«الأهرام» ليس مجرد صحيفة تصدر كل صباح.. وإنما هى مؤسسة عملاقة تحوى بين جنباتها كنوزا ثمينة.. ومركز الأهرام للتنظيم وتكنولوجيا المعلومات «" أسيوت» هو أحد أهم هذه الكنوز بما يمتلكه من تراكم معرفى ضخم ومتنوع نشر على صفحات الأهرام على مدار نحو 140 عاما. ولأنها الأهم والأجود والأعرق والأكبر .. ولأن قارئها هو الهدف والغاية الذى نكن له التقدير والإجلال وندين له بالولاء والعرفان .. فقد قررنا فتح كنز " أسيوت " المثير لقارئنا الكريم .. نعيد نشر الأحداث .. نجلى الحقائق .. نكشف الملابسات .. نفند الأسباب .. ونؤرخ للتاريخ من خلال ما نشر فى الأهرام على مدار تاريخه من أخبار مهمة .. ومقالات شهيرة .. وقصص مثيرة .. وصور نادرة .. وكاريكاتير ساخر فى شتى مناحى الحياة .. ونقدم لكم هذه الصفحة " ذاكرة الأهرام" . واليوم نتحدث عن عبقرى مصر وأديبها العملاق "صاحب العبقريات"عباس محمود العقاد أو"الأديب المتفرغ" و"الكاتب العصامى" – كما أطلق عليه الأديب الكبير لويس عوض باعتباره أول نموذج عرفته مصر يشق طريقه فى الحياة بقلمه ويأبى أن تكون له صناعة غير صناعة القلم يعتمد عليها فى رزقه ويكسب قوته من فكره وأدبه فقط .. والعقاد عالم بمفرده فرغم أنه لم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية إلا أنه أتقن اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية ,وقرأ 40 ألف كتاب وكان يزن الإنسان بعدد الكتب التى قرأها , له تراث أدبى ضخم يربو على 83 مؤلفا فى شتى ألوان الفكر والأدب والشعر والقصة أبرزها مجموعة العبقريات التى أصدرها حول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه عمر والصديق وعثمان وعلى وخالد ,وأيضا المسيح . ولذلك لم يكن غريبا أن يأمر الرئيس جمال عبد الناصر بإعادة طبع جميع مؤلفاته كتراث تعتز به مصر , وأن يتفق تلاميذه على إصدار كتبه ومؤلفاته فى طبعات أنيقة وجمع أحاديثه الإذاعية ومقالاته السياسية لينشروها على حسابهم الخاص مع مقدمات بأقلامهم , ومن أشهر مقولات العقاد "مصر كعبة الشرق القريب وإمامه ,إليها ينظر وبها يسترشد ومنها يقتبس حكمة الغرب والغربيين" و "أحسن الظن بالناس كأنهم كلهم خير , واعتمد على نفسك كأنه لا خير فى الناس" واليوم ونحن نحيى الذكرى الحادية والخمسين لوفاة العقاد والتى تحل يوم الجمعة المقبل لا يسعنا إلا أن نقدم لروحه الطاهرة هذه الصفحة المتواضعة التى تحوى لمحات سريعة لحياة حافلة بالجد والعمل والعطاء فى شتى المجالات الأدبية والفكرية والسياسية وغيرها . ------------- عباس العقاد يدفن اليوم فى أسوان محافظة أسوان تبنى ضريحا خاصا تكريما للأديب الكبير يشيع فقيد الأدب , الكاتب الكبير عباس محمود العقاد الى مقره الأخير فى أسوان صباح اليوم , وقد توفى العقاد عن 75 سنة فى الساعة الثانية والربع من صباح أمس أثر جلطة لم يتحملها قلبه , وترك العقاد خلفه تراثا أدبيا ضخما فى 83 مؤلفا , تشتمل على ألوان من الفكر والادب والشعر والقصة. وقد نقل جثمانه الى قطار الصعيد الذى غادر القاهرة فى الساعة الثامنة من مساء أمس فى طريقه الى اسوان, ومع الجثمان سافر 80 من تلاميذ المفكر الكبير واصدقائه. وكان الدكتور عزت سلامة محافظ أسوان قد دعا مجلس المحافظة الى اجتماع طارئ , وفيه تقرر إقامة ضريح خاص على الطريق المؤدى الى فندق كتراكت تكريما لذكرى الاديب الكبير فى مسقط رأسه. ..