الكلمة التى القاها الرئيس فلاديمير بوتين فى اجتماع قيادات أجهزة الأمن والمخابرات والشرطة فى نهاية الاسبوع الماضى تكشف ضمنا عن بعض خيوط الكشف عن هوية مدبرى ومنفذى جريمة اغتيال المعارض بوريس نيمتسوف، ولا سيما بعد اعتراف الكسندر بورتنيكوف رئيس جهاز الامن والمخابرات بوجود «المتهمين»، وإن قرن ذلك بقوله ان ذلك يظل فى «عداد الاحتمالات»!. وكان بوتين طالب الاجهزة الامنية بالعمل «من اجل تخليص روسيا من عار وكوارث الجرائم الفاجرة مثل جريمة قتل بوريس نيمتسوف فى قلب العاصمة». وتوقف الرئيس الروسى طويلا عند «التطرف القومى» بوصفه من اهم الاخطار التى تهدد امن واستقرار الدولة الروسية مؤكدا ضرورة اهتمام الاجهزة الامنية باستباق هذه الاخطار والحيلولة دون وقوعها من خلال العمل فى أوساط الشباب والاهتمام بحملات التوعية. وكشف الرئيس الروسى عن تزايد نسبة التطرف فى المجتمع الروسى فى العام الماضى حتى 15٪ من مثيلاتها فى السابق، محذرا من مغبة النتائج على غرار ما حدث فى اوكرانيا المجاورة على حد تعبيره. واشار الى اغلاق ثمان من المنظمات التى تأكد اعتبارها من المنظمات المتطرفة، وهو ما ربطه بسيناريو «الثورات الملونة» ودسائس ومخططات الخارج التى تتراوح من تمويل منظمات المجتمع المدنى والتحركات والتظاهرات الجماهيرية وتدبير معارك الشوارع، وحتى بث الفرقة والعداء والكراهية عبر مواقع التواصل الاجتماعى بهدف إثارة النزاعات المدنية وتقويض أسس وأركان النظام الدستورى للدولة. وكانت الأجهزة الروسية الأمنية والاستخباراتية سبق وتطرقت الى هذه الموضوعات واشارت بعضها الى تورط بعض الشباب من الدارسين فى مؤسسات التعليم الدينى فى روسيا وبعض بلدان العالم العربى بالتورط فى علاقات مشبوهة مع ممثلى التنظيمات الارهابية، بينما أشار الكسندر بورتنيكوف رئيس جهاز الامن والمخابرات الى تورط عدد من المواطنين الروس ممن تلقوا تعليمهم الدينى فى بعض البلدان الاسلامية وجرى اعدادهم هناك للعمل كدعاة فى اوطانهم ، فى الترويج لما وصفها ب»الافكار الدينية الهدامة». ويذكر المراقبون ان بورتنيكوف اعترف فى كلمته التى القاها فى اجتماع قادة الاجهزة الامنية الذى عقد تحت شعار «التعاون فى مجال مكافحة الارهاب» فى واشنطن فى العشرين من فبراير الماضى بوجود 1700 من مواطنى روسيا بين صفوف مقاتلى «داعش» فى العراق. وحذر المسئول الامنى الروسى من تضاعف هذه الارقام والاخطار التى يمكن ان تنجم عن ذلك بعد عودتهم الى روسيا. وكان نيكولاى باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومى الروسى وبعد عودته من زيارتين لمصر والامارات العربية المتحدة اتهم الولاياتالمتحدة بتحمل مسئولية ظهور تنظيم «الدولة الاسلامية» من اجل زعزعة الاوضاع فى سوريا وإسقاط نظام بشار الأسد الرئيس الشرعى لسوريا ، بينما اشار إلى أن النتيجة «كانت ظهور أخطبوط إرهابى آخر يتميز بالعنف والقسوة، وسيطرته على حوالى 90 ألف كيلو متر مربع من الأراضى حسب مختلف التقديرات». واضاف باتروشيف « إن جذور تنظيم «الدولة الإسلامية» تعود إلى زمن التدخل العسكرى الغربى فى العراق، وكانت الولاياتالمتحدة سبق ووقفت ومنذ مطلع ثمانينيات القرن الماضى وراء ظهور فصائل «المجاهدين العرب» و»القاعدة» وطالبان» لمحاربة الغزو السوفيتى لافغانستان، ما يدفع اليوم «المجتمع الدولى