وهبتْ نفسها و كل حياتها لزوجها ولأولادها ضحت بالكثير من أجلهم , وبعد سنوات عديدة من الخدمة و التفاني، وجدت نفسها أربعينية وحيدة وعصبية، وتشكو من أمراض لا حصر لها على رأسها السمنة والتهاب المفاصل والاكتئاب الحاد، و لكنها لم تجد منهم الرعاية التي كانت تتوقعها...كل واحد من أبنائها مشغول بحياته والبنات مشغولات بحياتهن مع أزواجهن أو دراستهن…وحتى زوجها بدأت تلاحظ ملله عندما يكون معها…وإذا تحدث معها، فهو يتحدث منتقدا سمنتها مؤنبا لها كيف أهملت نفسها إلى أن وصلت إلى هذا الحال. باختصار شديد، لم تعد تشعر بشيء سوى أنها امرأة عجوز قصة تكاد تتكرر في أغلب البيوت. إنه عطاء الأم والزوجة اللا محدود…حبها الذي لا تطلب مقابله شيئا…عطاء مستمر غير منقطع تدفع ثمنه المرأة من صحتها وشبابها وحيويتها وقلبها وعقلها، و هو أمر تربت عليه أغلب النساء ,أن تقدم المرأة كل هذا العطاء ولا تطلب مقابلا و في بعض الأحيان تقابَل بالاستنكار إذا طالبت بالقليل من الراحة أو بالشكر و التقدير والزوج غالبا لا تجد منه امرأة كهذه إلا اللوم أو النفور لأنها لم تعد تلك الأنثى الجميلة الرشيقة الممتلئة بالحيوية، متناسيا أنها أهملت نفسها من أجل خدمته وراحته هو و أبنائه الذين يفاخر بهم وبشهاداتهم و إنجازاتهم وأخلاقهم (التي ليس له دور كبير فيها على الأرجح!) ولكن هذه هي طبيعة البشر…ينسون المعروف الذي مضى عندما يختلف عليهم الحاضر ترى من الملام هنا؟ الأولاد أم الزوج أم الزوجة؟ في رأيي الملام هنا هو ثقافتنا و تربيتنا الاجتماعية. تربينا على مثاليات لا تتناسب مع الطبيعة البشرية. تربينا على أن التفاني وإنكار الذات هو ما يجعل من المرأة زوجة صالحة وأماً مثالية, هذا كلام رومانسي جميل لكنه مبالغ فيه لأن نتيجته مؤلمة وحزينة كما نرى في معظم البيوت حولنا. العطاء هو أسمى مظهر من مظاهر الحب بلا شك، لكن المبالغة في العطاء و التفاني و نسيان الذات ما هي إلا موت بطيئ، لأن الأبناء و الزوج بطبيعتهم إذا تعودوا على شيء، فلن يقبلوا بغيره أو بأقل منه، و أي تغيير تطالب به المرأة بعد سنوات من التفاني، سوف يبدو كتمرد أو كتقصير منها. تقول البريطانية رينيه وايد خبيرة الأنوثة و العلاقات بأن هناك فرق بين العطاء من منطلق فخر وقوة ومقدرة وبين العطاء من منطلق خوف من الخسارة أو فقط للمحافظة على الحياة. و تضرب رينيه بضعة أمثلة على العطاء “الضعيف” فتقول بأن العطاء الذي يجبرك للتنازل عن راحتك من أجل احتياج ثانوي قابل للتأجيل للأولاد أو الزوج ما هو إلا عطاء ضعيف ,عندما تقومين بترتيب غرفة ابنتك المراهقة لمجرد أنها لا تحب الترتيب وتجده مملا، فهذا “عطاء خاسر” لأنكِ تعطينها درسا عملياً في الإهمال وفي عدم تحمل المسؤولية وتلقين على أكتافكِ مسؤولية ليست مسؤوليتك. عندما لا تًشعِرين زوجك أبدا بأنكِ قد تعبتي، فهذا سيجعله يعتقد بأنك سعيدة هكذا و بأن لا شيء يناسبك أو يسعدك سوى عمل البيت. الخطأ الكبير هو أن تحرصي (باستمرار) على أن تسعدي الآخرين على حساب راحتك و سعادتك. إن الخطأ الكبير الذي تخطئينه بحق نفسك هو أن يصبح إسعاد الآخرين على حساب سعادتك هو (أسلوب حياتك الدائم). من الجميل أن نضحي قليلا أو أن نعطي و نضحي من فترة لأخرى من أجل الآخرين، لكن من المدمر لنا أن نعطي بلا توقف ولا نطالب بالمقابل من تقدير أو خدمة و أن ننسى أنفسنا في ظل(هوسنا) بإسعاد الآخرين على حساب راحتنا . و ربما يفيد أن نضع خطوات للعطاء بذكاء حتى لا نقصر في واجباتنا نحو الآخرين و حتى لا نظلم أنفسنا في ذات الوقت: 1- لا تقصري في واجباتك أبدا نحو زوجك و أولادك فأداء الواجب منبع للقوة وهو سبيلك الأول للحصول على حقوقك 2- لا تتنازلي عن حقوقك، فكل واجب تقومين به يقابله حق يجب أن تحصلي عليه 3- على كل إنسان تتعاملين معه حقوق تجاهك، فلا تنسيها و لا تخجلي من المطالبة بها بإحترام وأدب…و لا تيأسي من أول محاولة فاشلة للمطالبة بحقوقك! 4- رتبي أولوياتك وحددي أهدافك، و دربي نفسك على حسن إدارة الوقت، فمعظم مشاكل النساء و إهمالهن لأنفسهن تنبع من عدم معرفتهن بإدارة و تنظيم أوقاتهن، و تذكري أن التوازن وتنظيم الوقت هو سر نجاحك كزوجة و أم و امرأة! 5- عندما تكونين متعبة أو مرهقة فعلا، لا تخجلي من أن تقصري في أداء واجباتك، فأنتِ بشر و لا أحد كامل! 6- عندما تحتاجين للراحة، لا تترددي في أن تطالبي بها 7- عودي أولادك على أن يكون هناك وقت خاص لكِ وحدكِ أو لكِ أنتِ و والدهم، و ربيهم على أن أوقاتك الخاصة هي أوقات مقدسة لا يحق لهم المساس بها إلا في حالات الطواريء لا سمح الله 8- عودي زوجك و أولادك على أن يكون هناك وقت مخصص لكِ لتمارسي فيه هوايتك كالقراءة أو الخروج مع الصديقات أو حتى للاهتمام بصحتك كممارسة الرياضة. 9- عبري عن مشاعركِ لزوجك أو أولادك أو أهلك أو صديقاتك…عبري عن مشاعر الغضب أو الحزن أو أي مشاعر أخرى مهما كنتِ تعتقدين أن مشاعركِ سخيفة أو غير مهمة…لا تكتمي مشاعرك، فمجرد الحديث مع زوجك أو ابنتك سيريحك وقد يفتح لكِ آفاقا أخرى و يلهمك ويلهمهم بأفكار جديدة تسعدك وتسعد الجميع. 10- تذكري دائما أن تريحي الأم لتسعدي الأنثى في داخلك و تذكري أن أنثى سعيدة تعني أما ناجحة! و ارجعي لصورة المرأة التي ذكرناها في معظم البيوت…أنتِ لا تريدين أن تكوني تلك المرأة أبدا! أنتِ تريدين أن تكبري وتشعري بالحياة أكثر و تستمتعي بكل تفاصيلها أيضا، أعطِ ، و لكن لا تنسي نفسك واستمتعي بالحياة ليستمتع جميع من حولك بها! [email protected] لمزيد من مقالات شروق عياد