ما الذي حدث لمصر والمصريين؟ سؤال تتعدد زوايا الإجابة عنه, هناك من يتحدث عن الجانب الأخلاقي أو الطبقي أو عن غياب الطبقة المتوسطة أو انتشار الفساد بمختلف أشكاله ونحن نترك هذا كله وغيره من الجوانب للمتخصصين فيه الا اننا نتوقف بالإجابة عند التحولات التي حدثت للمصريين من شعب يفتخر بأن في كل بيت شهيدا علي نضاله الوطني وحروبه ودفاعه عن شرفه واستعادة أرضه, الي شعب يتألم لأن في كل بيت الآن مريضا.. من وراء تدمير صحة المصريين؟ إن كل شيء ضاع من مصر يمكن تعويضه الا الصحة التي ضاعت وغابت عن ملايين المصريين؟ وهذا من أخطر ماتواجهه مصر الآن ومستقبلا إذ أن شعبا بلا صحة هو شعب بلا مستقبل واذا كان الآن الاهتمام من جانب كل القوي السياسية لبناء مصر جديدة فإنه من الضروري ان نفتح كل جراح الوطن المستعصية بلا خجل للوصول الي العلاج المناسب. وفي هذا الشأن المتعلق بالصحة نذكر بأن مصر كانت قد انضمت عام1976 الي اتفاقية دولية تنص المادة16 منها علي حق كل إنسان في الرعاية الصحية الكاملة والطب الوقائي وبطبيعة الحال لم يطبق منها شيء. غير أنه ينبغي ان يكون معلوما ان ما نثيره الآن ليس بالأمر الجديد ولكن المؤسف حقيقة هو مدي إهمال هذا الملف الخطير والذي يبدو وكأنه متعمد ان لم يكن مخططا لتدمير القوة البشرية للوطن ونحن عندما نطرح بإيجاز له انما نعني ان يحصل علي أولوية في مجلسي الشعب والشوري باعتباره قضية أمن قومي بالدرجة الأولي وعندئذ يراجع مجلس الشعب مضابطه وسوف يكشف فيها خبايا شديدة الوطأة. وعلي سبيل المثال شهد فبراير عام2007 ثلاثة استجوابات بمجلس الشعب تقدم بها نائبان عن الإخوان ووفدي تتهم الحكومة آنذاك بتدمير صحة المصريين فقد فجر النائب أكرم الشاعر ما سماه فضيحة في مستشفي قصر العيني بطلها نجل أحد المحافظين كصاحب شركة تقدمت بعروض لمستلزمات وهمية للمستشفي تبين أنها باسم محل عصير قصب ومطعم, وانتقدم عدم وجود خطة لمواجهة كابوس الكبد الوبائي وقد اتهم النائب الوفدي محمد عبد العليم داود الحكومة بتدمير صحة المصريين ودلل علي ذلك باحتلال مصر ترتيبا متقدما في أمرض الكبد والسكر. ولقد تمكنت الأمراض من مصر والمصريين ولاتخلو أسرة الآن من مريض بينها وفي نفس الوقت انهارت الخدمات الصحية بشكل مؤسف وقد تركوا الناس للأمراض وللعلاج خارج المستشفيات الحكومية التي أصبحت تشكو من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية, كما أصبح التعليم مسئولية الأفراد وانتشرت الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية وأصبح الانفاق عليها أحد البنود الرئيسية في ميزانية الأسرة المصرية فإن الانفاق علي العلاج أصبح مسئولية المواطن وتخلت الدولة عن مسئوليتها ووظيفتها. ومنذ أيام كان المركز المصري للدراسات الاقتصادية قد عقد ندوة عن الحد الأدني للأجور قدمت فيه الدكتورة ماجدة قنديل والدكتورة أمنية حلمي أفكارا جديدة ومتميزة لمواجهة فوضي الأجور كما سماها الدكتور سمير رضوان وزير المالية الأسبق الا ان الأمر المثير كان تلك المفاجأة التي فجرها الدكتور صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والادارة وفسر بها هذا التدني المروع في صحة الناس والخدمات الصحية والذي حدث بسبب استخدام الأموال في غير الغرض المخصص له, فقد تم تشغيل عمالة مؤقتة في وزارة الصحة من فلوس الصيانة والتشغيل بوزارة الصحة ومن ثم الذي حدث أن التشغيل في المستشفيات قد توقف وأصبحت تعاني نقصا حادا في المستلزمات الطبية والأجهزة وقطع غيارها وأضاف الدكتور النحاس ان العلاج علي نفقة الدولة خارج منظومة وزارة الصحة قد زاد الي أرقام فلكية بسبب عدم وجود مستلزمات تشغيل في المستشفيات الحكومية والمعني هنا ان الحكومة ضحكت علي المتعطلين بتعيين مؤقت في وزارة الصحة لا تحتاجه وجاء ذلك علي حساب الخدمة الصحية ذاتها. لم يكن هذا وحده تفسيرا يكفي لما آلت إليه صحة المصريين ولكن هناك جانبا آخر يحتاج الي وقفة للحساب والمراجعة باعتباره ولايزال ينخر في صحة أبناء هذا الوطن وهو مايتعلق بالزراعة والانتاج فإذا كان صحيحا ان الانتاج الزراعي قد زاد لملاحقة الزيادة السكانية لكن يبقي صحيحا أيضا وبدرجة أكبر ان المتبقيات الكيماوية في الغذاء المصري قد أصابت نسبة عالية من المصريين بأخطر الأمراض وأعلاها تكلفة في العلاج وتخرج عن مقدور وإمكانيات الكثيرين وتدور أسباب ذلك في الافراط في استخدام المبيدات الحشرية والزراعية بمياه الصرف الصحي والتغاضي عن المواصفات الصحية الآمنة, حيث إن نحو7 آلاف مواصفة قياسية للسلع المصرية تهدد صحة المصريين صادرة عام2005 ومخالفة للمعايير الدولية للاستيراد بسبب تواطؤ السلطة مع بعض رجال الأعمال من المستوردين وأصحاب مصانع اللانشون والبسطرمة ومصنعات اللحوم وهل نسينا فضائح استيراد القمح بالديدان؟ والأمر الخطير في هذا الشأن هو أن نحو80% من المنتجات الغذائية تنتجها مصانع بير السلم بلا مواصفات صحية ولا رقابة من أي جهاز في الدولة. الأمر لايتوقف عند هذه الحدود ولكنه ينبغي ان ينتقل الي الملف الأسود للمنح والمساعدات الأجنبية في الصحة الذي يعتبر أحد أهم أسباب الفساد وهو مايحتاج الي تناول في مقال آخر. [email protected] المزيد من مقالات عصام رفعت