والدولة تكرم العقاد كما أمر الرئيس جمال عبد الناصر باعادة طبع كل مؤلفات العقاد كتراث أدبى تعتز به مصر , وتولت وزارة الثقافة كل نفقات جنازة الفقيد . ..و الكنيسة تدق اجراسها حدادا دقت الكنيسة الفرنسية اجراسها الساعة 5 عصر أمس حدادا على عملاق الادب الفقيد عباس محمود العقاد وموكب جنازته يمر من امام مبناها الذى يواجه نقابات المحامين والقضاة والصحفيين فى قلب القاهرة . ------------- مقال بقلمه 1956/4/4 الشهادة أعلى فضائل الانسان الشهادة أعلى فضائل الإنسان ارتقت معه إلى ذروتها العليا ، واستعد بها النوع البشرى لفهم العقيدة والإيمان ، ولكنها ملكة فطرية عميقة الأصل ، فى الحياة ملحوظة فى أنواع كثيرة من الأحياء ، لم تخلق مع الانسان ولكنها ارتقت مع الإنسان ، أو ارتقى بها الإنسان . والشهادة حيث وجدت ، مقرونة بفضيلة الفداء، او فضيلة التضحية ، موجودة فى أصول الفطرة ، ملحوظة فى تركيب الاحياء لأنها تتمثل فى تضحية الفرد بنفسه لإبقاء نوعه ، وكثير من الأحياء ، يبذل الآباء منهم حياتهم لإبقاء أبنائهم والمحافظة على أنواعهم ، وهذه هى التضحية الأولى التى ركبها الخلاق فى طبائع الأحياء ، فكانت دليلا على سنة الحياة الكبرى . سنة التضحية بالفرد الصغير حفاظا على النوع الكبير .. أما الواقع الذى نراه بأعيننا فى طبائع الأحياء ، فهو طبيعة التضحية التى يقوم عليها بقاء الحياة الخالدة ، فلا دوام لبنية حية ، بنية صغيرة او كبيرة ، بنية فردية ، او اجتماعية ، بنية حيوانية ، او إنسانية ، إلا بدوام التضحية والفداء ، وعلى التضحية والفداء تقوم فضيلة الشهادة ، وتترقى من حيز الفطرة الغريزية إلى حيز العقيدة والضمير لأن الإنسان قد خلق للارتقاء ولم يخلق للبقاء على جهالته ، محكوما بغرائزه العمياء , والنوع البشرى كغيره من الأنواع الحية – يدين بالتضحية فى سبيل بقائه ، وما من أم أو أب إلا نرى فيه أو فيها مثلا للتضحية على صور شتى ، قد تنتهى إلى التضحية بالحياة . والشهادة فى العقيدة الإسلامية أرفع من ذلك قدرا وأوسع من ذلك معنى . والشهيد فى العقيدة الإسلامية من يبذل حياته فى سبيل الحق ، أو من يذهب مظلوما فى سبيله صابرا غير متزعزع ولا ناكص على عقبيه . والشهيد فى العقيدة الإسلامية من يشهد الله على صدقه وإن كذبه الناس ، وخسر عندهم الحياة وحسن إلا حدوثه على الأفواه بعد الحياة . الشهيد فى الرفيق الأعلى مع الانبياء والصديقين والصالحين ... غاية لايبلغها كل طالب ولا يطليها كل من شاء ، إلا أن يشاءها بما هى أهله من عدة الخلق والبصيرة والايمان . ------------- لمحات عن حياته من الصدف أن العقاد ولد يوم الجمعة 28 يونيو 1889 . ودفن ايضا فى يوم الجمعة 13 مارس 1964. ولد معه فى العام نفسه نهرو . طه حسين . شارلى شابلن. حصل على شهادة الدراسة الابتدائية فى 1903. أول كتاب اصدره هو " خلاصة اليومية " عام 1913. اعتقل فى 15 اكتوبر 1930 بتهمة العيب فى الذات الملكية عندما كان عضوا فى مجلس النواب. سألوا العقاد : لماذا لم تتزوج ؟ فأجاب : لأننى إنسان مشغول !! . اتقن : الانجليزية . الألمانية .الفرنسية .. وقرأ 40 الف كتاب ..وكان يزن كل انسان بعدد الكتب التى قرأها كان يشترى كتبا كل شهر بما يترواح ما بين 50 ومائة جنيه . أرق هدية وصلته فى عيد ميلاده كانت من تلميذة له فى اليونان وكانت عبارة عن تمثال لسقراط من الرخام الأبيض . أول سكن له كان فى الامام الشافعى حين وفد الى القاهرة وهو شاب .
