اربع قوى محفزة للعنف فى منطقتنا، شدة تأثيرها على المشهد الصراعى فى الشرق الاوسط، تتراوح بين واحدةواخرى، كما ان التعامل معها بعضه يحتاج الى ادوات وطنية، وبعضه يحتاج الى ادوات اقليمية وبعضها دولي. العامل الاول: النزاع المذهبى المتفشى، فقد بليت هذه المنطقة فى الثلاثين سنة الاخيرة بهجمة مذهبية تقودها ايران، ليس بسبب شيعيتها، ولكن بسبب نزعة التوسع الارية لديها ،المتمثلة فى اعادة الامبراطورية الفارسية، انما هذه النزعة تُغطى بشىء من المهارة فى البداية بشعارات محاربة اسرائيل ونصرة الفلسطنين، ثم تحولت الى محاربة (الشيطان الاكبر) وتوسعت هذه النزعة للتدخل المباشر او غير المباشر فى الشأن العربى من العراق الى سوريا الى لبنان واخيرا الى اليمن، كما امتدت المحاولة الى البحرين، و مرت حتى بالسودان، هذه النزعة وصلت الآن الى ذروتها من خلال التعاون بين الولاياتالمتحدة و ايران فى محاربة داعش علنا وامام الاشهاد ، كل بحسب اجندته التى يرغب فى تحقيقها. اليوم قيادات من الحرس الثورى الايرانى تقاتل بالفعل فى كل من سورياوالعراق، وما الجسر الجوى الذى امتد من طهران الى صنعاء فى الاسبوع الاخير ،إلا مقدمة تنذر بتدخل مباشر ايرانى - عسكرى فى الجزء الجنوبى من الجزيرة العربية، هذا التدخل السافر والمستمر فى السنوات الاخيرة غذى لدى اطراف سنية تشاهد هذه الهجمة، ردة فعل ادت فى بعضها الى تدفق شباب سنى الى تبنى العنف المضاد. العامل الثانى: والمهم هو مسيرة التعليم بشكل عام، والتعليم الدينى على وجه الخصوص، فالانظمة السابقة و الموازية للربيع العربي، فى طريقها الى الهروب من مما يجب ان تنجز من عمل اقتصادى وسياسى وثقافى جاد، يقدم للناس ثمرات التنمية الحقيقية المبتغاة وبحسن توزيعها بين فئات المجتمعى بعدل ، بسبب الفشل ذاك ،تركت امر التعليم الدينى كى يغشاه الكثير من الخرافات و الاساطير والتأويلات غير المنطقية او العقلية، فى سبيل اسكات او تخدير الشعوب، وترضية من اتخذ من الدين.. مطية .. للركوب فى المركب السياسي، واحتكار العلاقة بالله. وبعض تلك التنظيمات اتخذت من الدين و(الاسلام) مسمى خاصا بها، مثل ( الاخوان المسلمين) و( حزب الله) و( انصار الله) الى آخره من الاسماء التى تدعى القرب الخاص بالله سبحانه وتعالى، وحرمان الاخيرين من ذلك القرب، على ان غيرهم ليسوا (مسلمين) وليسوا من حزب الله ،ولا انصار الله. وهذا نقل للاسلام من اسلام الوئام الى اسلام الخصام. ويحدثنا المفكر السورى جورج طرابيشى (وهو من المفكرين العرب، المسيحيين، السوريين) ويعيش الآن فى المنفى، فى مقال اخير نشر له، انه بعد الانقلابات فى سوريا فى وسط الخمسينيات، وكان فريق من الاخوان قد شارك فيها، لم يطالبوا بالاشتراك فى الحكم، فقط كان لهم مطلب وحيد، (تدريس الدين فى المدارس الثانوية)، التى لم يكن قبل ذلك متبعا فى تلك المدارس وكان لهم ما ارادوا، وهكذا تحول التعليم الدينى الى تقديس الافراد والشخوص والسلف، كما شحن شبابنا بعدد كبير من عناصر الكراهية، ضد الآخر المختلف، حتى لو كان مواطننا، ووصلنا الى خط الفقر فى الامن الثقافى، الذى يفسر نصوص الدين تفسيرات تناسب الاجندة السياسية لتلك الجماعات، ومازالت محاولاتهم فى هذا المقام مستمرة، واما مقاومة العقلانيين العرب لكل المحاولات فهى حتى الساعة ضعيفة وغير منظمة، وهكذا ما ان يصيح المنادى حتى يتدفق شبابنا الى العنف دون رؤية ودون حصانة. اما العامل الثالث: من القوى المحفزة على العنف، فهو تسلط الدولة على المجتمع، فاستشرت الدولة من خلال عدد من مؤسساتها على المجتمع، حتى غدت ميزانية العسس والمخبرين، اكبر من الميزانيات المخصصة للثقافة، ادى ذلك الى فشل الدولة، الذى اتاح فرص تنامى جماعات العنف، كما هو قائم الآن فى سوريا وليبيا واليمن والعراق، وتركت الدولة التسلطية الفضاء السياسى نهبا للجماعات المتطرفة التى تعيث فسادا فى المنطقة. اما العامل الرابع: فهو العامل الخارجى،وهو خليط من قوى العولمة التى ضربت بقسوة النسيج الاجتماعى والاقتصادى العربى، والتأثير السياسى السلبى لقوى الغرب الاستعمار باشكاله المختلفة، والتى اضرت فى كثير من نشاطها بصيرورة العمل السياسى المتسق فى عالمنا العربي. على سبيل المثال، فإن احتلال فلسطين، وما عاناه ويعانيه الفلسطينيون من اذى انسانى مركب، ترك تأثيرا سلبيا غائرا فى نفس العربى، كان ومازال دافعا قويا لاشاعة الاضطراب فى المنطقة، وقد دفع الشباب بالكفر بانظمتهم، وايضا بالاستعداد الطبيعى للسير وراء الآخر، الذى يعدهم بانصاف مظلوميتهم، حتى لو كان ذلك الآخر (تاجرا بها) اكثر من مؤمن بعدالتها. وفاقم هذا الامر ما بعد احداث افغانستان التى وظفت فيها الولاياتالمتحدة بعض اطراف عربية دفعت بشبابها طوعا او تحت تأثير الدعاية الى ساحات تعلم فيها أولئك على القتل و التخريب، ثم انتهى الامر الى تحول بعضهم الى احداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 التى مازلنا نعانى منها. العامل الخارجى بالغ التأثير جعل من بعض شبابنا يحمل كراهية للخارج، ويرى فى مواقفهم السياسية بدا من نصرة اسرائيل الى نصرة القوى الفاسدة، كل السلبيات والشرور وان مواقف تلك الدول قطعت الطريق على قيام دولة مدنية حديثة وعادلة يستحقها الشعب العربى. تلك العوامل الاربعة وما نتج عنها اورثت ثقافة العنف التى نعانى منها اليوم، وامر احتواء نتائج تلك العوامل هى التى يجب ان نصرف الكثير من الجهد للحديث عنها ومناقشتها، ووضع الخطط الموضوعية لمواجهتها بالطريقة العلمية و المنظمة والمؤسسية. وهذا ليس جهد دولة فقط، بل واقليميا وايضا على النطاق الدولى. لمزيد من مقالات محمد الرميحي