بكل حزم أكد القضاة أنه حان الوقت للحديث عن تأمين المحاكم بشكل جاد فى ظل ما تشهده البلاد من حرب على الإرهاب وتهديد المحاكم بقنابل بدائية الصنع ، فى ظل الغياب التام للأمن بالمحاكم المدنية وتراخى أفراد الحراسة على المحاكم الجنائية والتى تحمى فقط المتهمين دون القضاة أو المواطنين، وطالبوا فى هذا الصدد بعدد من المطالب منها الإسراع بتشكيل الشرطة القضائية التى تتبع وزير العدل أو حتى الاستعانة بشركات أمن بشكل فورى ووضع بوابات الكترونية أمام بوابات المحاكم وتخصيص أبواب لدخول القضاة وأعضاء النيابة والعاملين فى المحاكم ووضع نقاط حراسة على أماكن تجمع القضاة مثل نوادى القضاة والاستراحات وعدم الاكتفاء بفرد حراسة واحد كما هو معمول به وضرورة فرض حرم أمنى حول المحاكم ونوادى القضاة يمنع فيه ركن السيارات أو الانتظار . شاءت الأقدار أن أوجد داخل احدى المحاكم المدنية وبالتحديد محكمة الأسرة بالكيت كات فى يوم انفجار قنبلة دار القضاء العالى ومكثت بها عدة ساعات ولم أصدق ما شاهدته فالمحكمة مبنى قديم مكون من ثلاثة طوابق كل منها به عدة دوائر وكل قاض ينظر أكثر من مائة قضية فى عدة ساعات وفى كل قضية يحضر المحامون والخصوم والشهود والأقارب والأصدقاء ، سألت المحامى أيمن عبد المقصود عن هذا الزحام وهل هذا اليوم استثناء؟ فقال هذا هو المعتاد، فقلت إن المداخل المؤدية للمحكمة وحتى للقاعات » سداح مداح « دون وجود أفراد أمن أو أجهزة كشف المعادن، فقال لى أن الأمن موجود بالمحاكم الجنائية أو التى بها نائب عام ويعملون بطريقة الشك أى أنهم لا يفتشون إلا الذين يثيرون الشك كما أن أفراد الأمن غير مدربين للتصدى باحتراف لمواجهة الأعمال الإرهابية، والأمن لا يهتم إلا بتأمين المتهمين أو القاضى ، وإذا حدثت مشكلة بين المتقاضين لا يتدخل أحد والجميع يكتفى ب«الفرجة» أما المحاكم المدنية مثل محكمة الأسرة فلا يوجد بها أمن إطلاقا. التكنولوجيا الحديثة ويقول المستشار رفعت السيد الرئيس الأسبق لمحكمة استئناف القاهرة إنه حان الوقت لنتحدث بصراحة ولاندفن رءوسنا فى الرمال فنحن فى منظومة القضاء نعمل بذات الوسائل وذات الإمكانيات التى بدأ بها القضاء فى القرن الثامن عشر وحتى الآن، لا نتعامل بوسائل التكنولوجيا الحديثة ، فالتحقيقات مثلا تتم من خلال توجيه أسئلة وكتابة أجوبة بخط اليد يحررها أمناء سر من متوسطى التعليم فى الغالب الأعم منهم عدم إجادة الكتابة مما يصعب معه قراءة التحقيقات سواء من القضاة بعد ذلك أو من المحامين ونتناسى تماما أن هناك تقنية تسمى بالتسجيل لكل ما يتم فى التحقيقات صوتا وصورة ولا نستخدمها إلا فى النادر كما حدث فى محاكمة الرئيس الأسبق مبارك مؤخرا، وذاك الأمر ينطبق على المحاكمات جميعا حيث يجرى تسجيل المحاكمات بذات الأسلوب الذى كانت تتم به قبل قرنين ، وهو أن يثبت أمين السر أقوال الشهود ومرافعات الدفاع دون رقيب فتأتى دائما محاضر الجلسات كاشفة عن أن ما دار بالجلسة ليس ما هو مدون بمحضرها ، فالمحامى يترافع لمدة ثلاث ساعات بينما يثبت فى محضر الجلسة أن المحامى شرح ظروف الدعوى، وإذا زاد اثبت انه دفع بعدة دفوع أى أن الثلاث ساعات لخصها أمين السر فى أقل من ثلاثة اسطر، وقد شهدنا فى محاكمة الرئيس الأسبق تسجيلات المحاكمة صوتا وصورة مما استخلص منه المشاهد أسباب الحكم