اليوم الى ضرورة العودة مرة أخرى إلى التعامل مع القضايا الناجمة عن سياسة البيت الأبيض المتصفة بقصر النظر» حسب تعبير باتروشيف، الذى اتهم واشنطن بأنها لا تزال تستخدم سياسة «المعايير المزدوجة» فى الحرب ضد الإرهاب، على الرغم من تصريحاتها التى تحول من خلالها تأكيد النقيض من ذلك. وكان باتروشيف اشار كذلك الى فشل مخططات واشنطن وعقوباتها التى استهدفت تدهور حياة الروس بما يدفعهم الى التظاهر والاحتجاج. وبهذه المناسبة فقد عادت الولاياتالمتحدة خلال الايام القليلة الماضية لتعلن عن مد فترة العقوبات المفروضة ضد روسيا لمدة عام آخر بحجة « استمرار الاخطار التى تهدد مصالح الولاياتالمتحدةالامريكية»!. وقد جاءت هذه التصريحات مواكبة لاعلان مركز «ليفادا» وهو احد ابرز اجهزة قياس الرأى العام فى روسيا، عن نتائج آخر استطلاع للرأى فى روسيا حول شعبية الرئيس بوتين وسياساته والتى اكدت ارتفاع نسبة مؤيديه الى 86٪، بينما اعلنت نسبة 57٪ من المشاركين فى استطلاع الرأى عن رغبتهم فى ترشح بوتين لفترة ولاية رابعة فى عام 2018. اما عن التطرف القومى فى روسيا فنشير الى انه لا يقتصر على بعض ممثلى الاوساط الدينية، بل ويتجاوزهم ليشمل مناهضيهم من ممثلى التيارات القومية المتشددة، ممن اثبتت الاجهزة الامنية تورطهم فى ملاحقة ابناء القوميات الاخرى وممثلى الاقليات داخل الوطن الواحد. وهو ما أكدته الاجهزة الرسمية من خلال ما كشفت عنه من تورط ممثلى المنظمات القومية المتشددة فى الكثير من الجرائم الارهابية سواء فى روسيا او اوكرانيا المجاورة عقب اندلاع شرارة «الثورات الملونة». ومن هذا المنظور يقول المراقبون فى موسكو ان الخطاب الذى القاه الرئيس بوتين فى اجتماع القيادات الأمنية الروسية لم يكن الاول من نوعه ، حيث سبق وتطرق الرئيس الروسى الى هذه القضية فى اكثر من مناسبة، بينما كرس لها عددا من اجتماعات مجلس الامن القومى التى حذر فيها من اخطار «الثورات الملونة»، ومن تطاول الدوائر الغربية على سيادة ووحدة اراضى الدولة الروسية وتغذية الحركات الانفصالية منذ تسعينيات القرن الماضى. وأعاد هؤلاء الى الاذهان ما سبق واتخذه بوتين من اجراءات بما فى ذلك تأسيس «اللجنة الوطنية لمكافحة الارهاب» والتى قال انها مدعوة الى تحسين الاوضاع فى مجال التخطيط لعمليات التصدى للعمليات الارهابية وتبنى الضربات الوقائية فى التعامل مع الارهابيين الى جانب مطالبته قيادات الاجهزة الامنية والمخابرات والشرطة بتنسيق الجهود فيما بينها من اجل مواجهة نشاط المجموعات المتطرفة التى طالما استهدفت الاجانب فى روسيا انطلاقا من منطلقات دينية وعنصرية وقومية. وطالب بتشكيل اجهزة الرقابة المدنية من اجل مراقبة نشاط الاجهزة الأمنية مشيرا الى تدهور مستوى الثقة باجهزة الشرطة، وهو ما عاد ليتطرق اليه فى لقائه الاخير مع كبار القيادات الامنية من خلال اشارته الى ضرورة الاستمرار فى حملات تطهير الاجهزة من الداخل. ولعله يكون من المناسب هنا الاشارة الى حرص الرئيس الروسى تأكيد القاعدة التشريعية لمكافحة كل ظواهر «الثورات الملونة» والتصدى لاساليبها من خلال ترسانة من القوانين التى تنظم التظاهر وتتابع مواقع التواصل الاجتماعى وتفرض الرقابة على الشبكة الدولية «الانترنت»، وتمويل منظمات المجتمع المدنى وهو ما اثار سخط واحتجاجات الدوائر الغربية فى حينه.