------------- من أقواله الماثورة مصر كعبة الشرق القريب وإمامه , أليها ينظر وبها يسترشد ومنها يقتبس حكمه على الغرب والغربيين أحسن الظن بالناس كأنهم كلهم خيرا ، وأعتمد على نفسك كأنه لا خير فى الناس. لا أحب الكتب لأننى زاهد فى الحياه ، ولكنى أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفينى. لا يكفى أن تكون فى النور لكى ترى ، بل ينبغى أن يكون فى النور ماتراه. يقول لك المرشدون : أقرأ ما ينفعك ، ولكنى أقول : بل أنتفع بما تقرأ. الشعر يعمق الحياة فيجعل الساعة من العمر ساعات الباحث عن الله يبحث عنه لأنه يرى نقصا فى الوجود لا يكمله إلا الله أو لأنه يرى إعجابا بالوجود لا يستحقه إلا الله. ------------- .. وقالواعنه المشير عبدالسلام عارف رئيس جمهورية العراق " وفاة العقاد خسارة للأدب العربى الذى فقد علما من ابرز اعلامه " مشيخة الازهر " ساهم فى تجديد الدعوة الى الاسلام والكشف عن اصالة الثقافة الاسلامية العربية وسبق اللغة العربية فى دقة التعبير وروعة البيان" جمعية المؤلفين والملحنين " علما شامخا من اعلام الفكر والرأى والأدب وقمة من قمم الثقافة واللغة " بنت الشاطئ " مات وقلمه الى جانبه , كما يموت الجندى فى الميدان, مات وكتبه من حوله:ما ألف منها وما طالع ودرس , وقد كانت كل دنياه , سيبقى منه للتاريخ ما يبقى " سهير القلماوى " إن توقف هذا القلم الجرىء الذى صمد فى دنيا الأدب 50 عاما خسارة كبيرة فى حياتنا " -------------
حكاية الكوفية!! (الكوفية) التى كان يلفها العقاد حول عنقه لها حكاية : فقد اصيب بالتهاب فى حنجرته ايام دخل السجن لأنه اتهم بالقذف فى " الذات الملكية " !!!؟؟ فلما خرج منه اضطر أن يضع الكوفية حول عنقه.واصبحت عادته سواء داخل بيته فى مصر الجديدة الذى بقى فيه 38 سنة وايجاره الشهرى : جنيهان أو خارجه. ------------- نشيد العقاد القومى 28/4/1934 كانت الساعة الخامسة موعد حفلة تكريم الاستاذ عباس محمود العقاد بمناسبة وضعه النشيد القومى وقد بدا المشتركون فى التكريم يتوافدون على تياتيرو حديقة الأزبكية منذ الساعة الرابعة وحضر الحفل دولة الرئيس الجليل مصطفى النحاس باشا , وقد تقدمت الانسة " ميمى كرارة " فاهدت لدولة الرئيس وردة بيضاء وللاستاذ العقاد باقة من الورد الابيض نيابة عن سيدات اسوان , ثم بدأت الحفلة بأيات من القراآن الكريم ثم أنشد فريق من الشبان النشيد القومى نشيد العقاد قد رفعنا العلم للعلا والفدا فى عنان السماء حى أرض الهرم حى مهد الهدى حى أم البقاء كم بنت للبنين مصر أم البناه من عرق الجدود أمة الخالدين من يهبها الحياة وهبته الخلود ------------- جوائزوهدايا 30/5/1945 هدية من كربلاء أهدى السيد محمد حسن آل ضياء الدين سادن الروضة العباسية فى "كربلاء" إلى الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد