"الجنة تحت أقدام الأمهات"..حديث مشهور ذهب البعض أخيرا لإنكاره بحجة ضعفه ضمن موضة تضعيف الأحاديث وإنكارها- وبحسب الحاجة أحيانا- التى أصبحت شائعة مؤخرا.. رغم إقرار هؤلاء أنفسهم بصحة أحاديث أخرى لها نفس المعنى تماما! والروايات الصحيحة التى يقرونها..إنه [ جاء احدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو..وقد جئت أستشيرك" فقال:هل لك من أم؟ قال: نعم.قال: فالزمها..فإن الجنة تحت قدميها"]. وفى رواية أخرى [قال يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدارالآخرة قال ويحك أحيَّة أمك قلت نعم قال ارجع فبرها "فلما ألح عليه قال" ويحك ألزم رجلها فثم الجنة "]..وواضح ان المعنى واحد فى الأحاديث الثلاثة ومعروف عند أهل العلم أن الأحاديث الضعيفة يقوى بعضها بعضا ويؤخذ بها فى صالح الأعمال ولا يتم إنكارها !!
وليس معنى الحديث إن كل الأمهات سيدخلن الجنة.. ولكن معناه أنهن سيكونون السبب فى دخول أبنائهن الجنة - إن كانوا فى خدمتهن ورعايتهن- وإن لم يدخلوها هم!.. فيقول تعالى " أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا". ويتضح من الآية أن الوالدين كافرين وإنهما يجهدون ولدهم لكى يتبع ملتهم .. ومع ذلك أمر الله تعالى الابن ببرهما وحسن صحبتهما وإن عصاهما فيما يطالبونه من كفر او فساد. فيكونا سببا فى دخول الابن الجنة لطاعته لله تعالى ببرهما لكنهما لن يدخلا الجنة لكفرهما. وفى هذا ردٌ واضح على من يتساءلون عن فرض بر الوالدين إذا كان احدهما فاسد الخلق أو قاسى عليهم او مقصرا فى التربية اوالإنفاق اوالحنو عليهم ؟..فليس هناك فسادا أكثر من الكفر الذى يورث فى كثير من الأحيان الضلال والفسق والجهل وغلظة القلب بل حتى لو قسوا على الابن لدرجة الإجهاد العصبى والنفسى وربما الجسدى كى يكفر مثلهما..فهو لايزال مطالبا بالبر وحسن الصحبة وعدم مقابلة قسوتهم بمثلها فيقول تعالى "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ".. والإحسان هو المعاملة بأحسن مما يعامل..ويقول تعالى " إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا " ولا تتعجب من قوله تعالى " جَنَاحَ الذُّلِّ " فكَم ذلوا كى يوفروا لك ما أصبحت به قويا قادرا..وحتى لو لم يفعلا كل ما رجوت منهما..كن بهما محسنا . فعندما يقول تعالى " فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا " فسبحانه يعلم تماما أنهم فى كبرهم سيفعلون ما يستدعى نفاذ صبرك وتأففك وتجرؤك عليهم بنهرهم .. فيقول لك لاتفعل . فهذا هو امتحانك فى الدنيا التى هى دار الامتحان فعلى ماذا كان سيكافئك ويدخلك الجنة ببرهما لو كانا قد قاما بكل ما تمنيت ورجوت منهما فى تربيتك ولم يفعلا أبدا مايثير غضبك وزهقك فى كبرهما؟!! فلا تنسى ان للجنة مهر كبير" أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " فمهر الجنة الصبروالجهاد..فجهاد النفس هو الأكبر والأصعب. وأعلم ان أهم صفات "اُويس القَرَنى" الذى وصَى به رسول الله صلى الله عليه وسلم كبار صحابته عمربن الخطاب وعلى ابن ابى طالب ان يطلبوا منه الاستغفار لهما إذا لقوه ..هو بره بوالدته . وان "الحكيم الترمذى" أراد ان يسافر مع رفاقه لطلب العلم والتفقه فى الدين فحزنت أمه لفراقه..فمكث معها كى تقرعينها ولاتحزن..فأورثه الله الحكمة عوضا عما ضحى به من علم لأجل أمه!..ولازلنا نستشرف الحكمة من كتبه حتى يومنا هذا بينما لانذكر أحدا من أصحابه!