فى كلمته الختامية بشرم الشيخ أشار الرئيس عبد الفتاح السيسى لبعثة يابانية جاءت لمصر فى القرن التاسع عشر. وإشارته أيقظت فى ذاكرتى زيارتى اليابانية سنة 1993. وكتابى عن سفريتي: مفاكهة الخلان فى رحلة اليابان. كنت مشغولاً بقضية: لماذا تقدمت اليابان وتعثرنا نحن؟ كان لى اهتمام خاص بالعلاقات بين مصر واليابان فى زمن بناء الدولة الحديثة. محمد على فى مصر ومييجى العظيم فى اليابان.فى طوكيو قابلت الدكتور توشيو تاوا. مدير معهد الشرق الأوسط فى الخارجية اليابانية، فوجئت بإنكاره لعلاقات جرت بين اليابان ومصر. ذكر لي: - القول إن هناك علاقات بين مصر واليابان فى القرن الماضى فيه خطأ. إنها أساطير مصرية. يمكن القول كانت عندنا دراسات للغة العربية، كان هناك طلاب يدرسون كل شىء عن مصر والمنطقة العربية، وهذا ما زال مستمراً منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن. وهذا المعهد لم يكن موجوداً منذ 30 سنة مضت. ولكن يقال: إن مصر واليابان فى عصر «ماييجي» جرت بينهما اتصالات؟!. - ربما كانت معلومات صحيحة، ولكنى أعتقد أنها لو تمت؛ فإنها لم تصدر عن رغبة فى معرفة الحضارة العربية الإسلامية، ولكن بنوع من الفضول فقط. لا أكثر ولا أقل. ثم لا تنس أنه فى عصر الإمبراطور العظيم: ماييجي، لم تكن مصر استقلت بعد.قد يكون هناك خطأ فى التوقيت. ربما جرى هذا قبل عصره، ولكن كتب التاريخ عندنا تخلو من ذكره. ثم إن مصر قبل الاحتلال الإنجليزى كانت محتلة أيضاً من قبل العثمانيين. ومعلومة أن اليابان أرسلت إلى مصر لتطلب مساعدات، أسمعها لأول مرة فى حياتي، برغم اهتمامى بتاريخ الفترة. فى معهد آسيا وإفريقيا فى جامعة طوكيو، قدم لى «كامى توكا» مدير المعهد دراسة عن القرية فى مصر العثمانية وفى اليابان، ضمن سلسلة الدراسات الخاصة بالثقافات الإسلامية برقم «7» فى السلسلة وكتبها وأعدها: عبد الرحيم عبد الرحمن، وأطاروا ميكي. سألته: ولكن كانت هناك صلات مصرية يابانية فى ذلك الوقت؟!. - إن الذى درس القضية الدكتور رءوف عباس حامد، دعوناه لليابان ليجرى بحوثاً حول القضية. خاصة أن هناك تشابهاً بين العصرين؛ كل منهما جاء قبل التحديث والتغريب مباشرة، عندما كان الموضوع المثار العلاقة بين الإمبراطور والحاكم العسكرى والعالم الإقطاعي. يمكن القول إن هناك تشابهاً بين البلدين فى هذا الظرف بالذات. ندرس عصر محمد على باهتمام، ولا بد من الاعتراف أننا بدأنا فى اليابان متأخرين عن محمد علي، سبقنا إلى التحديث والتنمية والعصرية وبنى نظام حياة حديثة، واليابان تأخرت عن مصر، من 50 إلى 60 سنة، وهذه حقائق تاريخية لا تقبل الجدل أو المناقشة ولا أحد يستطيع أن يقاوم حقائق التاريخ. وماذا عن العلاقات بين محمد على وماييجي؟!. - لا أعتقد أنه كانت هناك علاقات شخصية بين محمد على وماييجي، واليابان لم تعرف التجربة المصرية. الأمر الحاكم عندنا: هل كانت توجد قنوات معلومات بين البلدين، أم لا؟ ولا أعتقد أنه كانت هناك أية قنوات معلومات مباشرة؛ كانت قنوات المعلومات فى الاتجاهين: من اليابان إلى مصر. ومن مصر إلى اليابان تمر عبر أوروبا. ونحن هنا متأكدون من عدم وجود قناة مباشرة. ولكن لدينا صورة لبعثة يابانية تقف أمام تمثال «أبو الهول» الذى هو أحد معالم مصر؟. - كانت هناك بعثة يابانية سافرت إلى أوروبا وبالتحديد إلى ألمانيا وإنجلترا وفرنسا، مرت البعثة على مصر، وكان هذا بعد إصلاحات ماييجي، ولا تنس أن اليابان بعد هذه الإصلاحات كانت تنافس العالم؛ فكيف يمكن القول أنها استفادت من مصر؟. فى طريق عودة البعثة من أوروبا مرت على مصر، وكان ذلك فى زمن ثورة عرابى التى كانت تقاوم التدخل الأوروبى فى شئون مصر. - صدر فى جمعية مسلمى اليابان كتاب عن تاريخ الإسلام فى اليابان منذ دخوله إلى اليابان وحتى الآن. ربما كان فيه شىء موثق عن الموضوع. والمراسلات مع عرابي؟!. - قد تكون هناك مراسلات يابانية مع عرابى باشا، ولكن هل كانت المراسلات مع ماييجى أم مع غيره؟! خاصة أنه كانت هناك مجايلة بينهما، أى أنهما كانا فى زمان واحد تقريباً. لم أقتنع بالمرويات اليابانية لعلاقات القاهرة مع طوكيو فى القرن ال19، لم يكن أمامى سواه. بعد عودتى لمصر ذهبت للدكتور رءوف عباس حامد وسألته عن ملابسات البعثة التى زارت مصر. وطلبت منه أن يمدنى بالصورة الشهيرة للبعثة اليابانية بزى الساموراى الوطنى واقفة أمام تمثال زأبو الهولس: - البعثة جاءت إلى مصر سنة 1872 فى زمن الخديو إسماعيل، وكانت مكلفة بمهمة من الإمبراطور ماييجي، وكانوا من الساموراى وهم الذين كانوا يتولون الحكم، وكان هدف البعثة الطواف بأوروبا من أجل متابعة التحديث، ومحاولة الاستعانة بالخبرة الغربية فى التنمية وجذب رءوس أموالها. بقيت من البعثة صورتان. الصورة الشهيرة أمام «أبو الهول» وأفراد البعثة يرتدون ملابس الساموراى المعروفة، ولأعضاء البعثة الخمسة صورة أخرى فى برلين يجلسون فيها متجاورين. ماذا فعلوا فى مصر؟! - كانوا عابرين؛ كان من عادة الركاب أن ينزلوا من السفن فى السويس. ويسافروا إلى القاهرة والإسكندرية من أجل السياحة والفرجة، ثم يعودون بعد ذلك إلى بورسعيد؛ فتكون السفينة قد وصلت إليها. ويستأنفون رحلتهم، والرحلة من السويس إلى القاهرة والإسكندرية، والعودة إلى بور سعيد كانت تتم بالقطار.استغرقت العملية أسبوعاً. توقفت السفينة فى بورسعيد للتموين، وكانت فى بورسعيد محطة كبرى للفحم من أجل تموين السفن، وكانت أهمية مصر بالنسبة لليابان وقتها مرتبطة بوجود قناة السويس بها وهى الطريق المختصر والأقرب إلى الغرب عموماً، وأوروبا خصوصاً. والصورة الشهيرة لليابانيين أمام زأبو الهولس صوَّرها اليابانيون. وأعتقد أنه لم تكن لهم أى صفة رسمية فى مصر، ولكن مرورهم بها كان أقرب إلى السياحة. ومن المؤكد أنهم شاهدوا ورأوا وعرفوا واستفادوا من التجربة المصرية. شهادتان يابانية ومصرية عن الحدث المهم. لمزيد من مقالات يوسف القعيد