قد يكون ذلك الذي شهدناه علي مدي الأشهر الاثني عشر الأخيرة أمرا طبيعيا ومفهوما بالنظر إلي حجم وعمق الزلزال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني الرهيب الذي ضرب كل جوانب الحياة علي أرض مصر في إطار صحة الإدراك بأن حركة التاريخ هي تيارات تندفع بكل قوة بمثل اندفاع مياه الأنهار من منابعها إلي مصباتها دون تفرقة بين المياه العذبة والمياه العكرة! ولكن الذي لا يمكن فهمه ويصعب- بالقطع- استيعابه أن البعض يتجاهل- بوعي أو بدون وعي- أن الخلاف السياسي مهما تشتد ضراوته لا بد أن يظل محكوما بأخلاقيات الحوار النظيف التي تبيح حق الاختلاف ولكنها تحظر الوصول إلي مناطق التجريح والتخوين والتطاول. إن من حق البعض أن يري أن ما تحقق حتي الآن ليس بالأمر الكافي وأن كل ما اتخذ من خطوات علي طريق إعادة البناء الديمقراطي مجرد خطوات تكتيكية بطيئة ولكن ليس إلي حد الزعم بأنها خطوات التفافية علي رغبات التغيير والتطهير والإصلاح لأن استمرار الدق علي طبول التشكيك لن يصب في مصلحة أحد ولأنه في غيبة من جسور الثقة والتواصل بين كل الأطراف الفاعلة والمسئولة عن إدارة المرحلة الانتقالية سوف يكون من المستحيل الاطمئنان إلي مصداقية القبول الشعبي بأهم خطوتين أخيرتين في المرحلة الانتقالية وأعني بهما صياغة الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية. إن الأسابيع والشهور القليلة المقبلة تحتاج إلي مناخ سياسي جديد تتكاتف فيه جميع القوي السياسية من أجل توجيه دفة الرأي العام صوب المستقبل وإنهاء مرحلة الالتفات الزائد نحو الماضي, لأن معظم أسباب التعثر و الضعف والعجز عن بلوغ الاستحقاق الديمقراطي الكامل حتي الآن يرجع لأسباب عديدة أهمها وأخطرها إصرار البعض علي الالتفات بأكثر مما ينبغي صوب الوراء وعدم الاكتفاء باستخلاص الدروس المستفادة من خطايا وأخطاء الماضي التي لا يجب السماح بتكرارها مرة أخري. وأول خطوة علي طريق الحلم المشروع لإحداث قفزة ديمقراطية تضع مصر ضمن الصفوف الأولي للديمقراطية العريقة تبدأ بتركيز النظر نحو المستقبل من أرضية الثقة بعظمة وقيمة ما تحقق حتي الآن, لأن من الخطأ أن يسعي البعض للتقليل من أهمية ما أنجزه هذا الشعب العظيم... وكفي جلدا للنفس والذات لأن الإسراف في ذلك يعطل الحركة الصحيحة للتاريخ.! خير الكلام: من يعرف نفسه جيدا لن يكترث بما يقوله الآخرون عنه! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله