف يجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية وأطراف دولية ... بهدف الحفاظ علي وحدة اليمن وسلامة أراضيه ومصالح شعبه الشقيق ووحدته الوطنية وهويته العربية... وحتي تتمكن الدولة من بسط سيطرتها علي كامل الأراضي اليمنية واستعادة أمنها واستقرارها. السيدت والسادة، إن ما آلت إليه أوضاع ليبيا الشقيقة لا يُمكن السكوت عليه ... ولا يخفي عليكم أن استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا لا يحتل فقط أهمية قصوي بالنسبة لمصر ... لاعتبارات الجوار الجغرافي والصلات التاريخية القديمة... ولكن للإقليم والمنطقة العربية ككل علي ضوء تشابك التهديدات ووحدة الهدف والمصير ... فضلاً علي الاعتبارات المتصلة بصون السلم والأمن الدوليين ... الذي بات يتأثر بما تشهده الساحة الليبية من تطورات وتنام لخطر الإرهاب ...وفي الوقت ذاته فإن تأييدنا لمجلس النواب الليبي المُنتخب ... وللحكومة المنبثقة عنه ... إنما يرجع بشكل أساسي لاحترامنا التام لإرادة الشعب الليبي ولحقه في تقرير مستقبله بنفسه ... ولكن الوضع في ليبيا يزداد خطورة وتعقيداً يوماً بعد يوم ... في ظل استفحال ووحشية التنظيمات الإرهابية ... مما يستلزم تقديم كل أشكال الدعم والمساندة للحكومة الشرعية دون إبطاء ... لتمكينها من أداء دورها في بسط الأمن والاستقرار في ربوع ليبيا ... وبما يُفعل دورها في مكافحة الإرهاب ويسمح لها بالدفاع عن نفسها ضد التنظيمات الإرهابية... كما ندعم في الوقت ذاته وبكل قوة ... الحلول السياسية المطروحة من قبل الأممالمتحدة ... والرامية إلي تحقيق توافق بين أشقائنا في ليبيا وصولاً إلي تشكيل حكومة وحدة وطنية ... إلا أنه وبالنظر إلي التطورات المُتسارعة وتمدد وجود التنظيمات الإرهابية .. فإنه لم يعد مقبولاً ما يسوقه البعض من ذرائع حول الربط بين دعم الحكومة الشرعية وبين الحوار السياسي... فليس من المنطقي أن نطلب من الشعب الليبي العيش تحت نيران الإرهاب لحين التوصل لتسوية سياسية ... وموقفنا واضح جلي في أننا ندعم المسارين بذات القدر ... ومن جانب آخر ندعو المجتمع الدولي للاِضطلاع بمسئولياته ... وبلورة رؤية أكثر واقعية ووضوحاً لمحاربة الإرهاب والتعامل مع جميع تنظيماته ... وعدم إضاعة المزيد من الوقت .. لكي لا يتصور من يرفعون السلاح أن هذا هو السبيل لتحقيق مكاسب سياسية. السيدات والسادة، لقد باتت الأزمة السورية مأساة يتألم لها الضمير العالمي ... وإننا ننظر بقلق بالغ حيال استمرار مُعاناة الشعب السوري ... فالأوضاع المُتردية هناك تتفاقم يوماً بعد يوم ... وقد شاهدنا ما أدي إليه التدهور من خلق حالة فراغ استغلتها التنظيمات الإرهابية ... فصار استمرار هذا الوضع المؤسف يُهدد أمن المنطقة بأسرها ... إن الحاجة مُلحة للتعاون والتنسيق لاعتماد تصور عربي يُفضي إلي إجراءات جدية لإنقاذ سوريا وصون أمن المنطقة ... ولا مناص من استمرار الدفع إزاء الحل السياسي لوقف نزيف الدم ... وبما يحفظ وحدة الأراضي السورية وثراء نسيجها الوطني بمكوناته المختلفة ... تحت مظلة الدولة المدنية الحاضنة لجميع السوريين . إن مصر لا تزال تتعامل مع الأزمة السورية من زاويتين رئيسيتين ... الأولي دعم تطلعات الشعب السوري لبناء دولة مدنية ديمقراطية ... والثانية هي التصدي للتنظيمات الإرهابية التي باتت منتشرة ... والحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة السورية ... وانطلاقاً من مسئولية مصر التاريخية تجاه سوريا فإن مصر بادرت بدعم من أشقائها العرب إلي العمل مع القوي الوطنية السورية المُعارضة المُعتدلة ... وصولاً إلي طرح الحل السياسي المنشود ... حيث استضافت القاهرة في يناير الماضي اجتماعاً ضم طيفاً عريضاً من قوي المعارضة الوطنية السورية ... ونعكف حالياً علي الإعداد لاجتماع أكثر اتساعاً لتلك القوي السياسية ... إن الدفع بطرح سياسي يتبناه السوريون وتتوافق عليه دول المنطقة والمجتمع الدولي هو خطوة مهمة علي طريق الوصول لحل سياسي يضع نهاية لمحنة الشعب السوري ... ويُحقق آماله وفقاً لإرادته الحرة المستقلة في بناء دولة وطنية ديمقراطية . السيدات والسادة، إن نجاح العراق الشقيق في إتمام الاستحقاقات الدستورية ... التي تُوجت بتشكيل الحكومة الجديدة .. يستدعي منا تقديم المساندة للخطوات الإيجابية التي شرعت الحكومة في تبنيها لاستعادة الأمن والاستقرار ... كما نُرحب بما تنتهجه هذه الحكومة من سياسات مقرونة بالتطبيق... لترميم علاقاتها مع دول جوارها العربي ... بما يسمح للعراق بمُمارسة دوره الهام في محيطه العربي ... ونأمل أيضاً ... أن تتمكن حكومة العراق من الوفاء بمتطلبات الوفاق والمصالحة بين مختلف مكونات الشعب العراقي ... وصولاً لإحياء مفهوم الدولة الوطنية بعيداً عن أي تمايز عِرقي أو طائفي... معولين علي جهودها الرامية لاستعادة سيطرتها علي كامل ترابها الوطني ... بما يُمكنها من دحر التنظيمات الإرهابية المتطرفة ... فهذه الجهود لا تصون أمن العراق فقط بل تحفظ الأمن القومي العربي برمته ...