واطمأن إلى شموخ قضائه . وأضاف المستشار رفعت أن قاعات الجلسات تكتظ بروادها من المتقاضين والمدافعين عنهم من المحامين واقربائهم واصدقائهم وغيرهم وجميعهم يحضرون منذ بداية افتتاح الجلسة وحتى نهايتها فى حين أن جميع المحاكم بها دائرة تليفزيونية داخلية يستطيع من يرغب فى مشاهدة الجلسة ان يشاهدها خارج القاعة سواء كان فى الغرف المخصصة للمحامين أو حتى فى الكافيتريات داخل المحاكم وبالتالى لن يكون داخل القاعة سوى المتقاضين ومن لهم شأن بالقضية وبالتالى يمكن التحكم فى القاعة والسيطرة عليها وتأمينها . أما من ناحية الحراسة والكلام للمستشار رفعت ففى دوائر الجنائية الحراسة مخصصة للمتهمين وليس للقضاة والهدف منها ألا يهرب المتهمون عند الحكم عليهم بعقوبات جنائية ، أما القضاة فليس لديهم أية حراسة على الإطلاق إلا عناية الله، وبالنسبة للقضاة فى المحاكم المدنية فليست هناك حراسة لا على القضاة ولا للمتقاضين على الإطلاق وبالتالى فإن حياة رجال القضاء وأعضاء هيئة الدفاع والمتقاضين داخل المحاكم لا تشملها على وجه الإطلاق أية حماية أمنية تكفل لهم أداء واجبهم فى استقرار وطمأنينة ، أما بعد الهجمة الشرسة التى تعرض لها الوطن بمحاولة تفكيك سلطاته والنيل منها وإثارة الشكوك حول أعضائها ومنها القضاء باعتباره أحد السلطات الثلاث ، فإن الأمر قد اختلف وأصبح من الضرورى والمناسب فورا أن يعهد إلى هيئة متخصصة ولتكن حتى شركات أمن تتولى حراسة دور العدالة وقضاة المنصة والتحقيق وكذا مرتادى المحاكم من المواطنين أصحاب الشأن فى القضايا ولا يقتصر الأمر على حراسة وقتية على بعض المستشارين الذين ينظرون قضايا الإرهاب. تأمين البنوك من جانبه يقول المستشار على خطاب رئيس محكمة استئناف المنيا انه من غير المعقول أن يكون حرصنا على تأمين البنوك وبعض مؤسسات العامة والخاصة أهم من حرصنا على تأمين المحاكم والقضاة، موضحا ان التأمين الحالى الذى يتم ينقسم ألى قسمين الأول خارجى يقوم بتأمين المحاكم من الخارج وهو أشبه بالمسكن فعلى سبيل المثال عندما نشكو من تكدس السيارات الملاصقة لمبنى المحكمة نقوم باستدعاء الشرطة والتى تتصدى بالفعل للمشكلة ولكن فى اليوم التالى تتكرر نفس المشكلة مرة أخري، وهناك تأمين داخل المحكمة للقضاة والمتهمين وهو بشكل عام يشوبه بعض القصور لأن أى شخص يمكن أن يدخل المحكمة ومعه سلاح دون أن يتم إيقافه لعدم وجود بوابات الكترونية لكشف المعادن والأسلحة كما هو الحال على أبواب البنوك . وطالب المستشار على خطاب بضرورة الإسراع فى تشكيل جهاز للشرطة القضائية تابع لوزارة العدل يتولى تأمين المحاكم من الداخل والخارج، ويكون هناك أكثر من مدخل للمحكمة أحدها يخصص للقضاة ، وتزويد المحاكم ونوادى القضاة والاستراحات الخاصة بالقضاة ببوابات الكترونية لكشف المعادن والأسلحة. الشرطة القضائية ويؤكد المستشار جمال عبد السميع عيد رئيس نادى قضاة سوهاج ورئيس محكمة استئناف قنا أن تأمين المحاكم لا يصلح معه إلا إنشاء جهاز الشرطة القضائية والتى يجب أن تتبع رئيس محكمة الاستئناف أو رئيس المحكمة الابتدائية كلا فى دائرته ، وهذا الجهاز يتولى تأمين المحكمة والقضاة وتنفيذ الأحكام , موضحا أن المطالبة بهذا الجهاز ليست وليدة الساعة ولكنها مطلب منذ سنوات عديدة وكانت الإجابة دائما عدم وجود التمويل أو