قبل سبع سنوات تقريبا سطرت مساعدات دعم الديمقراطية الأمريكية سجلا سيئ السمعة في العبث بنظام الحكم في أوكرانيا, ولم تقل رداءة ذلك السجل في اندونيسيا عنه في أوكرانيا.. فلماذا تصر واشنطن علي نبل رسالة ذلك السجل في مصر؟! وبصرف النظر عما جري لبعض منظمات المجتمع المدني المعروضة أمام القضاء.. لماذا تصر الولاياتالمتحدة علي ان رسالة دعمها للديمقراطية في العالم الثالث رسالة إنسانية يستوجب تعطيلها أو مراجعة عملها وقف كل أنواع الدعم الآخر عن الشعوب؟ إن سوابق الولايات في دعم الديمقراطية في بلد مثل أوكرانيا واندونيسيا كان بهدف إسقاطهما في الحظيرة الأمريكية بامتياز!! فلماذا الغضب من مصر علي اتخاذها ذلك الموقف الصلب إعمالا بحقها الوطني؟! فعقب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق, وتوجه أوكرانيا كغيرها من دول الانفكاك السوفييتي نحو تشكيل نظام ديمقراطي.. دخلت الولاياتالمتحدة في سباق مع روسيا للاستحواذ علي النفوذ في المنطقة, وكان الطريق لذلك هو دعم الديمقراطية اي دعم منظمات المجتمع المدني والجمعيات والمراكز والمؤسسات بعشرات الملايين من الدولارات الأمريكية, حتي تكون ذراعا قوية في تغيير قناعات الناس, وتغيير توجهات المجتمع, وفي عام 2005م, تمكنت الولاياتالمتحدة عبر مساعدات دعم الديمقراطية من التأثير علي نتائج الانتخابات الرئاسية وتولية رئيس تابع لها, وقد اعترفت بذلك وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها مادلين أولبرايت, وقام عدد من المؤسسات الأمريكية التي تعمل تحت يافطات دعم الديمقراطية مثل: المؤسسة الديمقراطية الوطنية التابعة للحزب الديمقراطي, والمؤسسة الجمهورية العالمية التابعة للحزب الجمهوري, ومؤسسة المجتمع المنفتح للمليادير اليهودي جورج سوروس قامت تحت غطاء نشر الديمقراطية أو دعمها عبر فرق مدربة تدريبا جيدا بتحريك الشعب الأوكراني نحو ما تريده الولاياتالمتحدة, حيث دعمت بقوة رجلها فيكتور يوشنكو ضد الفائز في الانتخابات الرئاسية فيكتور يانوكوفيتش وتمت اعادة الانتخابات بعد أن قامت مؤسسات دعم الديمقراطية الأمريكية الموجودة في أوكرانيا بحشد الجماهير في شوارع العاصمة كييف, وقامت وسائل الإعلام الغربية بنقل الحدث علي أنه صراع شعب من أجل الديمقراطية خاصة أن الاوكرانيين عاشوا ردحا من الزمان تحت قمع نظام فاسد وكانوا كمصر الآن يتوقون الي أمل العيش في ظل نظام ديمقراطي, ولكنهم خدعوا بأكذوبة دعم الديمقراطية التي كانت تخفي تحتها مخططا للسيطرة علي البلاد ونهب ثرواتها.. يومها أفاق الشعب علي سراب, فقد كان هو الخاسر الأول مما جري..! القصة نفسها تكررت في إندونيسيا أكبر بلد اسلامي (حوالي 350 مليون نسمة), والتي تري فيها الإدارة الأمريكية نموذجا يمكن دفع مصر إليه, اذ تري فيها كما تقول روبن بوش الخبيرة في شئون الإسلام والسياسة في إندونيسيا والتي قضت فيها أكثر من عشرين عاما تعمل مع المؤسسة الآسيوية تقول: لم تكن محاولة دفع مصر إلي النموذج الإندونيسي تهمل الفروق التاريخية والثقافية بين البلدين, لكنها ركزت في الأصل علي دور العولمة في انتقال الغيرات الجديدة بين الدول المستهدفة بما يسمي عملية الإصلاح الديمقراطي.. والمهمة الملقاة علي عاتق اندونيسيا, وهي ان تكون نموذجا لمصر وبؤرة اشعاع لديمقراطية المنطقة الآسيوية, وإذابة الإسلام في النظام الديمقراطي وصولا إلي ما يسمي الإسلام المعتدل.. أعود إلي ضجة التهديدات الأمريكية بقطع المعونات عن مصر ردا علي موقفها من منظمات دعم الديمقراطية, وأكرر هنا تأكيد ما قاله غيري بأنها ليست لوجه الله أبدا, ولا هدية للشعب المصري علي ثورته العظيمة ولكنها معونات مقابل مساعدات أكبر من قبل مصر, فحسب دراسة لمكتب محاسبة الإنفاق الحكومي التابع للكونجرس تساعد المساعدات الأمريكية في تعزيز الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. المعروف عن الغرب عموما انه لايقدم دولارا واحدا لنا او لأي جهة في العالم حتي ولو كانت مساعدات انسانية لوجه الله, بل كل دولار يقدمه ملفوف بشروط تنقص من السيادة, وتفتح ثغرات في جدار الوطن.. وغني عن البيان هنا, فإن منظمات دعم الديمقراطية لاتعدو ان تكون واحدة من أدوات الهيمنة علي العالم خاصة بلادنا, ويعد التصدي لها ضربة لواحدة من أهم تلك الأدوات. الأهم عندي في مساعي الولاياتالمتحدة والغرب عموما ل دعم الديمقراطية في العالم الثالث ما تقوله الكاتبة اليهودية روث كنج: اذا كان الإسلام في شكله المعاصر هو الذي يوحد الشعوب والقبائل العربية, فلن يكون هناك مكان للديمقراطية, فهما عنصران لايلتقيان, لكننا اذا نجحنا في زرع ديمقراطية علمانية في مصر, وتونس, وليبيا, وسوريا, فهنا نستطيع ان نحتفل ببزوغ فجر جديد يمهد لمرحلة جديدة من السلام والرفاهية العالمية, أما إذا انتصر الإسلام في هذه الثورات, فانه سيكون كالداء الذي يفسد انسجة النباتات والحيوانات, وعلينا بعدها ان ندفن تحت الثري كل مفاهيمنا القديمة عن الأنظمة السياسية العالمية وعن التنافس بينها.!! المزيد من مقالات شعبان عبد الرحمن