كما تُتابع مصر باهتمام التطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية في ظل التحديات الكبري التي تشهدها المنطقة ... ولا يفوتني في هذا الصدد أن أعرب عن ترحيب مصر بالحوار القائم بين مختلف القوي السياسية اللبنانية ... لاستعادة الاستقرار في هذا البلد الشقيق ... ووقف حالة الاستقطاب ... وتخفيف حدة الانقسام بما يُمكن لبنان من اجتياز هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه... ويحفظ مقدرات الشعب اللبناني ومؤسسات دولته ... ويُحقق الاستقرار الإقليمي المنشود ... ونأمل أن تفضي هذه الجهود إلي انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية دون مزيد من الانتظار ... ولابد لي أن أنوه أيضاً إلي ما يعانيه أشقاؤنا في جمهورية الصومال ... من عدم استقرار وتهديدات لحياتهم اليومية منذ أكثر من عقدين ... فرغم ما نُلاحظه من تحسن تدريجي في الأوضاع الأمنية والسياسية مؤخراً ... بفضل الجهود المضنية التي تقوم بها الحكومة الفيدرالية الصومالية ... والدعم العربي والإفريقي والدولي لها ... إلا أن الاعتداءات الإرهابية المتكررة ... لا تزال تُمثل تهديداً مباشراً لأمن واستقرار المنطقة الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي ... في ظل الروابط الفكرية والتنظيمية بين التيارات المتطرفة داخل الصومال وبين شبكات الإرهاب الإقليمية والدولية .... وأود في هذا الإطار أن أؤكد علي دعم مصر الكامل لجهود الحكومة الصومالية في تنفيذ «رؤية 2016» ... من أجل استكمال البناء المؤسسي والدستوري في الصومال وتحقيق طموحات شعبه الشقيق. السيدات والسادة، علي الرغم من جسامة التحديات والتهديدات التي تواجهها أمتنا العربية ... سيظل اهتمام مصر بالقضيةِ الفلسطينيةِ راسخاً ... إدراكاً منها لأن حلَّ هذه القضيةِ هو أحدُ المفاتيحِ الرئيسيةِ لاستقرارِ المنطقة ... التي لن تهدأ أبداً طالما ظلت حقوق الشعب الفلسطيني مُهدَرة... علي الرغمِ من اعترافِ المجتمعِ الدولي بحقه في إقامةِ دولته المستقلة وعاصمتُها القدسُالشرقية ... إن قلوبنا وعقولنا مفتوحةٌ للسلام العادل والشامل الذي يحقق الأمن والسلام لكل الأطراف والذي يتطلب إنهاء الاحتلالِ الإسرائيلي لكل الأراضي الفلسطينية ... من خلال مفاوضات جادة ومثمرة علي أساس القرارات الدولية ومبادرة السلام العربية ... مع ضرورة وقف الأنشطةِ الاستيطانيةِ الإسرائيلية والانتهاكاتِ المستمرةِ للمقدساتِ الدينية جميعِها ... لا يُمكن الحديث عن التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي دون التأكيد مُجدداً وبقوة... علي ثوابت الموقف العربي حيال مسألة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل ... فسوف ينعقد مؤتمر مراجعة معاهدة عدم الانتشار خلال شهري أبريل ومايو المقبلين ... ويُمثل انعقاد المؤتمر فرصة حقيقية للدول العربية ... لمطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسئولياته والإسراع باتخاذ خطوات عملية ومُحددة ... لتنفيذ القرار الصادر عن مؤتمر مراجعة عام 1995 ... حول إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وكل أسلحة الدمار الشامل الأخري في الشرق الأوسط ... أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي، أختتمُ كلمتِي بالتأكيد علي أن مستقبل هذه الأمة مرهونٌ بما نتخذه من قرارات ... والمطلوبُ منا كثيرٌ في هذا المنعطفِ التاريخي الهام ... حيث تتزايد تطلعاتُ الشعوبِ في تحقيق الرخاء وهو حَقٌ لها ... في ذات الوقتِ الذي تتعاظمُ فيه التحدياتُ ... إنها مسئوليةٌ جسيمةٌ وأمانةٌ ثقيلةٌ ... نرجو من اللهِ العونَ في أدائها والنهوضِ بها ... حتي لا نغدو يوماً مجرد مجموعة من الدول ... تلتف حول تاريخٍ مجيد جمعها يوماً في الماضي ... لكنها عاجزة عن التأثير في حاضرها أو عن صناعة المستقبل ... فأمتُنا تستحق منا الكثير ... عزةً وكرامةً لها... وصوناً لقدرها ومقدراتها .
تحيا الأمة العربية .. تحيا الأمة العربية .. تحيا الأمة العربية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.