بطالة وطاقات معطلة أو مهدرة, وفساد وغياب الهدف والقدوة والإلهام, ومنظومة تعليم تجتر أصولا ماضوية اتسعت الشقة بينها وبين المتغيرات العصرية, وخطاب دينى لم يفلح فى استلهام روح الدين الذى يدعو إلى التعاون والتراحم من أجل صنع تجربة حضارية, وفقدان للثقة فى رموز ومؤسسات دينية رسمية، وغياب روح الفريق, بل إن الأمة تنجب الأبطال من أجل أن تدفعهم فريسة للجهل والفقر وغياب الرؤية.. كل ذلك وغيره كثير دفع الشباب دفعا إما إلى الهجرة والاغتراب داخل الوطن, وإما الهجرة والاغتراب خارج الأوطان، فاجتاح الدول العربية عنف إرهابى أعمى، توحش فتوغل إفساداً وتخريباً وقتلاً وترويعاً، هدفه قتل أكبر قدر من الأبرياء شاء حظهم العاثر أن يكونوا فى مقهى أو مسجد أو سوق أو مزار ديني، هدفه الأسمى بث الرعب وإثارة الفوضى وهز الأمن وشل حركة الحياة وتعطيل مصالح الناس. علماء الدين والخبراء يؤكدون أن الشباب يتطرفون ويهجرون أوطانهم للانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية التى باتت حاضنة لهم لأسباب عدة منها: الجهل والغلو الدينى والتعصب بكل أشكاله الدينية والمذهبية والأيديولوجية والقبلية، والاستبداد بالرأى وفرضه بالقوة، كادعاء امتلاك ناصية الحقيقة المطلقة وعدم الاعتراف بنسبية الحقائق السياسية والاجتماعية. والأخطر من كل ذلك هو تشويه المفاهيم الدينية بقراءات خاطئة للجهاد والأمر بالمعروف والولاء والبراء وعدم التشبه بالكفار واستعادة الخلافة، فى غفلة عن سياقها الاجتماعى الزمني. وأوهام التآمر على الإسلام والمسلمين، وكذلك الأنماط التربوية السائدة فى التنشئة العربية وعدم كفاية التحصين الثقافى للشباب دينياً وثقافيا وفكريا، ووقوعهم ضحية خطاب دينى بدلا من أن يستألف الشباب فى صنع تجربة حضارية يدفعهم دفعا فى أتون التطرف والتشدد تارة, والإلحاد والانحراف الأخلاقى تارة أخرى, أو الارتماء فى أحضان الجماعات الإرهابية والتكفيرية. منظمة قومية للشباب فى البداية يفسر الدكتور محسن خضر، أستاذ ورئيس قسم أصول التربية بجامعة عين شمس، تلك الظاهرة قائلا: إن التطرف هو الوجه الآخر للاغتراب الاجتماعي، فكثير من شبابنا افتقدوا خلال العقود الأخيرة المعنى والدلالة والقدوة والإلهام, ففى الحقبة الملكية كانت قضية الاستقلال بمثابة البوصلة للمجتمع المصري, وفى حقبة 23 يوليو كانت قضايا التحرر الوطنى والوحدة العربية تمثل البوصلة لهذه الأجيال, لكن منذ سياسات الانفتاح الاقتصادى ثم الإصلاح الاجتماعى (التكيف الهيكلي) كانت شرائح الشباب فى مقدمة الشرائح المغتربة والمضطهدة والمهملة, خاصة مع تفشى أوضاع البطالة وتراجع سياسات التعليم والثقافة, وكان علينا أن نثمن الدور الذى قامت به منظمة الشباب الاشتراكي، ومن هنا فإن التفكير فى عودة منظمة قومية للشباب يظل أمرا مطروحا, وقد افتقدت شرائح الشباب القدوة باستثناء مجالى الفن وكرة القدم, ولم تطرح نماذج قدوة يمكن أن تلهم الشباب فى مجال الثقافة والفكر والعلم. وأخطر ما يصيب المجتمع هو زيادة حالة الاغتراب بين المواطنين ولا سيما الشباب لأنهم الوجود اللازم الحى لنهضة مجتمعه, وإن تنظيمات التشدد الإسلامى و«الألتراس« و«عبدة الشيطان« و«شلة المقهى« تحولت إلى أوطان بديلة عن حضن الوطن الأم, كما تقلص انتماء الشباب حتى أصبح فى حضن داعش, أو ارتداؤه لفانلة النادى الذى يشجعه هو البديل بالإشارة إلى تآكل دور الأب والمعلم وأستاذ الجامعة وهم ركائز القدوة التقليدية فى الأحوال العادية لاحتضان ودعم وإلهام الشباب. أسباب ونتائج ويرى الدكتور عبد الفتاح إدريس، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن من أهم أسباب التطرف بوجه عام والتطرف الدينى بوجه خاص لدى الشباب فى مصر هو عدم شعور هذا الشباب بوجود عدالة اجتماعية تقارب بين طبقات هذا المجتمع, حيث لا يوجد فى المجتمع إلا طبقتان فقط, الأولى: هى طبقة الأثرياء الذين نهبوا الثروات. والطبقة الدنيا: التى تلهث من مطلع الشمس حتى غروبها لكسب الدخل الأساسي, وهؤلاء هم عامة الشعب, أما الطبقة الوسطى فقد ذابت فى الطبقة الدنيا بسبب الارتفاع الجنونى لتكاليف المعيشة, والأمر الثانى هو عدم الشعور بالعدالة القضائية؛ لأنه لا يمر على هذا المجتمع المكلوم يوم إلا ويفجع فى أحد أفراده قتلا أو إيذاء أو إضرارا بنفسه أو ببدنه أو بماله, ونظرا لبطء التقاضى والارتكان إلى قوانين فاسدة رسخت الفساد فى المجتمع واحتضنته فإن هذه القوانين من شأن التحاكم إليها واتباع إجراءات التقاضى العتيقة أدى إلى عدم وجود عدالة فى المجتمع؛ لأن العدالة البطيئة هى الظلم البين, بالإضافة إلى البطالة المتفشية بين شباب المجتمع وشيوخه, حيث لا تجد متنفسا له إلا بالبعد عن هذا البلد والسفر لأماكن أخرى؛ مما أدى إلى قتل المصريين أو حرقهم بسبب التماس لقمة العيش بعيدا عن بلد يعانى اقتصاده الانهيار ويعانى أهله الفقر, وأن هذا المجتمع لا يشعر بالأمن المادى أو السكنى أو الصحى أو الغذائى, والأمر الرابع أن هذا المجتمع لم يفرغ إلا خريجين نتجوا عن منظومة تعليم هى أفشل منظومات التعليم حتى على مستوى أكثر الدول تخلفا؛ ولذا فإن هذا المنتج لم يستطع أن ينافس شباب العالم فى مصر أو خارجها حيث إن هناك جنسيات مختلفة تغزو سوق العمل فى الداخل؛ مما زاد من البطالة. هذه المنظومة التى بح صوت الناس للمطالبة بإصلاحها وكل وزير يأتى ليجلس على كرسيه ثم نجد بعد إقالته من منصبه أنه لم ينتج شيئا وكذلك برامج التعليم منذ كان هناك تعليم فى مصر هى نفس البرامج لم يطرأ عليها تغيير أو تبديل, وكل الناس لديها برامج لتطوير التعليم وهذا لا يوجد فى مصر, وإن ما يعرض على الناس متعلقا بالدين عبر وسائل الإعلام المختلفة مستواه فى غاية التدنى، لأن من يستقطب فى وسائل الإعلام هم من قبلوا أن يرددوا كالببغاوات ما يريده أصحاب هذا الإعلام؛ ولهذا جاء هذا الإعلام خليطا من الإلحاد فى الدين والكفر بالله والتشكيك فى ثوابت هذا الدين, فضلا عن العلمانية المتفشية فى الإعلام حتى أصبحت هى الدين السائد الذى لابد أن يكون معتقدا, وما يدرس من دين فى مناهج وزارة التربية والتعليم أقرب ما يكون إلى المعلومات العامة المشوهة التى لا تحبذ لأحد أن يتبحر فى هذا الدين, وأن يؤمن بما جاء فيه, ويضاف إلى ذلك الاستخفاف المتعمد من مادة الدين وعدم اعتبارها مادة أساسية يزيد الأمر سوءا, وترتب على هذا كله أن الشباب بعد كل ذلك أصبح كالريشة فى مهب الريح ومن السهل التأثير عليه بالفقه الذى يراد أن يبرمج به، ولذا ينبغى أن ننظر لهذه المنظومة التى أفرزت هذا النتاج, وأن نعمل فيها فكرنا ونجدد ما يحتاج إلى تجديد, فإن الفساد كل الفساد أن يبقى القديم على قدمه حتى يوجد ما يقتضى تغييره, هذه المقولة التى جعلت الدولة فى الهاوية فى الدين والاقتصاد وكل المجالات. تجديد الخطاب الدينى وفى سياق متصل يؤكد الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تطرف الشباب سببه عدة عوامل تعليمية ودينية أهمها هو تجديد الخطاب الدينى الذى يدعو إليه دوما الرئيس عبد الفتاح السيسى لدوره الكبير فى تصحيح الفهم الخاطئ للدين فى المجتمع, حيث لم يكن الخطاب الدينى على نفس المستوى الذى يجعل الشباب يواجهون الحياة بكل متغيراتها, فتجديد الخطاب الدينى هو أحد الأسباب الضرورية لإنقاذ الشباب, كما أن التعليم الموازى للتعليم الأزهرى هو سبب من أسباب الأزمة الحالية وهو التعليم الذى يرعاه الإخوان والسلفيون الذى أدى لفهم خاطئ للمفاهيم الدينية, وكذلك غياب الحوار مع الشباب, وهذا أمر على درجة عالية من الخطورة, حيث لا أحد يسمع الشباب ويحل مشاكلهم, ولابد أن نبحث عن طريقة أخرى للتحاور مع الشباب مما أدى إلى انخراط الشباب فى جماعات التطرف والإرهاب، لأن الشباب يشعر الآن بالمظالم المجتمعية, وبالتالى فإن الشباب يعانى البطالة والمحسوبية والإحساس بالظلم مما أدى إلى انجذاب الشباب للجماعات المتطرفة, والمسألة تحتاج إلى حوار عاجل لإصلاح منظومة الخطاب الديني؛ لأنه هو الأساس لحل الأزمة الراهنة فى كل المحافل حتى يستشعر الشباب بوجوده وذاته, كما يجب على الدولة أن تستعين بالشباب المؤهل وأصحاب الحماس وتعيينهم فى وظائف بالدولة لخلق الانتماء داخلهم, وهذه أسباب أساسية ومحورية لحل مشاكل الشباب فى الوقت الحالى, وعلى الجميع للحصول على علوم الدين اللجوء إلى المؤسسات الدينية فقط حتى لا يقع الشباب فريسة للفهم الخاطئ للدين.