مصحفا آثريا وسجادا وقطعة من الذهب المقصب تمثل ضريح الحسين عليه السلام ،وذلك لمناسبة تأليفه كتاب "أبو الشهداء" ، فأرسل إليه الأستاذ العقاد كتاب شكر جاء فيه "وحسبى من الهدية إنها عنوان الرضوان من أمثالكم ذوى الفضل و العلم،ورضوانهم مفخرة لكل من يحمل القلم فى خدمة الحق والمعرفة" 22/12/1959 00والدكتوراه الفخرية تقدمت كلية دار العلوم الى مجلس جامعة القاهرة باقتراح بمنح الاديب الكبير عباس العقاد درجة الدكتوراه الفخرية من كلية دار العلوم لما أسداه الى الفكر العربى من ثروة خصبة. 15/6/1960 00وجائزة الدولة فى الأدب فاز الاستاذ عباس محمود العقاد بجائزة الدولة فى الأدب وقيمة الجائزة 7500 جنيها 23/11/1960 ..وجائزة الدولة التقديرية استلم الاستاذ عباس محمود العقاد جائزة الدولة التقديرية فى الأدب والتى وزعت فى عيد العلم وقيمة الجائزة 1000 جنية وميدالية ذهبية. ------------- من أخباره 9/7/1920 إصدار جريدة سياسية اتفق الاستاذان محمد توفيق دياب وعباس محمود العقاد مع صاحب جريدة النديم على اصدارهما جريدة نصف اسبوعية سياسية فى الاسكندرية 25/8/ 1959 .. ويبيع "سارة" للسينما وافق عباس محمود العقاد على أن يبيع روايته "سارة" التى ألفها فى مستهل رجولته ألى المخرج عاطف سالم ليخرجها إلى عالم السينما .. الشرط الوحيد للعقاد هو إختيار من يقوم بتمثيلها حيث قال أن الحكاية تتوقف على التمثيل وخاصة أنها رواية لا تعتمد على الحوادث قدر إعتمادها على التعبير النفسى 10/2/1960 ..وتلاميذه يطبعون كتبه على حسابهم اتفق تلاميذه على أصدار سلسة متصلة من كتب العقاد ومؤلفاته فى طبعات انيقة 00 وبدأ تلميذه محمد خليفة التونسى فعلا فى طبع " خلاصة اليومية " الذى صدر عام 1912 وفى الوقت نفسه بدأت حملة من تلاميذ العقاد لجمع احاديثه الإذاعية وكل مقالاته السياسية لينشروها على حسابهم مع مقدمات باقلامهم00 5/3/1960 ..و يحاضر لاول مرة فى الأزهر لاول مرة . ويوم 15 مارس الساعة 8 مساء فى قاعة الاجتماعات الكبرى فى الجامعة الأزهرية سيحاضر الاديب الكبير عباس العقاد عن " فلسفة الغزالى " 17/1/1962 ..ويتبرع بمكتبته لقصر ثقافة اسوان سيهدى عملاق الادب والبحث , عباس محمود العقاد – بعد عمر طويل – مكتبته الى قصر الثقافة فيها حتى تكون كتبه فى متناول أبناء شعب أسوان والنوبة , إذ تبلغ اكثر من 17 ألف كتاب فى مختلف العلوم والاداب والفنون. 14/3/1964 ..وجائزة باسمه للأدباء راى مجلس الفنون والاداب أن ينشئ جائزة باسم " العقاد " تخصص للجيل الصاعد من الادباء على أن تعلن مسابقة لها كل عام. 14/3/1964 ..وقارئة تنتحر حزنا عليه أول حادث انتحار حزنا على وفاة أديب عربى , سجله فجر أمس قسم الويلى فى القاهرة , عندما ابلغ بانتحار آنسة كانت قارئة للعقاد ومعجبة بشخصيته وأدبه 14/3/1964 ..واطلاق اسمه على ميدان مقبرته أطلق اسم عباس محمود العقاد على الميدان الذى أقيمت به مقبرته فى الطريق الموصل الى السد العالى خارج مدينة اسوان. 