الإمكانيات . ويضيف أنه مع الإنتشار الرهيب للسلاح وعدم وجود بوابات الكترونية لكشف المعادن أمام المحاكم يصبح من السهل على أى مواطن الدخول لقاعات المحاكم ولديه سلاح وقد حدث وتم أكثر من مرة الأخذ بالثأر داخل قاعة المحكمة ومنها قيام أحد المواطنين بقتل احد المتهمين بقاعة محكمة أبوتيج وذلك باستخدام سلاح ابيض دخل به المحكمة ثم القاعة كان يضعه داخل جريدة، وبالإضافة إلى المحاكم هناك أماكن لا تقل عنها أهمية تحتاج إلى تأمين وهى أندية القضاة خاصة فى الأقاليم والتى تشهد اجتماعات يومية ومستمرة للقضاة ووجود فرد حراسة لا يكفى بأى حال من الأحوال وقد تم بالفعل حرق نادى قضاة أسيوط ونادى قضاة بنى سويف كما تعرض نادى قضاة سوهاج للسطو الأمر الذى يتطلب على الأقل وضع نقطة حراسة أمام كل ناد، وعدم السماح بانتظار السيارات بجوار أسوار أندية القضاة . حرم أمني من جانبه حدد المستشار عبد الله فتحى وكيل نادى القضاة عددا من المطالب التى يجب الإسراع فى العمل بها لتفادى تكرار مثل هذه الأحداث المؤسفة منها انه لابد من فرض حرم أمنى حول المحاكم المنتشرة فى القاهرة والمحافظات لا يقل عن ثلاثة أمتار بشكل يسمح بتأمين المحكمة، وتركيب بوابات الكترونية أمام المحاكم وأن تكون قوات تأمين المحاكم فى حالة تأهب ويقظة واستنفار دائم لا تتصدى فقط للأحداث وإنما أيضا تتمكن من استباق الأحداث وليس كما نشاهد حاليا من وجود حالة من الاسترخاء من قبل بعض قوات التأمين .
المحاكم مستهدفة
قبل ثورة يناير كان يقتصر الأمر على سرقة الملفات والمناوشات البسيطة ، كما حدث فى مارس 2010 حين تم سرقة 134 ملف قضية من مبنى محكمة منيا القمح وسبقها الإبلاغ عن سرقة 16 ملف قضية من محكمة الخانكة وسرقة عدد من القضايا من إحدى محاكم المنصورة ليتطور الوضع كما حدث فى مارس 2012 عندما شهدت ساحة مجمع محاكم المنشية بالإسكندرية اشتباكات بالأسلحة النارية بين عائلتين، وفى مايو 2013 شهدت محاكم المنيا أربع جرائم قتل أولها مقتل تاجر وإصابة حارسه داخل سرايا مجمع محاكم المنيا بسلاح نارى أخذا بالثأر، وبعدها قتل شاب بطلق نارى وسلاح ابيض فى ساحة محكمة المنيا الأمامية وأيضا لقى فلاح مصرعه بسلاح ابيض فى محكمة ملوي، وتطور الوضع من السلاح النارى الى المتفجرات ففى اكتوبر 2014 طالب المستشار صابر غلاب رئيس محكمة جنايات الزقازيق من وزيرى العدل والداخلية الاسراع فى انشاء شرطة قضائية يقتصر دورها على تأمين المحاكم والنيابات والجلسات وتنفيذ الاحكام عقب قيام مجهولين بدخول قاعة الدائرة العاشرة المنعقدة بجنايات الزقازيق ووضع عبوة مفجرة بدائية الصنع داخل كرتونة أسفل منصة هيئة القضاء ولكن حاجب المحكمة اكتشف الكرتونة بالمصادفة. وفى يناير 2015 تم اكتشاف عدة قنابل منها تفكيك قنبلة بدائية الصنع زرعها مجهول بجوار مجمع محاكم المنصورة كما تمكن رجال الحماية المدنية من إبطال مفعول قنبلة عثر عليها فى أحد مداخل مجمع محاكم دمياط وهذا المدخل يؤدى الى مكتب رئيس المحكمة الابتدائية واعضاء النيابات فى حين شهد مجمع محاكم اسوان انفجار قنبلة صوتية داخل دورة مياه فى نفس الشهر . ومنذ اسبوع تم ابطال مفعول جسم غريب داخل مجمع محاكم المحلة الكبري، وأخيرا الحادث المؤسف الذى شهده دار القضاء العالى من انفجار قنبلة أودت بحياة شخصين وإصابة عدد آخر.