14/3/1964 .. سافرمرة واحدة طوال حياته العقاد لم يسافر خارج مصر ألا مرة واحدة سنة 1942, وكان لسفره ظروف 00 فقد أصدر كتابه " هتلر فى الميزان " يهاجم فيه هتلر والنازية , لما اصبحت قوات المانيا على مشارق الاسكندرية , فقرر ان يهاجر الى السودان حتى ارتد روميل عن مصر. ------------- عبقرياته عبقرية محمد 24/4/1942 قال فى مقدمة كتابه " أنه ليس سيرة نبوية جديدة تضاف الى السير العربية والافرنجية التى حفلت بها المكتبة المحمدية .. وليس شرحا للاسلام او لبعض احكامه او دفاعا عنه او مجادلة لخصومه .. انما الكتاب تقدير لعبقرية محمد بالمقدار الذى يدين به المسلم وكفى .." عبقرية عمر 2/11/1942 قال فى مقدمة كتابه " رجل المناسبة الحاضرة فى العصر الذى نعيش فيه لانه العصر الذى شاغت فيه عبادة القوة الطاغيه وزعم الهاتفون بدينها ان البأس والحق نقيضان , فاذا فهمنا عظيما واحد كعمر بن الخطاب فقد هدمنا دين القوة والطاغية من اساسه , لاننا سنفهم رجلا كان غاية من البأس وغاية فى العدل وغاية فى الرحمة " وكذلك قام بتأليف عبقريات اخرى مثل " عبقرية الصديق , عثمان , على , خالد , المسيح " ------------- من مقالات الرواد 1965/3/27 صورة من سيرة العقاد
لعل أهم وجه فى سيرة العقاد الانسان , أنه أول نموذج عرفته مصر , لما يمكن ان تسميه الأديب المتفرغ , فحين نستعرض تاريخ البلاد الفكرى والادبى من رفاعة الطهطاوى الى طه حسين لا نكاد نجد اسم قلم واحد من الاعلام كان يكسب قوته من فكره وادبه الا إذا كان من تلك الطبقة المترفة التى اغناها مالها عن العمل فى اى نوع كان , وعامة من نعرف من اعلام الفكر والادب كانت لهم صفة اساسية أخرى كالاستاذية فى الجامعات او التدريس فى المدارس والمعاهد او المحاماة او الطب او العسكرية, وكان الأدب والفكر فى حياتهم شيئا هامشيا مهما اصابوا فيه من مجد او مكانة, العقاد وحده هو نموذج الكاتب العصامى الذى شق طريقه فى الحياة بقلمه وأبى ان تكون له صناعة أخرى غير صناعة القلم يعتمد عليها فى رزقه , ولا شك ان تاريخ الادب العربى القديم حافل باسماء اعلام الشعراء الذين كانوا يكسبون قوتهم بشعرهم , ولكن عامتهم كانوا يكسبون قوتهم بالمدح والهجاء , ولكن العقاد بحكم تكوينه النفسى والعقلى وبحكم شموخه وتعاليه وعناده وصلابته واستقلاله فى الرأى لم يكن يوالى الاحزاب السياسية لمجرد الارتزاق حتى يتفرغ للفكر والادب, وانما كان يواليها على اساس عقائدى صائب او خاطئ ولكنه عنده الاساس فى كل ولاء. وقد استطاع العقاد ان يثبت للعالم العربى كله ان " الكتابة " مهنة ووظيفة فى المجتمع لا تقل شرفا عن المحاماة او الطب او الهندسة او ايه مهنة اخرى,وقد كان الناس ينظرون فى ايامه الى الاديب على انه " ادباتى " ويلحقونه بطائفة المداحين والهجائين التى تعيش طفولية على غيرها من الطوائف , وهذا هو السر فى ان ادباء الجيل الماضى والاجيال السابقة عليه بما فيهم الفحول كانوا يجزمون امام رؤية المجتمع بالادباتى ويجزمون امام مصير الادباتى فكانوا لا يمارسون الادب كوظيفة فى الحياة , بل يمارسونه كنشاط مكمل 0 حتى جاء العقاد وشق بقلمه هذا الطريق الجديد الوعر الذى سبق لادباء اوروبا وامريكا ان شقوه من قبل باقلامهم فضرب المثل لكتاب الاجيال الجديدة باخلاصه لذات الادب وشجاعته وصبره على المكاره , حتى اصبحت الصحافة والادب والفن بل وللفكر ايضا وظائف معترفة بها فى مجتمعنا المتطور.